منطق التاريخ وثورة الجوع والغضب التشرينية


فلاح أمين الرهيمي
2020 / 10 / 25 - 11:42     

ظهور الحركة الشبابية الآن في العراق ظاهرة فرضتها حتمية التاريخ ولدت من رحم التناقضات للشعب العراقي نتيجة المتراكمات السلبية بعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية عام/ 2003 وخلقت بيئة فاسدة تراكمت سلبياتها خلال سبعة عشر عاماً من الحكم أفرزت المحاصصة الطائفية والفساد الإداري والبطالة والجوع والفقر والحرمان ... الخ. إن هذه الإفرازات مرتبطة فيما بينها ويكيف بعضها البعض الآخر بصورة متبادلة، فمن الواضح أن كل نظام اجتماعي وكل حركة اجتماعية في التاريخ يجب أن لا نحكم عليها من ناحية العدالة الأبدية أو من ناحية أية فكرة مقررة سلفاً، بل ينبغي أن نبني حكمنا على أساس الظروف التي ولدت هذا النظام وهذه الحركة الاجتماعية .. كما أن شروط حياة المجتمع المادية هي القوة الأساسية التي تحدد هيئة المجتمع وطبيعة النظام الاجتماعي وانتقال وتطور المجتمع من نظام إلى آخر وهذه العملية التي تمثل أسلوب الحصول على وسائل المعيشة الضرورية لحياة الناس كالغذاء واللباس والمسكن والوقود وغيرها .. إن الحياة ليس من طبيعتها الجمود والثبات وإنما ديناميكية الحياة وحركتها تؤدي إلى التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال التطور ومسيرة التاريخ والمجتمع التي تحدث في أي بلد من البلدان نتيجة عوامل موضوعية وخارجية تؤدي إلى اندفاع التاريخ ومسيرته إلى أمام ومن خلال هذه العملية تؤدي إلى التقدم والتطور للمجتمع من مرحلة إلى أخرى .. ومن خلال هذه الصورة للظاهرة العراقية نلاحظ ونلمس أن الطبقة الحاكمة أصبحت جامدة وثابتة في مكانها لا تتحرك منه فأصبحت ظاهرة تعرقل وتخالف منطق التاريخ في الحركة والتغيير من خلال تقدمه وتطوره .. وبما أن المجتمع يمثل كتلة واحدة ومع مرور الزمن يولد من ذلك المجتمع جيل جديد فيتحول المجتمع إلى كتلتين بحيث يصبحان ضدين متناقضين باعتبار الكتلة التي تمثل المجتمع القديم تبقى ثابتة في مكانها وطبيعتها وعاداتها وتقاليدها وأسلوب حياتها مما يسبب عائق وعرقلة لمسيرة التاريخ وعاجزة عن المسير لمواكبة التقدم والتطور الحضاري مما يستوجب عليها الانسحاب من الساحة السياسية وفسح المجال لقوى الشباب قوى التجديد في مسار الإصلاح والتغيير ومواكبة مسيرة التقدم والتطور الحضاري .. بينما الكتلة الجديدة التي ولدت من المجتمع القديم الذي يمثل الجيل الجديد من الشباب يرغب ويطالب ويرفض الثبات والجمود ويرغب في التقدم والتطور نحو المستقبل الأفضل متجاوزاً طبيعة حياة ومعيشة المجتمع القديم وعاداته وتقاليده الذي يمثل الكتلة القديمة فيحدث التناقض والصراع بينهما ويؤدي إلى انتصار الجديد على القديم وهذه العملية تعكس طبيعة الصراع الآن على الساحة العراقية وبعد أن عجز المجتمع القديم المتمثل بالكتل والأحزاب السياسية من الوقوف بوجه السلبيات المتراكمة وتجاوزها التي أحدثتها أثناء حكمهم بل زادوها عمقاً وسلبية وبلغ بالشعب السيل الزبى وجثم على صدورهم كابوس الجوع والفقر والبطالة والمحاصصة الحزبية والمحسوبية والمنسوبية والفساد الإداري وتم نضوج الظروف الموضوعية لنشوء وعي وادراك لدى جماهير الشعب الذي يمثل الجيل الجديد من الشباب فدعوا نارها تورى وشمروا لها زندا فكان صوتهم الهادر وإرادتهم الجبارة وغضبهم الفجر الذي أطل على العراق نشيد ومهرجان وعيد في يوم 1/10/2019 حيث انحدرت أمواج الشباب (الجيل الجديد) كالأمواج تعلن الثورة تقبل أقدامهم ساحات وشوارع العراق بعد أن انطلق صوتها الهادر من (ذي قار الثورة) وكان الشعب يحدق بعيونهم وقلوبهم نحو حشودهم المليونية، يزيحون ثقل السنين، ويقتحمون رحى الانتظار، في يقظة الشمس مع الفجر، ويقتحمون الردى في روعة الانتصار بشموخ الحياة وسخط الجراح، من كل منعطف في خطاهم وسام وكانوا شهود الحياة وصوت الضمير .. رفاق الطريق برغم العثار لميلاد يوم جديد يحقق الظفر والانتصار.