رسالة مِن إنجلس عن الاشتراكية والمثقَّفين


عبدالرزاق دحنون
2020 / 10 / 26 - 20:25     

تعريب الرسالة جريدة قاسيون السورية

كتب إنجلس هذه الرسالة جواباً على رسالة أوتو فون بونيغ المؤرخة في 16 أغسطس 1890، وكان هذا الأخير يخطط لإلقاء محاضرة عن الاشتراكية، فطلب برسالته رأي إنجلس حول مدى ملاءمة وإمكانية الاشتراكية بالنظر إلى الفروق القائمة في مستوى التعليم والوعي السياسي، وما إلى ذلك، لدى مختلف الطبقات الاجتماعية.


نصّ رسالة إنجلس

إلى فون بونيغ 1890

من إنجلس إلى أوتو فون بونيغ (في بريسلاو)

فولكستون بالقرب من دوفر، 21 آب 1890

أوتو فون بونيغ المُحتَرم،

سيدي العزيز،

يمكنني فقط الرد على استفساراتك باختصار وبشكل عام، وإلا توجّب عليّ أن أكتب أطروحة عن الاستفسار الأوَّل.

أولاً: بالنسبة لما يسمى بـ«المجتمع الاشتراكي»، في نظري، لا يُنظر إليه على أنه شيء يظل متبلوراً طوال الوقت، ولكنه بالأحرى في عملية تغيير وتحوُّل مستمر مثل جميع الظروف الاجتماعية الأخرى. إن الاختلاف الجوهري بين ذلك المجتمع والظروف اليوم يكمن بالطبع في تنظيم الإنتاج على أساس الملكية المشتركة لجميع وسائل الإنتاج، من جانب الأمّة في البداية. أنا لا أجد صعوبة إطلاقاً في القيام بهذه الثورة على مدى فترة، أي تدريجياً. وحقيقة أنَّ عمالنا على مستوى هذا الأمر، تجدها من خلال جمعياتهم الإنتاجية والتوزيعية العديدة التي، أينما وُجِدت دون أنْ تتعرض للتدمير بشكل متعمَّد من الشرطة، فإنّ إدارتها لا تتم بشكل أسوأ، بل بنزاهة أكثر بكثير من الشركات المساهمة للطبقات الوسطى. لا أفهم كيف يمكنك الحديث عن تربية غير كافية بين الجماهير في ألمانيا، بعد أن قدم عمالنا دليلاً ساطعاً على النضج السياسي في نضالهم المُظَفَّر ضد (قانون مناهضة الاشتراكية). يبدو لي الافتراض البابوي المتعجرف لمن يسمَّون بالرجال المثقفين عقبةً أكبر بكثير. من المسلَّم به أننا ما زلنا نفتقر إلى الفنيين والمهندسين الزراعيين والكيميائيين والمهندسين المعماريين، وما إلى ذلك. ولكن بأسوأ الأحوال، يمكننا شراؤهم، تماماً كما يفعل الرأسماليون، وإذا وجد مثالٌ نافِرٌ لخائنٍ أو اثنين -وأمثال هؤلاء سيكونون موجودين بالتأكيد في هذه الشركة- سيجدون أنه من مصلحتهم الكفّ عن سرقتنا. لكن بصرف النظر عن المتخصصين مثل هؤلاء، الذين أحسِب بينهم أيضاً مُعَلِّمي المدارس، سنعمل بشكل جيد للغاية دون بقية «المتعلمين»؛ على سبيل المثال، فإنّ التدفق الكبير الحالي للأدباء والطلاب إلى الحزب سوف تشوبه جميع أنواع الأذى ما لم يتم إبقاء علية القوم هؤلاء ضمن الحدود.

ومع الإدارة الفنية المناسبة، لن تكون هناك صعوبة في استئجار العقارات الكبيرة شرق نهر الألب للعمال الحاليين أو خدم المزارع للزراعة الجماعية. وإن كانت ثمة تجاوزات، فسيكون ذلك خطأ أصحاب العقارات الكبيرة أنفسهم، لأنهم هم السبب، بغض النظر عن جميع التشريعات التعليمية القائمة، في تعرض الناس لمعاملة وحشية.

وتتمثل أكبر عقبة بصغار المزارعين والمثقفين الأذكياء والمثقفين الذين تتناسب معرفتهم الفائقة بموضوع ما بشكل عكسي مع فهمهم لذلك الموضوع.

إذا افترضنا، إذن، أن لدينا عدداً مناسباً من المؤيدين من بين الجماهير، فإن تحويل الصناعة واسعة النطاق والمزارع الممتدة في العقارات الكبيرة، إلى ملكية المجتمع، يمكن أن تتم بسرعة كبيرة، بمجرد أن نكتسب التفوّق السياسي. والباقي يأتي تباعاً بعد ذلك بحين قريب، بوتيرة أسرع أو أبطأ. وعندما تكون مصادر الإنتاج الكبيرة لنا، فإننا سنكون أسياد الموقف.

أنت تتحدث عن عدم وجود رأي موحَّد. إنّه موجود ولكن يجب أن تتم إقامَتُه بين المثقفين الذين ينتمون إلى الأوساط الأرستقراطية والبرجوازية، والذين ليس لديهم أية فكرة عن المقدار الذي لا يزال عليهم أن يتعلّموه من الإنسان العامل.

المخلص لك،

ف. إنجلس

نُشرت الرسالة لأول مرة بالأصل الألماني في «مساهمات في تاريخ الحركة العمالية الألمانية»، العدد الثاني، برلين 1964.

طُبِعَت حسب الأصل، ونُشِرَت بترجمتها الإنكليزية لأول مرة في المجلد 49 من الأعمال الكاملة لماركس وإنجلس بالإنكليزية، ص18-20.