إنتفاضة الشعب اللبناني


فؤاد النمري
2020 / 10 / 20 - 19:48     

من متابعتي الحثيثة لانتفاضة الشعب اللبناني تبيّن لي أن السواد الأعظم من المنتفضين لا يعلمون فيما إذا كان هم في انتفاضة أم في ثورة وقد جرى على ألسنتهم القول .. "انتفاضة أم ثورة سمّها ما شئت !!" .
ثمة فرق نوعي قاطع بين الإنتفاضة والثورة . ومن لا يعلم فيما إذا كان هو في ثورة أم في انتفاضة فهو في ضياع تام ، في جهد ضائع بلا أدنى محصلة .
الثورة بواقعها الفعلي إنما هي صراع طبقي لم يعد يُحتمل فتفجّر في حرب أهلية تنتهي إلى تغيير النظام الاجتماعي – بناء نظام اجتماعي جديد وظهور طبقات اجتماعية جديدة لم تكن موجودة من قل .
أما الإنتفاضة فهي تحالف طبقي – يضم المستغَلين والمستغِلين – ينتفض من أحل تغيير البنية السياسيية المتسلطة على المجتمع وتسيء إليه، وهي بالعادة عصابة لا تنتمي لأي طبقة من طبقات المجتمع مثل زعماء الطوائف في لبنان، فهم ليسوا إقطاعيين وليسوا رأسماليين ولا يمارسون الإنتاج بأي شكل من الأشكال . الإنتفاضة تعمد النظام الإجتماعي المتواجد قبل انفجارها .

جائحة الكورونا كان لها الأثر الكبير والفعال في تراجع الإنتفاضة غير أن الكورونا لن تقتل الإنتفاضة وستعود الإنتفاضة بعد الجائحة أقوى مما بدأت في 17 أكتوبر. لكن هناك بعيداً عن الجائحة عوامل أخرى تسببت في توهين الإنتفاضة
1. تفجرت الإنتفاضة قبل أن يكون هناك تحالف طبقي ناجز ؛ فالقوى الرئيسية في الإنتفاضة ما زالت تعتبر كبار رجال الأعمال والتجار والصناعيين وأصحاب البنوك ليسوا من الحلفاء إن لم يكونوا من الأعداء، في حين أن الإنتفاضة لا تكتمل قبل أن يكون هؤلاء المتمولون في مقدمة الإنتفاضة كما يتوجب أن يكونوا
2. تشظي المظاهرة المركزية في قلب بيروت إلى مظاهرات صغيرة تحتج على إدارات معينة كالبنك المركزي أو وزارة الطاقة أو وزارة الإتصالات يعني بمعنى من المعاني تبرئة الدولة مما يعاني منه الشعب اللبناني . وحدة المظاهرة تعني وحدة العدو وهو الدولة،دولة العصابة بكل إداراتها المختلفة .
3. المظاهرات المناطقية في المدن المختلفة لا تضيف أية قوة أو حيوية للمظاهرة المركزية في قلب بيروت بل تخطف شيئاً من قواها . المظاهرة المركزية في بيروت هي وحدها التي تعبر عن قوى الرفض الشعبية لدولة العصابة. ولذلك يتوجب دائماً أن ينضم المتظاهرون في المناطق إلى المظاهرة المركزية في بيروت .
4. الأصل في الإنتفاضة ألا تكون لها قيادة محددة ولا برنامجاً سياسياً محددا وذلك لأنها تضم طبقات مختلفة ومتناحرة في الأصل . إنهماك القوى الطليعية في الانتفاضة في تدبر قيادة موحدة وبرنامج سياسي محدد عمل على تراجع قوى الانتفاضة بسبب الخلافات المتأصلة في طبقات الشعب المختلفة . كان أعداء الإنتفاضة الفعليون مثل العونيين الإنتهازيين ومجندي الثنائي الشيعي هم من طالبوا الانتفاضة بإفراز قيادة موحدة وتحديد برنامجها السياسي بقصد التفتيت .
5. منذ الأيام الأولى للإنتفاضة لم يكتف حسن نصرالله بالإفصاح عن عدائه للإنتفاضة بل أرسل زعرانه وزعران نبيه بري يهاجمون المنتفضين بعنف مفرط ويحطمون شعاراتهم دون أن يلقوا الرد المناسب الأمر الذي انعكس خوفاً على جماهير الإنتفاضة . كان يجب تلقين هؤلاء الزعران درسا قاسياً يؤكد أن القوى الثورية للإنتفاضة أشد عصفاً من قوى الزعران المأجورين .
6. جهد التيار العوني المأجور في مساعدة حزب الله في فض الإنتفاضة فنظم مظاهرة صفيقة أمام منزل رجل الدولة البارز قائد ثورة الأرز، ثورة الحرية والسيادة والاستقلال فؤاد السنيوره، كما نظم مظاهرتين أخريين ضد الإنتفاضة دون أدنى اعتراض من قبل طلائعيي الإنتفاضة، وليس من تفسير لهذا الأمر غير المفهوم .
كان يجب فضح التيار الاعوني المأجور .
7. الشعار المعادي لانضمام الأجزاب للإنتفاضة شعار يصب في طاحون الدولة . جماهير الأحزاب هي أيضاً جزء من الشعب المقهور . . التخوف من أن الأحزاب يمكن أن تستخدم الانتفاضة لتحقيق مصالحها الضيقة تخوف لا معنى له فالانتفاضة هي بالحد الأدني من أي حزب كان ما كان ز يجب دعوة الأحزاب إلى الإنضمام إلى الإنتفاضة .
دولة العصابة الطائفية في لبنان ذات إدارة مركزية وعلية لا بد أن تجري الإنتفاضة بتحرك مركزي ضد الدولة .
ليس بمثل هذه القيادة السلبية تحقق الإنتفاضة أغراضها وتحرير القوى الشعبية الوطنية .
أزاهير الربيع العربي في لبنان ستكون فواحة أكثر منها في مصر وستطرد الروائح الكريهة لفرث المحور الرجعي محور روسيا -ايران - سوريا يضاف إليها تركيا وقطر .