عشرات أسر عمال المناجم بجبل عوام بلا مورد عيش منذ شهور، بقلم؛ إ.س صحافي متضامن


المناضل-ة
2020 / 10 / 29 - 00:35     

مستويات البطالة المرتفعة تدفع الكادحين المجردين من كل ملكية الى بيع قوة عملهم بأبخس الأثمان، وفي ظروف عدم استقرار وخوف دائم من المستقبل.
هؤلاء هم العمال ضحايا عقود العمل المؤقت، وضحايا شركات الوساطة في التشغيل (السمسرة في بني آدم) وما يسمى المناولة. وقد عملت الشركات المستغلة للمناجم على تعميم هذا الشكل من التشغيل الهش، سواء باعتماد عقود محددة المدة مع كل مستخدم جديد، أو تسريح العاملين بعقود غير محدودة المدة وإجبارهم على العقود المحدودة.
هذا كله بمنطق تنافسية المقاولة، والإنتاجية، وما إلى ذلك من ضرورات إنتاج لا هم له سوى الربح ومزيد من الربح. وبهذا الشكل تتراكم الثروة بيد أقلية ويعم الفقر والمعاناة بين العمال، وفق ما قال الأديب الفرنسي فكتور هوغو: جهنم الفقراء هي جنة الأغنياء.
ويتحمل العمال ضحايا عقود العمل المحدودة الحرمان من الحقوق، لأن ما تحتهم هو الموت جوعا. لكن هذا التحمل لا يحميهم من الطرد من العمل والسقوط إلى مستوى التجويع والتشريد. وهذا ما يحصل عندما يعتبر البرجوازي أن ما لديه من عمال يفوق حاجات مقاولته، بسبب تناقص الطلب على سلعته، أو إدخاله تقنيات إنتاج وآلات جديدة وما شابه...
وهذا واقع يومي تعيشه الطبقة العاملة، اليوم في هذا القطاع وغدا في آخر.. إلى ما لا نهاية. وقد حلت الأزمة الصحية الناتجة عن كوفيد-19 لتفتح باب جهنم على العديد من القطاعات العمالية، بالتسريح والحرمان من الأجور والنزول إلى حضيض البؤس وويلاته. وجد البرجوازيون، الذين ظلوا عقودا من الزمن يكدسون الأموال من عرق العمال ودمائهم، الفرصة في جائحة كورونا للتخلص من العمال او خفض ساعات العمل أو إنقاص الأجور.
أليس العمال في النظام الرأسمالي الهمجي غير مورد من الموارد، يتم الاستغناء عنه بانتهاء الحاجة إليه، دون أي اهتمام بمصير الأسر العمالية؟
هذا ما حصل بمناجم جبل عوام، هناك في نواحي مريرت بجبال الأطلس المتوسط، حيث توجد اليوم فئة عمالية تابعة لشركات المناولة دون عمل ولا أجر ولا أي دخل، ما يعني المصائب لهم ولأسرهم: تكاليف كراء السكن، ومواد الاستهلاك الأساسية المستحيل اقتناؤها لأن تاجرها الصغير لا يقبل التسليف لعامل لا دخل له، ومصاعب الاستشفاء في حالة المرض، ولوازم دراسة الأبناء المفقودة، [الصبيان مرضوا وجاعوا...] وما إلى ذلك من ضرورات الحياة الأساسية.
إنهم عشرات العمال المطرودين مع بداية جائحة كورونا، بعضهم أعيد الى العمل وآخرون لا يزالون معطلين، استفادوا من دعم في الشهور الثلاثة الأولى، وانقطع الدعم إلى يومنا هذا.
من ينظر في حال هذه الأسر؟ لا أحد. التضامن العمالي ضعيف لأن الشركة المنجمية ومن يدعمها قضوا على العمل النقابي القوي، بتشتيت صفوف العمال بين شركات مناولة وآخرين مرسمين، وبقمع النقابيين الصادقين، وبنشر الوشاة وبالتخويف الدائم...
هؤلاء العمال يطالبون بالعودة إلى العمل، لا يطلبون صدقة بل حقا إنسانيا بسيطا.
ما الحياة دون دخل، دون عمل؟
أين التعويض عن البطالة؟ أين التعويض عن فقدان الشغل الذي يصرفه الضمان الاجتماعي؟ أين دعم ضحايا التسريح بسبب كورونا؟ بينما الدولة تغدق المساعدات على أرباب العمل بمبرر تحريك الاقتصاد؟
لقد بينت الدولة حقيقتها لمن يجهلها: إنها أداة بيد البرجوازية تخدم بها مصلحتها وتقمع بها الطبقة العاملة وعامة المقهورين. لماذا لا يسجن أرباب العمل الذين يشردون العمال، بينما يسجن مناضلو الطبقة العاملة المدافعون خبز أبنائهم؟
لو وجدت بالمغرب حركة نقابية قوية، موحدة وكفاحية، تسير بديمقراطية، لجرى تنظيم التضامن العمالي على صعيد وطني، ولتم تنظيم نضالات كبيرة تجبر الدولة وأرباب العمل على تقديم تنازلات حقيقية تقي العمال شر التشرد بسبب الطرد، ولنالت الطبقة العاملة تحسينا في الأجور وفي ظروف العمل، ولتم حل العديد من المشاكل العالقة، منها مشكل التشغيل بشركات المناولة.
هذا ليس حلما، انه واقع عشناه أيام حراك 2011، المتكون من حركة 20 فبراير والعديد من الحركات الاحتجاجية العمالية والشعبية في طول المغرب وعرضه.
الطبقة العاملة قوية، لكنها لا تزال غير واعية بقوتها. إن وعي القوة عنصر أساسي من عناصر القوة. دائما وأبدا لا خلاص للعمال إلا باتحادهم وتضامنهم.
تجري اليوم نضالات عمالية وشعبية عديدة يخوضها العمال ضحايا تدبير الدولة لأزمة كورونا، وقطاعات شعبية أخرى من صغار المالكين، لكنها نضالات مشتتة لا مجهود لتوحيدها من طرف المنظمات النقابية، وهذه معضلة أخرى. لنا عودة إليها.