الانتخابات الرئاسة البوليفية عبرتان في ضوء فوز مرشح -الحركة من أجل الاشتراكية-


ماهر الشريف
2020 / 10 / 24 - 10:33     

الانتخابات الرئاسة البوليفية
عبرتان في ضوء فوز مرشح "الحركة من أجل الاشتراكية"


بحسب استطلاعات الرأي، حقق مرشح "الحركة من أجل الاشتراكية" ووزير الاقتصاد السابق في حكومة الرئيس إيفو موراليس، لويس أرسي، فوزاً واضحاً في انتخابات الرئاسة البوليفية التي جرت في 19 تشرين الأول الجاري، إذ حصل على أكثر من 52 في المئة من أصوات الناخبين، متفوقاً بأكثر من 20 نقطة على منافسه من تيار الوسط كارلوس ميسا. ولدى إعلان نتائج الاستطلاعات، أعلن المرشح اليساري أن بوليفيا "استعادت الديمقراطية" وأنه "سيعمل بما يحقق مصالح جميع البوليفيين".

ومن منفاه في الأرجنتين، حيا إيفو موراليس فوز لويس أرسي، وفوز حزبه "الحركة من أجل الاشتراكية" في انتخابات مجلس النواب ومجلس الشيوخ. وكان موراليس، المزارع الصغير الذي تحوّل قائداً نقابياً، أول رئيس من أصول هندية في أميركا اللاتينية، قد صرّح في خطاب استقالته من الرئاسة يوم 10 تشرين الثاني 2019، إثر انقلاب يميني شهدته بوليفيا، أنه سينسحب من السلطة "كي يحافظ على السلم الأهلي"، وأضاف: "سأترك بلداُ، بوليفيا، يتمتع بالكرامة وبالهوية وبمكتسبات اجتماعية شاملة".

والواقع، أن الفضل في فوز "الحركة من أجل الاشتراكية" في الانتخابات يعود، في المقام الأول، إلى هذه المكتسبات الاجتماعية التي تحققت خلال عهد موراليس الذي استمر نحو 14 عاماً، وإلى قيامه بتمليك سكان البلد الأصليين، الذين يشكّلون نحو 60 في المئة من مجموع السكان، مشاعر العزة والفخر.

وكان دستور البلد الجديد، المقر في سنة 2009، قد أشار في مقدمته إلى أن بوليفيا "البلد المستعمَر" و"النيوليبرالي" قد تحرر، وأنه سيدافع عن "الأرض-الأم" (باشاماما) ويراعيها، ويعترف "بحقوق جميع الأمم والشعوب الأصلانية". وعلى الصعيد الاقتصادي، قامت حكومة موراليس بتأميم الغاز والنفط، ما سمح باستعادة 37 مليار دولار خلال 13 عاماً، جرى توظيفها في تمويل مشاريع اجتماعية عدة، بحيث انخفض معدل الفقر في البلد من 6، 60 في المئة إلى 6، 34 في المئة ما بين سنتَي 2005 و 2008، وارتفعت نسبة القادرين على التمتع بالطاقة الكهربائية من 3، 68 إلى 92 في المئة في الفترة نفسها، بينما وصل معدل النمو السنوي في البلد إلى أكثر من 4 في المئة.

ومنذ سنة 2014، سعت حكومة موراليس إلى التركيز على تصنيع البلد، بالاستناد إلى الاستثمار في استغلال الثروات النفطية والغازية. فاشترت قمراً صناعياً للاتصالات من الصين، وشرعت في تصنيع مادة الليثيوم التي يزخر بها باطن الأرض في بوليفيا، والتي يزداد الطلب العالمي عليها. وأقامت الحكومة طرقاً وجسوراً وبنى تحتية حديثة، كما أقرت برامج صحية وتعليمية عديدة، بحيث صار الشعار السائد في البلد: "بوليفيا تتغيّر، إيفو يحترم كلمته". وفي خارج البلد، راح موراليس، القائد اليساري الكاريزمي، يبرز، في صفوف اليسار وأنصار العولمة البديلة، بوصفه الناطق باسم المضطهدين والمدافع عن قضايا البيئة.

في سنة 2016، اقترح موراليس تعديل الدستور من خلال استفتاء شعبي كي يتمكن من الترشح لدورة رئاسية رابعة، الأمر الذي جعل البلد ينقسم على نفسه بين من رأى في إعادة انتخاب موراليس فرصة لمواصلة نهجه الاجتماعي التغييري، من جهة، وبين من خشي من أن يؤدي بقاء موراليس في السلطة إلى حرف البلد في اتجاه تسلطي. ولم تكن نتيجة الاستفتاء في صالح موراليس، إذ إن الرافضين لتعديل الدستور وصلت نسبتهم إلى 3، 51 في المئة، وهو ما دفع المحللين إلى اعتبار أن "الحركة من اجل الاشتراكية" قد استخفت بتعلق غالبية من البوليفيين بمبدأ تداول السلطة. بيد أن موراليس لم يستسلم، ولجأ إلى المحكمة الدستورية التي صادقت على ترشحه، معتبرة ان منعه من الترشح قد ينتهك "حقوقه الإنسانية". وبينما توحدت أحزاب المعارضة اليمينية في وجهه، بذريعة "الدفاع عن الديمقراطية" ضد "النزوع التسلطي"، صار موراليس يواجه معارضة متنامية من داخل معسكره اليساري، وتحديداً من تعاونيات عمال المعادن، ومن اتحاد نقابات العمال.

وفي مناخات عدم الاستقرار هذه، شرع موراليس في سنة 2019 في حملته الرئاسية، وفاز في الانتخابات التي جرت في 20 تشرين الأول من ذلك العام بنسبة طفيفة من الأصوات على منافسه كارلوس ميسا. ومباشرة، أعلنت أحزاب المعارضة اليمينية رفضها نتائج الانتخابات، متهمة أنصار موراليس بارتكاب مخالفات خلالها، ثم شرعت في التحضير لتنفيذ انقلابها. وخشية دخول البلد في حرب أهلية، أصدر اتحاد نقابات العمال البوليفي نداءً يدعو فيه إيفو موراليس إلى الاستقالة، وانضم إلى هذا النداء رئيس هيئة أركان الجيش وليام كاليمان، المحسوب على الرئيس.

المهم، أن حزب موراليس، "الحركة من أجل الاشتراكية"، قد استعاد السلطة بعد أقل من سنة من حكم قوى اليمين، التي سنرى فيما إذا كانت ستحترم نتائج الانتخابات أم ستتمرد عليها؟ ويبقى أن تجربة اليسار في بوليفيا تمدنا بعبرتين: الأولى هي أن الفئات الشعبية البوليفية ظلت تؤيد من يوفر لها العمل والمدرسة والكرامة، والثانية أن على ممثلي اليسار ألا تحرفهم السلطة، وحب السلطة، عن مبادئهم، بما فيها المبادئ الديمقراطية.

* بعض المعلومات مستلة من مقال مطوّل عن بوليفيا نشرته صحيفة "لوموند" الباريسية، في 4-5 تشرين الأول 2020، أعدته أماندا شابارو مع أنجلين مونتوفا، ص 18-19.