للمقهورين أجنحة


حسن مدن
2020 / 10 / 31 - 07:47     

فعلت الراحلة الكبيرة رضوى عاشور ما لم يفعله سواها من الباحثين العرب، حين مدّت الجسور بين ثلاثة أعلام في الثقافة والفكر العالميين: فرانز فانون وإقبال أحمد وإدوارد سعيد.
ربما يلزم هذا القول بعض التدقيق. الجسور لم تقمها رضوى. الجسور بين الثلاثة قائمة بالفعل، ولكن لتكوّن هذه الجسور تاريخاً، وهذا التاريخ لا يعرفه الكثيرون منا. هذا ما فعلته رضوى بالذات: كتابة تاريخ مدّ هذه الجسور، أو كيف تشكّلت.
لم يلتق إدوارد سعيد بفانون. كان فانون قد توفي (في العام 1961 عن ستة وثلاثين عاماً)، حين بدأت انشغالات سعيد الفكرية والنقدية، لكن إقبال أحمد التقى فانون وعمل معه أيضاً. وأين؟ في الجزائر! نعم في الجزائر التي كانت تخوض حرب تحريرها ضد المستعمر الفرنسي.
إلى هناك ذهب فانون وإلى هناك ذهب، بعده، إقبال، الطالب الباكستاني الذي قطع دراسته في جامعة بريستون ليلتحق بصفوف جبهة التحرير الوطني الجزائرية ويمكث هناك بين1960 و1963، السنة التي توفي فيها فانون مصاباً بمرض »اللوكيميا«، بل إن إقبال شارك في تشييع جنازة فانون هناك.
فانون المولود في المارتينيك أتى الجزائر ليعمل طبيباً نفسياً في أكبر مستشفياتها، لكنه استقال من عمله والتحق بصفوف جبهة التحرير أيضاً لأنه قرّر «ألا يفقد الأمل في نفسه».
بين إدوارد سعيد وإقبال أحمد لم تكن مجرد معرفة، إنما صداقة ممتدة ابتدأت حين التقى الرجلان في العام 1968 في الولايات المتحدة. وفي مقالها، أو بالأحرى دراستها، سلّطت رضوى عاشور الضوء على الدور الكبير الذي أدّته هذه الصداقة في شخصية وفكر سعيد، ومن ذلك تعريفه بمنجز فرانز فانون الذي استفاد منه سعيد كثيراً في دراساته اللاحقة. أكثر من ذلك ترى رضوى أن إقبال كان بالنسبة لسعيد مصدراً من مصادر خبرته بالعالم الثالث.
لا أذكر أين قرأت وعلى لسان إدوارد سعيد نفسه أن منجز فانون هو الذي قاده فيما بعد للتعرف إلى فكر غرامشي. وعلى كل فالمعرفة هي هكذا: دوائر تنداح نحو دوائر إلى ما لا نهاية.
دراسة رضوى عاشور هذه كتبت في العام 2005. وحواها الكتاب المهم الصادر مؤخراً عن «دار الشروق» بعنوان: «لكل المقهورين أجنحة - الأستاذة تتكلم»، وجمعت فيه مقالات ودراسات الراحلة في اللغة والأدب والجامعة والثورة، إضافة إلى ما كتبته عن فلسطين وعن رفاقها في الإبداع والفكر، وأيضاً بعض مقالاتها المكتوبة بالإنجليزية وترجمتها إلى العربية دعاء إمبابي وندى حجازي، وأحسب أنه ما يزال لرضوى مقالات ودراسات أخرى غابت عن الكتاب، أذكر منها نص محاضرة بعنوان: "لكلٍ غرناطته"، ألقتها في إحدى دورات معرض الشارقة الدولي للكتاب في نهاية التسعينات الماضية، ونشرت في أحد أعداد مجلة "الرافد".
"لكل المقهوين أجنحة" كتاب يستحق وقفات.