لماذا لا نلوم فرنسا ولا ندين ماكرون؟.


عباس علي العلي
2020 / 10 / 31 - 02:51     

لماذا لا نلوم فرنسا ولا ندين ماكرون.


كنت أحاول الأبتعاد قدر الإمكان عن التجييش وحالة الهستيريا التي أصابت العقل الجمعي الإسلامي بعد تصريحات ماكرون التي جاءت عقب قتل المدرس الفرنسي وتداعياتها، قد أفسر لنفسي وأبرر لها أن ما حدث ويحدث كالعادة مجرد صدى فارغ لحالة هوس وتطرف مدان لمن يحاول أن يستغل هذا الحدث وهذا الموقف الفرنسي والمدان أخلاقيا قبل أن يكون مدان دينيا أو فكريا، ومع ذلك وجدت هناك سيل من الأفكار في رأسي تستدعي مني موقفا ما على الأقل لتوضيح جملة من الحقائق التي نستنكرها نحن وهي في صلب أعتقاداتنا ونمارسها يوميا بوعي أو بدون وعي،.
المهم أنها جزء من كل لا نعيه ولا نعي أثاره على الغير كما نتعامل الأن مع الموقف الفرنسي، هذه الازدواجية الشيفونية ليست حلالا علينا وحراما على غيرنا بأي معيار وتحت أي تبرير، فليس من المنطق مثلا أننا نصف اليهود بأنهم أحفاد القردة والخنازير ولا نستحي أن يقال عنا أننا متخلفون وقريبون للهمجية، ولا نستحي أن نقسم العالم إلى كفار غضب ويغضب عليهم الله لأنهم ليسوا على دين محمد وأنهم مستحقوا القتل والإبادة والفناء حتى ننصر الله العاجز عن تحكيم دينه الذي أرتضاه، ولكن يجن جنونا لو حاول أحد أن يذكرنا ببعض السوء الذي ننعت به العالم من حولنا يوميا، والأدهى أنه حتى المسلمون الذين يشكلون حسب عقائدنا ثلاث وسبعون فرقة كلهم في النار إلا الفرقة التي نحن منها حتى لو كانت هذه الفرقة تمتهن القتل وتزرع الكراهية وتحتقر الإنسان وتدعوا إلى البقاء طوافون حول قبور ذارية لم يبقى من سكانها لا عظم ولا ذرة وجود، المهم أنهم قالوا أن الله لا يحب إلا من أخترناه فروعنا لنا يرينا ما يرى ولا مجال حتى للمناقشة.
لم يشكل تصريح الرئيس الفرنسي ماكرون ولا تشكل حادثة قتل الأستاذ الفرنسي إنعطافة حقيقية في مسألة موقف المختلف عنا ولا في موقفنا من مما يجري فينا وحولنا، ولكنها زادت من كم الكراهية ورفض الخصوصية العقيدية لمن هم تحت مفعول الهوس الديني والعنصري في عالم أساسا قائم على فكرة المزاحمة والمنافسة وإثبات الذات حتى لو أدى ذلك إلى خراب ما بنته فكرة التسامح وقبول المختلف تحت مفهوم أن الدين لله وأن الحياة الوجودية للإنسان عليه أن يعيشها بأفضل حال ويترك ما عدا ذلك لعناصرها المحركة، فالله لا يحتاج لجنود للدفاع عنه وعن أديانه كما لا يحتاج لإبليس أخر يخرجنا من جنته ونتيه في الأرض مرة أخرى، وقبل أن ندين هذا وذاك هل من الواجب علينا أن ندين أنفسنا نح الذين منحنا الذرائع لمن يريد أن يمس ما هو مقدس لنا برأينا ونحن في أمس الحاجة لأن نتطهر من أثم أنفسنا ونزيل عن عقولنا فكرة التعالي وملكية الحق بالمطلق، فالحياة بالنسبة لنا أمر مختلف عن غيرنا وهذا حق طبيعي للإنسان دينيا وفكريا وأخلاقيا، وهذا أيضا لا يعطينا الحق أو المبرر أن نجبر من لا يريد ركوب سفينتنا مهما كانت المبررات والأعذار للسفر معنا إن كنا نحترم ربنا وديننا الذي صرح بلا لبس ولا شك أنه من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر لسبب بسيط جدا أننا لا نعلم بالتحديد موقف الله النهائي من كل ما يجري، إنما هي تقديرات وتعليلات وقراءات لنا فحسب لا نلزم الله بها ولا يلتزم جلالته القدسية بها.
هنا لا أدين أحد ولا أبرر لأحد ولا أعطي الحق لأحد أن يتجاوز ما هو غير طبيعي ولا عقلاني حتى لو مس الموقف جوانب حساسة مما نؤمن به أو يؤمنون به، وحتى نصل للموقف الواجب عنده المتابعة والنقد والمواجهة لما سمي الإساءة للرسول محمد وللدين الإسلامي علينا أن نكف نحن أولا من هذه الإساءات التي شكلت ركيزة لما عليه الموقف اليوم، علينا أن نكف عن سب النبي والتعرض له في شرفه وتاريخه وفكره والكذب عليه والتقول بألاف الأحاديث التي نسبت له زورا وبهتانا، علينا أن نستنكر ما قيل عنه في كتبنا وفي عقائدنا من أنه أرسل بالسيف والرعب، وأنه يدعوننا صباح مساء لقتل الكفار والمخالفين عنا وإرسالهم للجحيم حتى لو كانوا هم أعمدة النور والعلم والضياء الذي يرسم لنا طريق الحق، علينا أولا أن نتخلص من فكرة الفرقة الناجية ونكف عن ترديد مقولات لا ندرك حجم تأثيرها في صنع كراهية الإنسان لله والدين والرسل، علينا أيضا أن نمضي لبناء مجتمع خالي من الفقر والمرض والجهل والتخلف التي هي من مبررات وجود الدين، علينا أن نرفض مبدا أن السلطان مهما كان ظالما فاسقا فاجرا متوحشا هو ظل الله في الأرض ولا يجب الخروج عليه طالما أنه في حلف مع رجال الدين ويخادمهم ويخادمونه على السراء والضراء، علينا أن نعي أن كرامة الدين من كرامة وحرية الإنسان من أساسيات تحريره من وهم العبودية والأستغلال والظلم.
هنا لا أشجع أحد على الإساءة للأخر ولا أدعو إلى نبذ الحوار الإنساني فهو في ظل أي مبرر غير مقبول خاصة من دولة ومجتمع يؤمن بالحرية الفردية ويحترم حقوق الإنسان، لكن المواجهة العنفية والتطرف فيها لا يمكن أن يؤدي بنا إلى أنتصارنا للدين وللرسول بل سيزيد من كمية الحطب الذي سيشعل في الساحة ويذهب الأبرياء ضحيته ليزيد من حجم الجريمة ويوسع في مدارها ونتائجها الكارثية، هذا ليس تبريرا للخنوع ولا رضاء بما في الموقف الفرنسي وقبولا به أبدا، فالكراهية تبقى مشتعلة ما دام هناك من يغذيها وينتفع منها وبها، والحل أن ننزع المبررات أولا ونزيل أسبابها من عقولنا وقلوبنا لو كنا جادين فعلا في نصرة الله ورسوله، ولا ننسى أن الصورة التي قدمناها للعالم عن الإسلام ما زالت حاضرة في المشهد والذاكرة وما زالت تعطي ثمارها المرة من داعش إلى كل أشكال القتل الإيديولوجي الديني المذهبي الذي دمر بلاد المسلمين بأيديهم وأموالهم ونطلب ممن عاش جاهدا للتخلص من الحروب الدينية والمذهبية بثمن غالي أن يعودوا لها تحت شعار الإسلام هو الحل.
الدين والرسول والله والمثل والأخلاقيات المرتبطة بهما ليست مسئولة عما يجري كي نحملها الذنب والعار، ولكن هو الإنسان ذلك الكائن الذي لا يتعظ ولا يدرك حجم الجحيم الي أشعله في نفسه هو المسئول وهو المدان وهو الضحية، مهما كانت هناك جوانب نعتقد أو يعتقد البعض فيها أنها مرة وأنها لا تتناسب مع العالم الذي نعيشه فعلينا التخلي عنها أو على الأقل تحيدها من الفعل والحضور، وليس التطرف في الموقف ورمي كل شيء وراءنا بحجة أن الغير ملائم جزء منها، الإسلام والنبي وعموم الأديان وسيلة أخلاقية وفكرية للرقي البشري متى ما أخذت بالقصدية التي جاءت بها وبالكمالية التي وضعت من أجلها، وليست هي تلك القراءات المتناقضة التي فهمها البعض وجعلها تعميما من الله للناس والله يدعو للسلام والمحبة والاخوة بين خلقه في أطار نظام طبيعي أعطى لكل ذي حق حقه ولكل شيء سببا، فما بال الناس أستحوذت على ما ليس لها وتطمع بالمزيد وكأن الله غاب وترك الأمر والتقرير والمصير لهم وحدهم.
إن مراجعة الذات ومحاولة فهم موقف الأخرين منا وأسباب كل ذلك أولى من كل عملية أو تصرف أو موقف يمكن به أن نعيد أنفسنا إلى حالة التقدير والأحترام، مهما قتلنا وفجرنا وتطرفنا وزاد هوسنا لا يمكن أن نحصد ما يريد الله والدين لنا، كما أننا نذكر أن من يكون هاجسه الإساءة للإساءة فقط، أن النار التي تشعلها في بيت جارك أنتقاما منه لا بد أن يصيبك شيئا منها، والأولى ن لا نجعل منها لغة ولا نكرر أخطاء من سبقونا فكلنا في مركب واحد، فيه العاقل والمجنون ونحن في وسط دوامة بحر قد لا ننجو ولا يمكنا حتى أجتياز المحنة ونحن نصر على التنازع في سفينة يراد لها أن تسير بهدوء وطمأنينة حتى نصل يوما ما إلى شاطئ السلام والحرية والتكامل.