الدكتور رشيد معتوق طبيب الإنسانية


نبيل عبد الأمير الربيعي
2020 / 11 / 1 - 09:35     

ولد د. رشيد معتوق في لبنان جونية/ كفر حلدا/ البترون يوم 13 شباط 1894م، تلقى دروسه الابتدائية في مدارس القرية ومدارس أديار المنطقة، أكمل دراسة الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1917م، بعد نهاية الحرب العالمية الأولى سافر إلى النمسا والتحق بجامعة فينا، حيث أنهى اختصاصه في الجراحة العامة، عاد إلى لبنان وكان ذلك في نهاية الاحتلال التركي له وبداية عصر الانتداب الفرنسي.
باشر عمله الإنساني كطبيب بخلفية خلقية انسانية حاملاً هم الفقراء وأحقيتهم بالحياة الكريمة، ناصب العداء للإقطاع في منطقة البترون ولبنان وبقي مع الشعب مطالباً بالعدالة والحرية، ناضل بدون هوادة ضد الانتداب الفرنسي مع شلة من اصدقائه ورفاقه أمثال المغفور لهم : عبد الحميد كرامي، حميد فرنجية، كمال جنبلاط، أنطوان ثابت، الشيخ عبد الله العلايلي، جورج حنا، حسين مروة. اشترك في عدة معارك أهمها معركة ميسلون إبان المقاومة السورية للانتداب الفرنسي، وحاول انقاذ البطل يوسف العظمه حيث جرح في تلك المعركة الشهيرة لكنه استشهد بين يديه.
انحيازه الوطني للبنان لم يثنيه عن انحياز مماثل للامة العربية ولقضايا السلم العالمي، نفي إلى العراق أثر ملاحقات كثيرة، عام 1933م عمل طبيباً جراحاً في المستشفى الملكي ومستشفى صحة الطلاب في الديوانية وعرف بالطبيب الروماني كم ذكر ذلك وداي العطية في كتابه (تاريخ الديوانية قديماً وحديثاً)، كان من ضمن اجرى له عملية في مدينة الديوانية عالم الديوانية الشيخ حسين محمد موسى الأسدي، كما عمل طبيباً جراحاً في الشامية والكوفة والمستشفى الملكي في الحلة وبغداد ومناطق الفرات الأوسط، ممارساً حياته في العراق كما في وطنه لبنان.
وكان إذا جيء به إلى مريض في أحد الأكواخ في مدينة الديوانية يدور بعينه في الكوخ وفي البيت، ومن هذه الدورة كان يعرف ما يحتوي عليه البيت وما لا يحتوي، ولا يمكن أن يدخل كوخاص أو بيتاً إلا ويسأل عن طريق لا تستلفت النظر عن عمل صاحب البيت وما يزرع وما يحصد إن كان فلاحاً، وما يكسب ويجني إن كان عاملاً، وعن عدد الأولاد في هذا البيت، مما يكوّن له فكرة عن حال المريض وأهل بيته الاقتصادية، وما الذي يعوزهم في دنياهم، فهو فضلاً عن إنه لا يتقاضى الأجرة المفروضة فإنه يوصي بمراجعته في المستشفى في وقت خاص، وهناك يكون قد أحضر للمريض الدواء المعين، ثم عدّة أمتار من القماش الصالح لتفصيل الثياب، وبعض الأغطية والأفرشة التي يكون (مراسله) قد جهزها من السوق، وفي ظرف من ظروف المكاتب يضع المبلغ المناسب حتى إذا جاء أهل المريض دفع كل هذا لهم ودعا لكريضهم بالشفاء، وإن هذه المناطق التي عمل فيها الدكتور معتوق تتناقض معيشة سكانها تناقضاً عجيباً، فهي مساكن الفلاحين والعاملين الفقراء لحد العري، كما هي مساكن الأغنياء الذين تتجاوز ثروتهم الحدود المعقولة، ولشهرة الدكتور معتوق الطبية فقد كان مرجعاً للفقراء والأغنياء في التطبيب، فكان يأخذ أجوره من الأغنياء فينفقها على الفقراء.
والدكتور معتوق لبناني مسيحي ومن سكان جونية الواقعة شمال بيروت وعلى البحر المتوسط، وحين حان موعد انتخاب النواب للبرلمان اللبناني كتب إليه أهل بلده يخبرونه بأن رأي البلد قد توحد في ترشيحه للنيابه، وعليه أن يعجل بالعودة، فقدم الدكتور معتوق استقالته للحكومة العراقية، ولكن لم يكن لديه أي مبلغ يكفي لانتقاله وانتقال عائلته إلى مسقط رأسه بلبنان، فباع بيته واتخذ منه العون في الرجوع إلى جونية.
كان مناضلاً بارزاً في سبيل السلام وقد انتخب عضواً في مجلس السلم العالمي الى جانب كبار الشخصيات الوطنية العالمية، بعد عودته النهائية الى لبنان أنشأ أول مستشفى في دوما منطقة البترون، وعالج فيها المرضى حتى وفاته. طالب بانشاء الضمان الصحي، ومارسه بشكل متقدم شبه مجاني، طالب بإنشاء جامعة وطنبة لبنانية، ومدارس إجبارية مجانية، تلقن العلم والوطنية وتناهض الاستعمار بجميع أشكاله، طالب الاهتمام بالزراعة ومساعدة الفلاحين.
وقبل أن تخطو قدمه عتبة البرلمان اللبناني راح ضحية دهس لسيارة فلت مقودها من يد سائقها في الطريق العام في منطقة العاملين وهو في طريقه إلى بيروت، فتوفى في أيلول عام ١٩٥٦ إثر هذا الحادث، فبكاه الناس بلبنان كما بكاه عارفوه من الفقراء وغيرهم في العراق، ودفن معه جانب كبير من الإنسانية في قبر واحد. وتخليداً لذكراه أقيم له تمثال في ساحة فسيحة أنشئت خصيصاً للنصب. له مقالات عديدة في الصحف والمجلات العراقية والعربية واللبنانية في مجال اختصاصه.
المصادر
1- رشيد معتوق: الطبيب الانسان. منشورات دار الثقافة، 1997.
2- الحزب الشيوعي اللبناني. منظمة البترون. منظمة سياسية. 13/ كانون الأول/ 2015.
3- جعفر الخليلي. هكذا عرفتهم. ج7. ص160.