شهاب الدين بن يحيى السهْرَوَرْدي (1155 – 1191 م)


غازي الصوراني
2020 / 10 / 22 - 13:56     


ولد في سهْرَوَرْد سنة 549ه / 1155م، درس أولاً في مراغة بأذربيجان، ثم قدم إلى أصفهان بفارس حيث اطلع على ماثور ابن سينا، ومنها انتقل إلى الأناضول ونزل على الأمراء السلاجقة، وقصد أخيراً سورية.
السهروردي فيلسوف، وعالم زاهد من أعلام التصوف، ومؤسس المدرسة الإشراقية، وهو–كما يقول يوسف حسين-"شخصية جدلية انقسم الناس من حولها، فهو عند البعض شيخ الإشراق، وهو عند البعض الآخر: الضال والمرتد والزنديق، وأَطَلَق عليه البعض صفة المقتول وعند البعض الآخر العالِم الشهيد"([1]).
قرأ السهروردي –كما يضيف يوسف حسين- "معظم كتب الفلاسفة المسلمين ، وخاصة كتب ابن سيناء، وقام بترجمة بعضها إلى اللغة الفارسية، كما كان معتزلياً عقلانياً، ومتعاطفاً مع القرامطة، وكان أيضاً زاهداً مؤمناً بالله من ناحية، وبحرية الفكر وآراء المعتزلة من ناحية ثانية، فاتهم بالزندقة والكفر رغم شهادة بعض المؤرخين في عصره أنه امتلك عقيدة سليمه، وعاش حياته زاهداً ومتدنياً عقلانياً.
هذا الفيلسوف عاش حياة قصيرة، لكن غنيه بالتراث والابداع الأدبي والمعرفي، وكانت نهايته مأساوية إلى حد كبير، فقد كان من سوء حظه ان اجتمع ضده الَتَزُّمتْ والتعصب والحسد، فاتهموه بالزندقة وحاكموه بعد ان ألبَّوا عليه الملك الظاهر ابن صلاح الدين الايوبي، لكن "الظاهر" كان متعاطفاً مع السهروردي ولم يأمر بقتله، لكن العلماء المنافقين أرسلوا إلى والده صلاح الدين بضرورة قتل السهروردي، واستجاب صلاح الدين لهم وطلب من ابنه "الظاهر" قتل السهروردي فوراً، فقام الظاهر بوضعه في سجن قلعة حلب وطلب منه ان يختار طريقة موته، فاختار ان يموت جوعاً في السجن، وكان له ذلك ومات يوم 29 تموز 1191 وعمره 36، وبعد موته لقبه أتباعه بالشيخ الشهيد، وسماه مترجمو حياته بالشيخ المقتول.
وتعقيباً على مقتله ، قال أصدقاء السهروردي عن صلاح الدين: "كان كارهاً للفلسفة ولكل صاحب فكر سواء كان صوفياً أو شيعياً أو معتزلياً أو غير ذلك، واستجاب صلاح الدين للمنافقين ولم يستمع للمتهم السهرودري أو يُؤَمِّن له محاكمة عادلة، وأصدر حكم الموت دون محاكمة"([2]).
وفي هذا الجانب، أشير إلى ان صلاح الدين كان عدواً للقرامطة والفاطميين والمعتزلة، الأمر الذي شجعه على التعجيل بقتل السهرودري.
أما المؤيدين لمقتل السهروردي، فاعتبروا ان الحكم كان عادلاً بسبب زعمه بكفره من خلال كتبه التي قال فيها "ان الله نور وأن هذا العالم فاض عن الله بشكل الزامي ولم يأت عن طريق الخلق" كما كان يقول "ان هناك عالم للُمُثْل وعالم للأشباح يتوسط بين الأرض والسماء، وأن هناك عقول مجرده تتحكم بعالم الأرض، كما قال ان النبوة لم تنقطع.
أما ابن تيمية فقد قال إن "السهروردي كان يعد نفسه لكي يكون خليفة الله في الأرض، وعليه فهو يستحق الموت، كما قال أيضاً إلى ان أمثال السهروردي " كانوا يَدَّعون النبوة، لكنهم خافوا من السيف، ولذلك لا غبار على قتله"([3]).
ترك السهرودري–رغم عمره القصير- مجموعة من المؤلفات عددها يزيد عن 50 مصنف باللغتين العربية والفارسية، فقد كتب في العديد من الموضوعات: الفلسفة والمنطق، الطبيعة والميتافيزيقا، الحكمة، التصوف والعرفان، الأدب، والشعر، وقد تميزت كتبه بعمق الأفكار إلى جانب السرد التاريخي لفلاسفة اليونان والأديان القديمة وصولاً إلى الدين الاسلامي من موقع اعتناقه لمبادئ المعتزلة وتعاطفه مع القرامطة.
أهم مؤلفاته: "رسالة في اعتقادات الحكماء" ألفه السهروردي للرد على الأباطيل الملصقة بالفلاسفة والحكماء، كما استهدف السهروردي من خلال مؤلفاته – كما يستطرد يوسف حسين- "ازالة سواء الفهم لدى الناس حول الدين والعقل والايمان وشرح معتقدات الفلاسفة قبل الاسلام ، محاولاً التقريب بين الدين والفلسفة، خاصة الفلسفة الاشراقية، مؤكداً على "ان العقل كان أول ما خلق الله"([4]).
بلغ عدد كتبه تسعة وأربعين عنواناً، وأهمها إطلاقاً حكمة الإشراق وهياكل النور، وقد عرف أتباعه بالاشرافيين، وأشهرهم شمس الدين الشهرزوري و"فلسفة النور" هو العنوان العام الذي يمكن أن يوضع لفلسفته التي أرادها "حكمة مشرقية" تبعث حكمة فارس القديمة، وتتمم المشروع الذي ما استطاع ابن سينا إنجازه لجهله، على حد تعبير السهروردي، بـ"الأصل المشرقي"، وتسيطر على فلسفة السهروردي النورية وجوه ثلاثة: هرمس وأفلاطون وزرادشت.
 


([1]) يوسف حسين – محاضرة في اليوتيوب – الانترنت.
([2]) المرجع نفسه .
([3])المرجع نفسه .
([4]) المرجع نفسه .