النظرية العامة لكينز رؤية نقدية 2


عبدالرحمن مصطفى
2020 / 10 / 28 - 23:15     

نظرة كينز للادخار لا تتمحور فقط حول المفاضلة بين الاستهلاك الحالي والمستقبلي (كما يصور ذلك النيوكلاسيك) ؛انما ينظر للادخار كتفضيل للسيولة أيضا ،لذلك فهو يبتغي ان يطغى الجانب الاستثماري الإنتاجي على الأمولة ؛باعتبار الأخيرة شر وقعت فيه الرأسمالية ؛ففي القرن التاسع عشر عندما كان صاحب هو نفسه الرأسمالي ،اي عندما كان يقوم بمشروعه بموارده المالية الخاصة كان ذلك في صالح المجتمع و اكثر تعاطيا مع المشكلات الاقتصادية الكلية (البطالة ،الإنتاج) ،اما عندما انفصل الجانب التمويلي عن الإداري ؛فأدى ذلك من وجهة نظر كينز الى جرأة اقل على المخاطرة والاستثمار ،وتفضيل السيولة وجني الأرباح بالطرق السهلة والميسورة والتي تضمن توفرها على المدى القصير من خلال المضاربة ،او القيام بالمشاريع الي تتطلب وقتا اقصر من مشاريع اخرى
على ان المشاريع الأخيرة اصبحت حكرا على الشركات الكبرى ،لهذا فالاحتكار يترافق مع تطوير وتوسيع قاعدة المشروعات الصناعية او الخدمية ،حيث ان القيام بها يتطلب قدرة مالية وقدرة على حشد الموارد لا تتوفر لدى الشركات المتوسطة او الصغيرة ،فتمركز رأس المال يترافق مع القدرة على تأسيس المشاريع الكبرى (كمحطات السكك الحديدية ،وتصدير رؤوس الأموال الى الدول والقارات الأخرى الخ..) .

لهذا فأن كينز يولي أهمية كبرى لمشكلة اللايقين في السوق ، فبينما تسود السوق حال الثقة عند انخفاض اسعار الفائدة اكثر مع الوقت ،تنقلب هذه الثقة الى شك لو تواصل انخفاض اسعار الفائدة ،فتظهر المخاوف من ارتفاع مرتقب لمعدلات الفائدة مع تخفيض لكمية النقد في السوق ، والوسيلة لتحقيق تساوي بين الكفاية الحدية لرأس المال مع أنسب معدل فائدة (منخفض) ؛ يكون من خلال الحد من مشكلة تفضيل السيولة ،وزيادة الثقة بالسوق ،والحد من المضاربة المالية التي تحد من القيام بالمشاريع التي تتطلب اطوالا اكبر على المدى البعيد.

لكن عند طرح هذه المشكلة ،يواجه كينز عددا من العقبات التي يمكن ان تعرقل عجلة الاستثمار في السوق ،ومنها الطابع الادخاري للنقود ؛حيث ان النقود تمتاز على غيرها من السلع والخدمات بإنحفاض تكلفة حملها عن فرق السيولة الخاص بها (اي التأمين المفروض على الإحتفاظ بها) هنا فأن الحالة السائلة للنقود لا تتطلب اي تكاليف حمل ، على عكس السلع الأخرى ؛فالقمح على سبيل المثال يبتلى مع الوقت لذلك يتطلب الإحتفاظ به تكاليف تخزين كبيرة ،بالإضافة لسبب آخر لكون النقود تتفوق على السلع الأخرى بمزاياها الادخارية ،ان انخفاض سعر الفائدة بالنسبة للكفاية الحدية لرأس المال اقل بالنسبة للنقود من السلع الأخرى ،فكمية النقد ثابتة نسبيا ولا يمكن التحكم بها (زيادة او نقصان) لإنها تابعة لكمية الإنتاج ،وآنذاك في عصر كينز كانت النقود مرتبطة بمعيار الذهب (قبل الإنفكاك من اتفاقية بريتون وودز).


لهذا فأن مرونة انتاج النقد اكثر ثباتا من المرونات الإنتاجية للسلع الأخرى ،وهنا يمكن اعتبار النقد والذهب ايضا افضل وسيلة لإنجاز المبادلات والمعاملات التجارية ،لكن لهذه المزايا الادخارية للنقود والذهب عيوب ،فكما اوضحنا تؤدي هذه المزايا الادخارية الى تفضيل السيولة على القيام بالمشاريع التي تتطلب فترات أطول من العمليات الإنتاجية و الرواجية ،او مدة دورانها تتطلب فترات أطول من المشاريع الأخرى ،لهذا تقترب نظرة كينز أحيانا من نظرة النقديين في اعتبار معيار الذهب عائق امام حركة الإنتاج في السوق ،وربما كن سينظر بعين الرضى الى ما حدث عام 1971 من فك العلاقة بين الدولار والذهب ،لكن هذا جزئيا لأن هذه العملية نتج عنها أمولة اكثر للسوق financialization .وطغى الجانب المالي على الجانب الإنتاجي بما يقارب الخمس مرات ،وفي عهد كينز كانت الأزمات المالية حوالي الأربع وثلاثين ازمة اي من العقد الرابع من القرن العشرين الى العقد السابع ،لكن من ظهور النيوليبرلية ابتداء ن العقد السابع من القرن الماضي الى الازمة المالية عام 2008-2009 كان عدد الأزمات 140 ازمة تقريبا!

لهذا ،يعتبر كينز المزايا الادخارية للنقد عائق امام حركة الاستثمار والإنتاج وما ينبثق عنها من حد لمشكلة البطالة في السوق.فلا شك بالنسبة اليه ؛ لو كان النقد اكثر ارتباطا بمعايير اخرى غير الذهب ،يمكن الحد جزئيا من مشكلة تفضيل السيولة وزيادة الحوافز على الاستثمار .فهنا يمكن الحد من جمود مرونة انتاج النقد لو ارتبط بمعيار آخر غير الذهب (البترول مثلا) من وجهة نظر كينز ،وبهذا يمكن الحد من تفضيل السيولة وزيادة التدفق النقدي في السوق .

لكن هناك جوانب اخرى بنظره تحد من مشكلة جمود مرونة الانتاج للنقود ؛ منها زيادة الحصول على الذهب من خلال التنقيب ،ان سعر الفائدة على النقود يميل الى عرقلة انخفاض معدلات الفائدة بالنسبة الى معدلات الكفاية الحدية للسلع الأخرى ،فمثلا في حالة وجود كمية نقد كبيرة في السوق من خلال رفع اسعار الفائدة يمكن الحد من كمية النقد هذه والحد من الاستثمار في السوق (جزئيا لأن الفائدة ليست العامل الوحيد ولا الأقوى الذي يتحكم بالاستثمار بالنسبة لكينز) .


يخلص كينز الى إظهار تصوره للنظرية الاقتصادية من خلال تحديد وتصنيف العوامل المؤثرة اكثر من غيرها في حركة السوق ،والمتغيرات المتأثرة بفعل هذه العوامل ،وما استعبده من عوامل اخرى يمكن ان تؤثر بدورها على السوق .

المتغيرات التابعة كما اسلفنا سابقا (حجم التشغيل ،حجم الإنتاج) ،المتغيرات المستقلة (تفضيل السيولة ،الميل الحدي للاستهلاك ،الكفاية الحدية لرأس المال).اما ما استبعده كينز من عوامل ؛فالحقيقة ان هذا يظهر طبيعة تصوره للنظرية الاقتصادية ،حيث نظرته الاستاتيكية للاقتصاد ،حيث انه قام باستبعاد العديد من العوامل المهمة واعتبرها كمعطيات في نظريته given data منها : 1-التقنية المستخدمة في الإنتاج 2-كمية رأس المال الثابت (المعدات والالآت وكذا المواد الأولية) 3-حجم العمالة المتاحة 4-جودة المعدات المتاحة 5-درجة المنافسة 6- اذواق المستهلكين وعاداتهم 7-الضرر الناتج من الكثافات العمالية المستخدمة والأنشطة التنظيمية 8-البنية الاجتماعية التي تتضمن العوامل المحددة لتوزيع الدخل .

وواضح من هذا ان كينز يبني نظريته من خلال رؤية استاتيكية للسوق ،حيث انه يستبعد أهم مشكلات النظام الرأسمالي وهي حالة الإحتكار وتأثيره على الأسعار وحجم التشغيل في السوق ،وهذا يتضح أكثر من خلال تركيز تحليله على توقعات الأفراد (ابراز جانب اللايقين فيه على العكس من المنظور النيوكلاسيكي باعتبار توقعات المستهلكين عقلانية دائما !) ،وهو لا يناقش مسألة التقنيات والتكنولوجيا المستخدمة في الإنتاج ، فضلا عن مناقشة العولمة الإقتصادية و و ماترتب عنها من تصدير لرؤوس الأموال واختلال في حاد في الميزان التجاري مثلا بين دول الشمال والجنوب .لهذا غاية كينز السياسية تسبق رؤيته النظرية ،فهو يبغي الحد من مشكلات معينة ظهرت في عصره .كمشكلة البطالة ،وهم السوق الحر و الاستقرار المزعوم للسوق خصوصا مع ازمة الكساد الكبير.

ألا يعني جاوز هذه الأمور القفز على مشكلات مهمة في النظام الرأسمالي؟! كيف يمكن تجاوز تأثير مشكلة كتصدير رؤوس الأموال على حالة التشغيل في المجتمع البريطاني مثلا ،فلاشك ان عولمة الإقتصاد ووفرة اليد العاملة الناتجة عنه تؤدي الى تحكم اكبر من قبل الطبقات البرجوازية وسيطرة وسطوة اكبر في وجه العمالة المحلية .عدا عن زيادة الاستعاضة عن استخدام العمالة بزيادة ادخال رأس الثابت (المعدات والالآت). ان ما يسمى بالعصر الذهبي (من اربعينيات القرن العشرين الى سبعينيات القرن ذاته) كانت نتاج لقوة تأثير الطبقة العاملة في دول المركز اكثر من أي شي آخر .فالخوف من مد الحركات الإشتراكية في العالم والخوف من وصول هذه الحركات الى اوروبا وأمريكا ادى الى تبني سياسة أكثر براغماتية من الطبقة البرجوازية تجاه العمال وشعوب المركز،لا شك ايضا ان تطور العلم والتكنولوجيا الناتجة عنه أدت الى تحقيق رخا اكبر الى دول المركز (وهذا ما لم يناقشه كينز) لكن من الصحيح ايضا ان تصدير رؤوس الأموال واحتكار اسواق العديد من دول العالم الثالث (الهند ،الدول الافريقية ،دول شمال افريقيا،امريكا اللاتينية الخ) أدى الى تضعيف عجلة الاقتصاد والإنتاج في دول الشمال .عدا عن أن تجاوزه لمسألة اذواق المستهلكين واعداتهم أدت الى تجاوزه لمشكلة الإستلاب السلعي المرافق للإنتاج الرأسمالي ، التي تؤدي اكثر الى سيطرة من جانب العرض ،وأصحاب الاحتكارات في السوق.
لهذا لا يمكن ان تعتمد على التفسير الكينيزي لتحقيق مقاربة اكثر عدلا لمشكلات التفاوت الطبقي بين الشعب الواحد ،وبين الأمم (دول الشمال والجنوب) .وهذا سيتضح اكثر من إحياء كينز لرؤية التجاريين والثناء على أفكارهم ،حيث ان هؤلاء كانوا اكثر من غيرهم تحمسا للوطنية والقومية الإنجليزية.


يناقش كينز بعدها العديد من اقتراحات الكلاسيكيين حول مواجهة مشكلة البطالة ،حيث بعبار ان البطالة اختيارية بالنسبة لهؤلاء ،فأن الحل الأمثل بالنسبة لهم يكون من خلال تخفيض الأجور ،وتخفيض الأجور يترافق مع انخفاض في الأسعار (حيث استهلاك أقل) .وتوجيه هذا الفائض من الأجور لتوظيف اكبر للعمالة .

يرفض كينز هذه النظرة ،ويرى ان من يتبناها ظالم ويستعيض عنها بالحث على زيادة التدفق النقدي في السوق وتحقيق معدلات أعلى من التضخم ،واعتراضات كينز على هذا الإقتراح : 1- ليس هناك آلية ثابتة لتحقيق انخفاض في الآجر بالنسبة لجميع القطاعات بنفس النسبة ،وهذه المشكلة تتضح اكثر في الدول التي تتبنى النظام الرأسمالي حيث ان في غياب آلية ثابتة لتحديد الأجر كما في الدول التي تتبع نظاما صارما (كالاتحاد السوفيي والدول الاشتراكية والمانيا وايطاليا القوميتان آنذاك) يمكن ان تؤدي سياسة الأجور المرنة هذه الى رفض من قبل العمال .

وأيضا إن تخفيض الأجر وتخفيض الأسعار الناتج عنه لا يؤدي الى تحقيق تشغيل اكبر ،لأن الاستهلاك قد ينخفض بالنسبة للفئات التي انخفضت اجورها (وهنا مناقضة جزئية لمبادئ كينز باعتبار ان مرونة الاستهلاك اقل استجابة للتغيرات في الدخل) ،اما الفئات الحديثة التوظيف يمكن ان تستمر في معدلاتها الاستهلاكية كما كانت ،اما انخفاض الإسعار بالنسبة لأصحاب الريوع (وانتقالها من المنظمين اليهم) فهو لا يشكل اي جاذب بالنسبة لأصحاب الريوع،تخفيض الأجور قد يؤدي الى مشكلة بالنسبة لتوقعات المستثمرين (جانب الكفاية الحدية لرأس المال).

وكينز يرى ان سياسة رفع معدلات التضخم يمكن ان تؤتي أكلها بافتراض عدد من الأمور ،أولا ان التدفق النقدي يؤدي الى زيادة الناتج من جهة وزيادة الأسعار من جهة أخرى ،فلو فرضنا أن elasticity مرونة الناتج doD|dDo.dpD|dDp=1 (التغير في الناتج بالنسبة للتغير في الطلب الفعال والتغير في السعر بالنسبة للتغير في الطلب الفعال ) فهي تتغير بمقدار النصف عند تغيرالطلب الفعال وكذلك مرونة السعر فهي بمقدار النصف بالنسبة لتغير الطلب الفعال بمقدار وحدة واحدة.ولو كانت مرونة الناتج صفر مثلا فسيحدث ارتفاع كبير في الأسعار ،والعكس لو كانت مرونة الأسعار صفر سيحدث تشغيل تام في السوق ،لكن زيادة الطلب تؤدي الى ارتفاع الناتج والإسعار معاً.ليس بالضرورة ان يكون النصف قد ترتفع الأسعار بمعدل اكبر من معدل ارتفاع الإنتاج والتشغيل المرافق له ،وكتبسيط لهذه الرؤية يقول كينز ان في المراحل التي تشهد انعدام للتشغيل الكامل يرتفع التشغيل فقط كاستجابة لإرتفاع الطلب ،لكن في مرحلة التشغيل الكامل ترتفع الأسعار فقط عند ارتفاع الطلب بسبب زيادة التدفق النقدي ،لكن هذا على الورق .اما في الواقع فأن ارتفاع الطلب يترافق مع ارفاع في الأسعار والتشغيل .وايضا كتبسيط لفرضيته يعتبر جانب رأس المال الثابت (المعدات والتجهيزات) متجانسة وقابلة للاستعاضة جميعها بنفس الدرجة ،التغير في وحدة يبقى ثابت حتى الوصول للتشغيل الكامل .

لكن هذا للتبسيط فالواقع اكثر تعقيدا حيث كما أسلفنا زيادة التدفق النقدي تؤدي الى ارتفاع في الأسعار ووحدة الأجر أيضا ،والمعدات ليست متجانسة طبعا،لهذا يرفض كينز الأساليب القياسية التي يستخدمها الاقتصادي الجامعي في عزل المتغيران عن بعضها فهذه تؤدي الى تضليل اكبر لمعطيات الواقع الحقيقة.

وسياسة التضخم تؤثر على التشغيل من خلال المتغيرات الثلاث المستقلة التي افترضها كينز ،فزيادة الطلب الفعال تعتمد على حالة تفضيل السيولة ،لكن نفس تفضيل السيولة هذه تعتمد على مقدار زيادة الطلب الفعال وتقسيمه بين زيادة الناتج والتشغيل والأسعار ووحدة الأجر ،وللتوضيح فأن زيادة التدفق النقدي لا تؤدي الى زيادة التشغيل إلا على فرض ان هذه الزيادة أدت الى ارتفاع الطلب الفعال بمعدلات كبيرة (مما ينتج عنه ارتفاع في التضخم السعري) وعند هذا الارتفاع تتأثر حالة تفضيل السيولة اي هي ليست مؤثرة فقط انما متأثرة أيضا وبغية توضيح أكبر لأن الكثير من الأفكارالإتصادية عند النظر اليها يمكن عدها مغالطات لأنها تقع في مغالطة الدور (وهذا ما يظهر اكثر في النظرية النيوكلاسيكية حيث كل شي يعتمد على كل شيء! بالنسبة لمنظري هذا التيار) فأن زيادة التدفق النقدي وحدها لا تؤدي الى زيادة التشغيل اذا يمكن ان تدخر المداخيل الزائدة بدلا من استهلاكها ،لكن على فرض استهلاك نسبة منها فأن هذا يؤدي الى ارتفاع الطلب والأرباح التي يتحصل عليها المنظمون يمكن تشغيل جزء منها في الاستثمار وهذا يؤدي الى ارتفاع التشغيل والأسعار معاً،عند هذه النقطة فأن حالة تفضيل السيولة تتأثر بهذا اي هي تتأثر بزيادة المداخيل النقدية وليست حاكمة فقط لأن التوقعات متغيرة وهي بدورها (اي التوقعات) تؤثر على مجرى الأحداث في السوق فهي ليست مجرد تخمينات انما التوقعات والتخمينات تؤثر على السوق ايضا .اما بالنسبة للمتغير المستقل الثاني الكفاية الحدية لرأس المال فهو يتأثر أيضا باعتبار التوقعات بشأن استمرار التدفق النقدي وانخفاض معدلات الفائدة المرافقة له ،وكذا الميل الحدي للاستهلاك يتأثر بكيفية توزيع الدخل بين الطبقات المستهلكة .

وبالملخص يرى كينز ان سياسة التضخم افضل من سياسة الأجور المرنة،وان زيادة الطلب الفعال تترافق مع ارتفاع في الأسعار وارتفاع في التشغيل وارتفاع أقل في الأجور النقدية ،طبعا هذا مع تثبيت امور اخرى (كالتقنيات المستخدمة) والعولمة الاقتصادية الخ..لكن الواقع اكثر تعقيدا من هذه التصورات الكينيزية فكينز نفسه أقر بالطابع الاحتمالي لنظرته هذه لأن القطاعات تصل الى حالة العرض الغير مرن في اوقات مختلفة وهنا فقطاع معين يصل الى حالة التشغيل الكامل يؤثر على قطاع آخر وهكذا..


ويطرح كينز أخيرا اقتراحات عامة ،ورؤى يرى انها تعالج مشكلة النظام الرأسمالي من عدم استقراره وحالة اللايقين التي تسوده ،فهو يقترح تدخلات اكثر جدية من قبل الدولة لتأطير الاستثمار ويرى ان السياسة النقدية وحدها لاتحل المشكلة كما يظن الاقتصاديين النقديين،لهذا فهو يفضل اتباع سياسات مالية اكثر صرامة (الضرائب التصاعدية وعلى التركات الخ..) مع قيام الدولة بتنفيذ مشاريع وزيادة التدفق النقدي بالسوق كل هذا يؤدي الى الحد من حالة اللايقين والتشاؤم ربما الي تسود الأسواق ،لهذا يرى كينز ان افكار التجاريين mercantilists فالتجاريين كانوا اكثر تركيزا على جانب الطلب من جهة ،ومن جهة اخرى كانوا واعين بتأثير زيادة التدفق النقدي على معدلات الفائدة (حيث تنخفض هذه بفعل زيادة التدفق النقدي).بالإضافة الى أفكار التجاريين حول أهمية الميزان التجاري في التحليل الاقتصادي والتي أهملها الكلاسيكيون ،حيث ان تحقيق فائض في الميزان التجاري يؤدي الى حد اكبر من مشكلة البطالة ،ففائض النقد يؤدي الى استثمار محلي اكبر ،لكن هذا جزئيا لأن زيادة الفائض قد تؤدي الى ازمات ركود فيما بعد .وهنا يتبع كينز النظرية النقدية باعتبار ان زيادة النقود في السوق ستحفز جانب الطلب على رفع معدلات الإنتاج والتشغيل (طبعا مع ارتفاع في الأسعار) وانخفاض في قيمة النقد.طبعا مع موافقته لأفكار بعض التجاريين حول استخدام النقود المعدنية ودمغها وما يترتب عن ذلك من ارتفاع لتكاليف حملها .

ويشنع كينز على دعوات الزهاد بالادخار وتجنب الترف والدعة ،فهو يرى ان البذخ والترف ليس بالضرورة ان تكون رذيلة بل هي فضيلة لأنها تشغل السوق اكثر وترفع من عجلة الإنتاج .

أخيرا يبدو واضحا ان كينز لم يسعى فعليا الى تجاوز النظام الرأسمالي لكنه اعترف ان هذا النظام لا يحمل استقرارا بذاته لو ترك وشأنه دون تدخل من الحكومة او اي اطار يسعى الى تفضيل المصلحة العامة على المصالح الخاصة الضيقة ،كما أسلفنا كينز يتبنى نظرية استاتيكية فهو يعزل امور مهمة من قبيل الاحتكار وكمية راس المال الثابت ،ومستوى التقنية المستخدمة في الإنتاج ،لهذا لم يحلل مشكلة التراكم ،المشكلة التي تصدى لها ماركس بتحليله العميق حول هذه التراكم الرأسمالي وما يتبع ذلك من تصدير لرؤوس الأموال .لكن كلا من ماركس وكينز نظروا الى النظام الرأسمالي كنظام غير مستقر بذاته ،وبالنسبة لماركس دوران رأس المال السريع يستتبع ازمة ركود ،وكذلك رأى كينز ان زيادة التدفق النقدي بمعدلات كبيرة تؤدي الى ازمات ركود لاحقة ،لكن بينما انبرى ماركس لتحليل الاقتصاد من زاوية تاريخية تضع في الحسبان تأثير العوامل الاجتماعية والحالة الديناميكية للاقتصاد ،لم نجد مثل هذا التحليل عند كينز ،وهو كان باقتصاره أفكاره على تحليل المشكلات من خلال الأسباب التي يمكن التأثير بها ، لكن هنا لم تتجاوز تحليلاته هذه التصحيح لبعض السياسات للنظام الرأسمالي ،بينما النظام الرأسمالي يحتاج الى اصلاحات جذرية تؤدي الى تجاوزه على الأقل بالنسبة للصورة الموجود بها حاليا حيث التفاوت المخيف في الدخول والاستلاب السلعي ،وقد كان كينز رافضا بالطبع لمشكلة الريوع المالية وحالة الأمولة التي كان في بداياتها في فترة كينز ،وكان رافضا ايضا لتفاوت الدخول في تلك الفترة من عمر النظام الرأسمالي (كيف الآن!) لكنه للأسف أعطى تبريرات واهية للتفاوتات في الدخول لكن ليس بالمقدار الذي كان عليه الحال في عصره ؛هذه التبريرات أولا ان بعض الأنشطة الإنسانية تتطلب دافع جني الأموال 2-ان جمع الأموال قد يكون متنفس للذين يملكون بعض الدوافع الخطيرة التي قد تؤذي المجتمع ،وهذا ليس صحيحا أولا لأن الإحتكار الاقتصادي يؤدي الى احتكار القرار السياسي كما نشهد حاليا في العديد من البلدان الغربية (امريكا بالخصوص) ،ان الإجتكار الإقتصادي يؤدي الى إفقار اكثر في المجتمع وبالتالي يزيد من نزعة الإجرام في المجتمع ،ليس هناك رابط فعلي بين نزعة القيام بأعمال سيئة ودافع جني الأموال ؛اذ ان دافع الأجرام مثلا قد يظهر دون الحاجة لجمع الأموال أصلا ..لاشك ان تركيز كينز على مشكلة دليل على فقدان العنصر التاريخي في تحليله ،اذ أن العصور السابقة على الراسمالية شهدت حالات من إنعدام الإدخار وإنفاق المال على الاستهلاك والترف ،في العصر الرأسمالي الإدخار يرتبط بالتراكم الرأسمالي ،ففوائض الإنتاج تولد فوائض اخرى عندما يتم استثمارها ،لهذا ماركس أكثر عمقا وجذرية من كينز في تحليله للنظام الرأسمالي وتبعاته وعلائقه الاجتماعية .