تتجذّرتنظيمات الآسلام اللاسلام السياسى فى الهند .. مهمة مستحيلة


رياض حسن محرم
2020 / 10 / 27 - 14:54     

بالرغم من انتشار المنطمات الجهادية فى دول محاورة للهند كباكستان وبنجلاديش وأفغانستان، الاّ أنها لم تنجح حتى الآن فى غرس وجودها الدائم فى تلك الدولة الكبيرة، التى قدر العدد الحالي لسكانها 1.35 مليار نسمة ., وعدد سكان المناطق ذوي الأغلبية الإسلامية في الهند الى ما يقارب 200 مليون مسلم ومسلمة، وبالرغم من أن عدد الديانات المختلفة بالهند يتجاوز ال 900 ديانة "معظمها غير معروف"، اشهرها الديانة الهندوسية وتنقسم إلى ثلاثة ديانات قسم يعبد الآلهة شيفا، وقسم يعبد الآلهة فيشنا، وقسم يعبد الآلهة شاكتي، يليها الديانة البوذية التى تعتبر من الديانات القديمة في الهند، وهي تأتي في المرتبة الثانية بعد الديانة الهندوسية، ظهرت في القرن السادس عشر قبل الميلاد، وأصبحت ديانة رئيسية في الهند منذ ذلك الوقت وقد اختلطت تعاليمها بالديانة الهندوسية بشكل كبير، تليها فى العدد الطائفة المسلمة ثم السيخ.
ومازالت أغلبية الهنود المسلمين حتى اليوم يعيشون علي الزراعة وبسبب "الأدارة الهندية" التي تقتصر علي طبقات معينة من الطوائف، فأصبح التعليم ليس من الأولويات المهمة لدي مسلمى الهند فأستغنواعن التعليم وسوق العمل وفضلوا دخول سوق التجارة بتعليم بسيط، رغم إلتزام االمسلمين الهنود بالإسلام بطريقة شكلية كاملة إلا أنه يتكيف مع الثقافات والشعائر المطروحة، مثل تقديس الأولياء الذى هو منتشر بشكل كبير جداً في الهند وتعتبر المعابد عموما أماكن لقاء تختفى عندها حدود الانتماء الديني. وليس من النادر أن يجد المرء موسيقياً هندوسياً مدفوناً في مقبرة من مقابر الأولياء المسلمينن، أو العكس، والهند هى والأرض التي احتضنت حضارة من أقدم الحضارات البشرية، وبالتالي أعطت هذه العوامل لروح الإسلام الهندي خصائص فريدة مثل التعددية والتسامح مع الآخر ورفض الإقصاء والبرغماتية السياسية، وقد ترسخ كل هذا من خلال النموذج السياسي الذي قامت عليه الهند المستقلة على يد المهتما غاندى، الأمر الذي شكل رادعا تلقائيا في إبعاد الشباب الهندي عن اعتناق الأفكار الراديكالية بصفة عامة والجهادية بصفة خاصة ما عدا ولايتى حامو وكشمير المتنازع عليهما بين الهند وباكستان والتى تنشط فيها عدد من التنظيمات الإسلامية المتطرفة مثل "لشكر طيبة" وجماعة "جيش محمد" وتنظيمى القاعدة وداعش، وقد فشلت تنظيمات الجهاد العالمية كالقاعدة وداعش وطالبان وغيرها في إيجاد أرضية صلبة لها داخل مسلمى الهند، ويُعتقد أن من العوامل التي منعت إنضمام اعدد كبير من مسلمي الهند إلى القاعدة وداعش في العراق وسوريا هو الأخبار التي انتشرت تاك الأيام حول قيام التنظيمين بالتمييز ضدهم وتشغيلهم في أعمال وضيعة (مثل تنظيف المراحيض وجمع القمامة)، حيث أن أغلب مسلمى الهند قد جاؤوا من طبقات مهمشة كالمنببوذين، كما يعاني مسلمو الهند من الفقر والامية, حيث يعيش 31 % منهم تحت خط الفقر, فيما تبلغ نسبة الامية 36 % بين الرجال المسلمين, و50 % بين النساء.
ورغم التصدعات العرقية الكثيرة فى الهند فى الوقت الحالى " منذ أن صوّت الشعب الهندي في الانتخابات العامة عام 2014، لصالح حزب "بهاراتيا جاناتا" (الذى تأسس عام 1980)، القومي الهندوسي المتطرف، وبانتخابات 2019 تعززت سلطة الحزب الحاكم، والفضل في ذلك يرجع إلى القومية الهندوسية التي تمثل الإيديولوجية الرئيسية للحزب.
وليس سرا أن رئيس الوزراء "ناريندرا مودي"، الذي كانت له صورة قيادية قوية جدا في البلاد خلال السنوات الست الماضية، هو أحد المدافعين بقوة عن القومية الهندوسية أو ما يعرف باسم "هندوتفا" الإيديولوجيا المؤسسة للحزب الحاكم، على حسابات "حزب المؤتمر" الحاكم منذ أن اسسه "جواهر لال نهرو" من بعد أن استقلت الهند عن بريطانيا.
وقد اتخذ الرئيس الهندى عدة قرارات على رأسها إلغاؤه للوضع السياسي شبه المستقل لولاية جامو وكشمير، وقرار المحكمة الفيدرالية الهندية بالسماح للهندوس ببناء معبد الإله رام في موقع المسجد البابري المهدم ، (وذلك على خلفية تدمير مسجد “بابري” التاريخي عام 1992 في شمال الهند من قِبل حشد تحولوا إلى العنف في تجمع لحزب “بهاراتيا جاناتا” على خلفية نزاع استمر قرونا من الزمن حول ما إذا كان هذا المسجد قد بُنِيَ على أرضية لمعبد هندوسي؛ واستمر هذا الاضطراب من أجل بناء معبد “رام” على هذا الموقع الذي يُعتقد أن يكون مسقط رأس الإله الهندوسي “الرب رام”، وكذا العنف الطائفي عام 2002 في “غوجورات”) علاوة على قرار السلطات منع الصلوات في الجوامع تفاديا لإنتشار جائحة كوفيد ــ 19، وما طرحته الحكومة من مشروع قانون في البرلمان يعرض العفو عن المهاجرين غير الشرعيين من غير المسلمين من دول الجوار، (وعلى الرغم من إقرار مشروع تعديل القانون من قِبل "لوك سابها" وهو المجلس الأدنى في البرلمان الهندي، إلا أنه توقف في مجلس الشيوخ، في أعقاب معارضة سياسية واسعة النطاق واحتجاجات في شمال شرق الهند) ، هذا القانون تسبب في نزول الناس للشوارع، في احتجاجات مستمرة، وبذلك يواجه المسلمون خطر فقد المواطنة، وهذا الوضع يقتضي وضع علامات استفهام حول العلمانية، وحقوق المساواة بدولة الهند التي بدأت على إثر ذلك تظهر فيها حوادث عنف متزايدة بالتوازي مع الاحتجاجات، وهو أمر كان له بالغ الأثر في تعميق التصدعات القائمة على أساس الاختلافات الاجتماعية. وليس من قبيل الصدفة أن يشكل المسلمون أغلبية من يقومون بتنظيم تلك الاحتجاجات، كما أنه ليس مصادفة أن تبدأ الشرطة الهندية استخدام القوة المفرطة ضد المحتجين الذين انضمت إليهم قطاعات أخرى من المجتمع،.وهو ما فسره البعض من مسلمى الهند والجماعات الإسلامية الراديكاية حول العالم على أنه عمل يستهدف عبادات المسلمين حصريا، ولكن تلك المنظمات " حتى الآن" لم تنجح فى اقناع مسلمى الهند بتلك المظلومية، فهؤلاء يقارنون أوضاعم وما يتمتعون به "فى ظل الديموقراطية الهندية، التى تعد من أكبر الديموقراطيات فى العالم بما يحدث فى دول مجاورة كباكستان وافغانستان وسريلانكا.
ومن الجدير بالذكر أن القرارات الجذرية التي اُتخذت خلال الفترة الثانية من حكومة "بهاراتيا جاناتا" المحور الرئيسى للسياسة فى الهند، لدرجة أنه لم يعد هناك أي حديث تقريبًا عن الانتعاش الاقتصادي وتحركات التنمية التي حدثت خلال الفترة الأولى من حكومة مودي، إن حماية الحريات الدينية تساعد على الحد من الصراع، من ذلك الانتباه ضد “طغيان الأغلبية”. وهذا يمكن أن يدفع الهند إلى الأمام في سعيها لتصبح رابع أكبر اقتصاد في العالم، لمعالجة القضايا الاجتماعية الملحة في مجالات الفقر، وعدم المساواة الاقتصادية والصحة العامة، كما أن نضال الهند يهم العالم الذي يتطلع إلى هذه الأمة المتنوعة بشكل مذهل والبالغ عدد سكانها 1.2 مليار نسمة، والتي تضم أكبر عدد من الهندوس و”الجينز” والسيخ، وثاني أكبر عدد من المسلمين وعشرات الملايين من المسيحيين، كأمة رائدة في مجال الحرية والتسامح في دولة ديمقراطية.
انهم لن ينتصروا على الهند طالما حافظت على ديموقراطيتها.