أسباب انتكاسة وسقوط جمهورية 14/ تموز/ 1958 في العراق


فلاح أمين الرهيمي
2020 / 10 / 22 - 11:56     

إن التحالفات التي تعقد بين الأحزاب الوطنية من خلال الإنفاق على برنامج عمل للأحزاب ومن خلال الاتفاق والانسجام على مواضيع معينة يتم الاتفاق عليها لإنجاز عمل ما مثل الانتخابات أو النضال من أجل إسقاط حكومة أو إنجاز عمل يصب في مصلحة الوطن والشعب وهذه التحالفات تكون مرحلتها مؤقتة ومحددة بإنجاز العمل الذي تم بموجبه التحالف بين الأحزاب وليس دائمي وهذا العقد والاتفاق يفرض ويجعل الأحزاب سلوكها ونشاطها محدد بالنقاط والمواضيع التي يتم الاتفاق والتحالف حولها وعدم الانحراف عن محتويات النصوص والمواضيع التي تم التحالف حولها حتى إنجاز ذلك البرنامج أو الهدف وحينما يتم إنجازها ينطلق كل حزب في خصوصيته وحريته واستقلاله وتصرفه بموجب برنامجه الخاص وشعاراته واستراتيجيته من أجل الوصول إلى الأهداف الخاصة به.
بالنسبة إلى العراق تمت تحالفات بين أحزابه الوطنية (الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي العراقي وحزب الاستقلال وحزب البعث العربي الاشتراكي ومشاركة مراقبين من الحزب الديمقراطي الكردستاني) في عام/ 1957 من أجل تحقيق تغيير كلي في نظام الحكم وإسقاطه عن طريق تحرك الجيش العراقي في انقلاب عسكري وحينما أنجز ذلك في 14/ تموز/ 1958 وتحول الانقلاب من خلال الأحزاب الوطنية وتضامن الشعب وبرنامج الانقلاب والتضامن بين الشعب والجيش إلى ثورة عارمة كانت تبشر بتحولات نحو الديمقراطية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وإحداث تغييرات جذرية تحقق سعادة الشعب وحرية الوطن ... كان المفروض بالأحزاب الوطنية تجديد تحالفها من أجل إنجاز مرحلة الثورة المجيدة في التقدم والتطور ... لأن تحالفها الذي عقد عام/ 1957 انتهى بإنجاز وتحقيق الثورة في 14/ تموز/ 1958 .. إلا أن الأحزاب الوطنية لم تعقد تحالف جديد مما جعل أحزابها كل واحد يتجه ويسير بخصوصيته وبرامجه وأهدافه وكان عندما يحدث تحالف بين الأحزاب الوطنية تحدد شعاراتها وأهدافها الذي من خلالها تلتزم جميع الأحزاب المتحالفة بها وفق البرنامج المحدد الذي عقد التحالف من أجله ولم تخرج عنها بينما في حالة عدم وجود تحالفات فيصبح كل حزب يتصرف حسب خصوصيته وبرنامجه وأهدافه التي تنسجم مع أفكاره وشعاراته الخاصة به .. بعد انتصار ثَورة 14/ تموز/ 1958 ذهب كل حزب يسير ويعمل وفق خصوصيته وشعاراته في تحقيق أهدافه في البرنامج الذي يمثل أفكار وطبيعة ذلك الحزب سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ... بعد الثورة ظهرت وبرزت مطالبات بظاهرتين الأولى الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة التي تكونت من اتحاد مصر مع سوريا عام/ 1957 ورفع هذا الشعار المطلبي كل من حزب البعث وحزب الاستقلال مع الشخصيات القومية في الجيش العراقي وغيرها ... وطرح شعار مطلبي آخر يدعو إلى إقامة الاتحاد الفدرالي وليس الوحدة مع العربية المتحدة وكان أنصارها الزعيم عبد الكريم قاسم والحزب الشيوعي والوطني الديمقراطي (الجناح اليساري) والشخصيات اليسارية والديمقراطية وكان السبب في ذلك أن الأوضاع السياسية والاقتصادية في العراق الجديد لا زالت في دور النشأة والتكون من حيث الوضع الاقتصادي لأن الاقتصاد في مصر قوي ونشيط وقديم الذي ابتلع الاقتصاد السوري .. كيف بالعراق الذي لا زال في بداية الطريق للتطور والتقدم كما أن العراق فيه أحزاب وطنية اتخذت منهج يسير وفق سياق ديمقراطي تختلف عن الوضع في العربية المتحدة التي كانت تحكم بالحزب الواحد (الاتحاد الاشتراكي العربي) مما يجعل الانسجام غير متوفر في حالة الوحدة الفورية مع العربية المتحدة وإنما الاتحاد الفدرالي يفسح خصوصيات بين مكوناته حسب النظام الديمقراطي .. ومع مرور الزمن تأججت الخلافات إلى صراعات في العنف المفرط بسبب قيام جماعة الوحدة الفورية بفرض مطاليبهم عن طريق الانقلاب العسكري الذي قام به الشواف في الموصل عام/ 1959 وأيدته قوى عسكرية في كركوك (الطبقجلي) مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى مما دفع القوى الأخرى الممثلة بالسلطة التي يرأسها الزعيم عبد الكريم قاسم التصدي لها وإفشالها وأدت إلى إعدام القائمين بها مما أدى إلى خلق شقاق وفراق وصراع داخل الدولة والشعب العراقي ... إن من طبيعة الحياة وظروفها عدم الجمود والثبات وإنما تسير في حركة وتغيير وهذه العملية الديالكتيكية تخلق اختلافات حسب الفكر والمصالح مما جعل حدوث اختلافات في الرأي والاجتهاد في المجتمع وهو لأن الزعيم عبد الكريم قاسم قضى بالجيش أربعين سنة في نظام الأوامر (نفذ ولا تناقش) واختلف مع الأحزاب لمطالبتها بتطبيق النظام الديمقراطي مما خلق بين الزعيم عبد الكريم قاسم والقوى اليسارية والديمقراطية من اختلافات وتناقضات دفع بالزعيم عبد الكريم قاسم من خلال مركزه وقوته أن يسلك سياسة عفا الله عما سلف مع أعداء الأمس من القوميين والبعثيين ومن جهة أخرى سلك طريق محاربة وإضعاف القوى المتحالفة معه من الشيوعيين واليساريين والديمقراطيين وكما هو معروف أن فاقد الشيء لا يعطيه استطاعت القوى القومية والبعثية استغلال هذه الفسحة من اختلاف الزعيم مع الشيوعيين والديمقراطيين والقيام بحركة انقلابية (طائرتين وثمانية دبابات) استطاعت أن تسقط جمهورية 14/ تموز في 8/ شباط الأسود/ 1963 .. وانتهينا إلى السجن الذي ما انتهى لحد الآن.