شبيبة العراق تقاوم اختراقها والمحاولات الخاسرة لوأدها


كاظم حبيب
2020 / 11 / 3 - 00:20     

على مدى عام كامل قاومت قوى الانتفاضة التشرينية بنجاح وأفشلت مجموعة من المناورات والمحاولات المناهضة التي استهدفت وجودها واستمرار فعالياتها واتساع قاعدتها والتعاون بين تنسيقياتها في بغداد والمحافظات، ابتداءً من الإساءة لسمعتها وسمعة المشاركين فيها، أو اختطاف وتغييب واغتيال الناشطين والناشطات الأكثر بروزاً أو اعتقال وتعذيب مجموعة كبيرة منهم، أو مهاجمة المتظاهرين في الشوارع والساحات، أو حرق خيامهم، أو ممارسة كل هذه المحرمات معاً وفي آن واحد. ولم يكن قتل أكثر من 700 متظاهر ومتظاهرة وجرح وإعاقة أكثر من 25 ألف متظاهر ومتظاهرة على أيدي أجهزة الأمن العراقية ومكافحة "الشغب!" والطرف الثالث (الميليشيات الولائية لإيران بأمر من رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة الجزار الخبيث عادل عبد المهدي)، سوى قمة الإجرام والفاشية والهادفة إلى إجهاض الانتفاضة الثورية السلمية وتفتيت قواها وتحقيق الانتصار عليها لصالح النظام السياسي الطائفي المحاصصي الفاسد والطغمة الحاكمة.
وحين أدركت القوى الحاكمة بأن استخدام القوة الغاشمة لن تنفع مع قوى الانتفاضة الشبابية، بل زادتهم إصراراً وعزماً على مواصلة النضال اليومي والتظاهر في ساحات النضال وتطوير مطالب الشعب وصياغتها بما يسهم على توسيع قاعدة الانتفاضة بفئات اجتماعية جديدة، وهذا ما تحقق فعلاً، رغم لعلة الرصاص وتهديدات جزار الانتفاضة، إضافة إلى بروز التضامن العائلي مع المتظاهرين ومطالب الانتفاضة الشبابية العادلة والمشروعة، بدأت كل القوى الإسلامية السياسية، الشيعية منها والسنة، ومستشاريهم وراء الحدود الشرقية، التفكير معاً لوضع خطة جديدة تساعدهم على مواجهة قوى الانتفاضة. فكانت الخطة، بموجب ما يشير له مجرى الأحداث، التي أقرها "البيت الشيعي" ووافقت عليها بقية أطراف التحالف الحاكم منذ عام 2004 حتى الآن على النحو التالي:
1. تشكيل حكومة جديدة يترأسها شخص غير حزبي، ولكنه قريب جداً من قوى الإسلام السياسي، مع الادعاء بكونه مستقلاً ويلتزم بتنفيذ مطالب قوى الانتفاضة وإعلان ذلك بمنهاج لوزارته. وكان مصطفى الكاظمي هو الشخص المناسب لذا الدور.
2. اتفاق بين البيت الشيعي والكاظمي على أن يقوم الأخير بتنفيذ بعض الإجراءات الثانوية المطمئنة لقوى الانتفاضة والمخدرة ليقظة الثائرين والشعب، دون أن يذهب بعيداً في تنفيذ أي من مطالب الانتفاضة الشبابية. ولا مانع من إدلاء الكاظمي ومستشاروه بتصريحات فيها وعود معسولة اشبه بتنويمات التهدئة والتخدير، وفيها ما يشير إلى مصاعب تحيق المطاليب بسرة ولا بد من منح رئيس الوزراء الوقت الكافي لإنجازها!
3. قيام مصطفى الكاظمي بتشكيل فرق عمل تسعى إلى اختراق قوى الانتفاضة في الساحات العامة بهدف إقناعها بالكف عن التظاهر والاعتصام في ساحة التحرير، ما دام رئيس الوزراء مع قوى الانتظار ويقف إلى جانبه وسيحقق مطالبه، لذلك لا بد من إعطاء فسحة من الوقت لتنفيذ وعوده، مع محاولة شراء بعض الذمم في الوقت ذاته وبصيغ مختلفة.
4. ويبدو أن اتفاقاً وتنسيقاً تم داخل البيت الشيعي أو بين قوى وأحزاب الإسلام السياسي في الدور الذي يجب أن يلعبه مقتدى الصدر ليبتعد عن مواقع المعارضة للحكومة أولاً، وأن يمارس الدفاع عنها وعن القوى الحاكمة ويدعو حلفاءه السابقين في سائرون أن يبتعدوا عن تشديد النقد للكاظمي وحكومته، ثم الدعوة أخيراً للتخلي عن التظاهرات، وأن عجز عن إقناع قوى الانتفاضة بهذا الموقف فليس هناك من مانع توجيه الضربات لهم حيثما أمكن وبأي ذريعة كانت والإساءة لهم بالشتم والتهديد والوعيد. وقد حصل هذا في مدينة النجف فعلاً، بما يقود إلى نشوء توترات بين قوى الانتفاضة وقوى التيار الصدري وعزل الأخيرة عن المساهمة في التظاهرات والتجمعات الاحتجاجية أو حتى ممارسة بعض مجاميعهم الاعتداء على قوى الانتفاضة.
5. الاستمرار باختطاف واغتيال نشطاء وناشطات من صفوف قوى الانتفاضة في المناطق الأكثر سخونة لاسيما بغداد والبصرة والناصرية، أو حرق خيامهم، من أجل نشر الرعب في صفوف الجماهير المؤيدة للانتفاضة والمشاركة فيها.
6. سكوت المرجعية الدينية الشيعية عما يجري في الساحة السياسية العراقية والتخلي عن مطالبة الكاظمي بتلبية مطالب المتظاهرين، التي وقفت إلى جانبها في فترة عادل عبد المهدي، لاسيما مطلب تقديم قتلة المتظاهرين للمحاكمة أو تقديم ملف الفاسدين الكبار للمحاكمة أو تعديل قانون الانتخابات وبنية مفوضية الانتخابات... الخ.
7. حصول توافق وتنسيق بين قادة إيران ومقتدى الصدر ومصطفى الكاظمي وبقية قوى الإسلام السياسي الشيعية على بذل الجهود لوضع حد لتظاهرات وللمطالب العادلة التي طرحتها الانتفاضة والموقف من التدخل الإيراني في شؤون العراقي الداخلية. وحين تحقق بعض الشيء من هذا القبيل في ساحة التحرير، أبدت القيادة الإيرانية عل لسان مرشدها عل خامنئي الارتياح الذي الكبير والشكر والثناء للدور البارز والكبير الذي لعبه مقتدى الصدر في إيقاف التظاهرات والاعتصامات في ساحة التحرير وبقية ساحات وشوارع بغداد بموجب ما جاء في نشرات الإخبار عن إذاعة إيرانية ليوم (02/11/2020).
8. وإعطاء فرصة التحرك لرئيس الوزراء جرت مساومة بين الولايات المتحدة وإيران على إقامة هدنة بينهما في العراق، من خلال إيقاف توجيه صواريخ كاتيوشا ضد المنطقة الخضراء والسفارة الأمريكية وسكوت الميليشيات الولائية عن مطلب إخراج القوات الأمريكية من العراق من جهة، مع موافقة الولايات المتحدة على استمرار العراق في استيراد الغاز والمنتجات النفطية من إيران من جهة ثانية وفسح المجال لرئيس الوزراء على تفكيك قوى الانتفاضة وإنهاء التظاهرات.
ولكن هل ستنجح الأحزاب الإسلامية السياسية وقوى الحكم الطائفي المحاصصي والفاسد وأد الانتفاضة الثورية السلمية، أم أنها ستبقى شعلتها مستمرة وهاجة ولن تخمد؟ كل العوامل والأسباب التي كانت وراء انطلاق الانتفاضة الشبابية ما زالت قائمة، بل يمكن تأكيد واقع أنها في بعض جوانب الحياة ومعيشة الشعب والأزمة المالية وتدهور أوضاع الاقتصاد العراقي وانخفض ملموس ومتزايد في سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار أو الاستمرار بنهب خيرات البلاد، ومنها استمرار مزاد الدولار الذي يستنزف سنوياً جزءاً مهما من احتياط العملة الصعبة في البنك المركزي العراقي، قد تفاقمت أكثر من السابق. وكم كان صائباً ونابتاً بيان المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي الصادر في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2020 إذ جاء فيه:
"انطلقت حركة الاحتجاج منذ بدايتها تعبيرا عن الرفض لواقع شعبنا وبلدنا المأساوي. وبدءا بمظاهرات شباط 2011 وصولا الى انتفاضة تشرين 2019، رفعت شعارات ومطالب عادلة تجاوبت معها غالبية العراقيين، لأنها جسدت تطلعهم الى حياة أخرى مختلفة، عبْر تغيير شامل لمنظومة الحكم المسؤولة أساسا عما آلت اليه الأوضاع، ولنهج إدارة الدولة. ولا تزال عوامل اندلاع الحركة قائمة، بل وتفاقمت في بعض جوانبها جراء الانسداد السياسي، واحتكار السلطة والقرار فيها، وبسبب الازمة المالية والاقتصادية والمعيشية والصحية، وتفشي جائحة كورونا، والعجز الحكومي عن تسديد رواتب الموظفين والمتقاعدين وتخصيصات الرعاية الاجتماعية، بجانب الفشل في إطلاق تنمية حقيقية واستنهاض اقتصاد البلد وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية، وحماية حياة المواطنين وامنهم وحصر السلاح بيد الدولة، والتصدي للفساد والفاسدين، وتهيئة شروط وعوامل إجراء انتخابات عادلة". ثم أكد البيان في نهايته: " اننا إذ نرفض اللجوء الى القوة في التعامل مع المنتفضين والمحتجين، وندين أيّ انتهاك لحقوق المواطنين واعتقالهم عشوائيا، نطالب بإيقاف أيّة ملاحقات للمنتفضين السلميين، واحترام حق التعبير والتظاهر والاحتجاج السلمي الذي كفله الدستور. ولا أرسخ من اليقين بان اللجوء الى القوة ليس حلا ولن يكون، مهما بُذل من جهد لتسويقه، وان لا بديل عن الإسراع في تلبية المطالَب الشعبية العادلة والمعروفة. وتبقى مآثر انتفاضة تشرين وبطولات المشاركين فيها وما افرزت من حقائق ومعطيات، معينا وزادا لحراك يتجدد ويتجدد حتى تحقيق التغيير الحقيقي. (أنظر: بيان المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، موقع طريق الشعب، بتاريخ 01/11/2020.).
لم ينهِ كل المعتصمين في ساحة التحرير في بغداد وجودهم كما لم ترفع كل الخيام أولاً، ثم أعلنت الناصرية والبصرة أنهم لن يكفوا عن التظاهر والمطالبة بالأهداف التي طرحتها الانتفاضة ثانياً، كما لم تعلن كل المحافظات في الوسط والجنوب عن كفها عن التظاهر والإضرار والاعتصام ثالثاً. لهذا من المتوقع جداً أن تنطلق الانتفاضة مجدداً لأن عوامل اتقادها قائمة وفاعلة. ليخسأ أعداء الانتفاضة الذين كانوا ومازالوا يسعون إلى إنهاء الانتفاضة بأي ثمن قبل أن تحقق أهدافها الوطنية والديمقراطية وحقوق الإنسان المصادرة. وسيبقى الصوت الذي أرتفع منذ سنوات، صوت الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجوهري الذي قال بنبوءة رائعة:
سينهضُ من صميم اليأسِ جيلٌ مريدُ البأسِ جبّارٌ عنيدُ
يُقايضُ ما يكون بما يُرجّى ويعطفُ ما يُرادُ لما يُريدُ
وها هم شبيبة العراق البواسل يواصلون مسيرة الانتفاضة السلمية العادلة ليلقنوا أعداء الشعب والانتهازيين والمفترين على الشعب وسارقي لقمة عيشه وناهبي خيراته دروساً لا تنسى.