حكومة السني والشيعي والكردي هل هي حل أم مشكلة للمالكي ؟


عودت ناجي الحمداني
2006 / 7 / 10 - 11:19     

حكومة المالكي أو حكومة السني والشيعي والكردي ذات الطابع الاسلامي التي حضت بدعم ومباركة الادارة الامريكية,اثارت التسائلات الكثيرة حول آليات تكوينها ومدى تمثليها الحقيقي للواقع السياسي والطبقي للمجتمع العراقي , ومدى قناعة العراقيين حول قيام حكومة على معايير طائفيه في فترة عسيرة من حياة العراق وتجاهل مطلب الشعب بحكومة وحدة وطنيه على اسس المواطنه .
ان التزمير والتطبيل التضليلي الذي انبرت لتسويقه اجهزة الاعلام الامريكيه والطائفية المحلية بانجاز حكومة الوحدة الوطنيه سرعان ما تكشف زيفها ,فبدلاً من حكومة الوحدة الوطنيه تشكلت بصورة قسرية حكومة محاصصة طائفيه استجابة لأرادة الامريكيين والطائفيين من قوى الأسلام السياسي . وبدلاً من تشكيل برلمان وطني تقدمي يحشد طاقات الشعب بمفكريه ووطنيه وتقدميه من العلماء والاختصاصيين والمهنيين القادرين على اخراج العراق من نفق الازمات المستفحلة هيمنت عليه القوى الطائفيه المحافظة من الملالي والمعممين والمحجبات ورثة العصر القديم واصبح البرلمان صدى للقوى الطائفيه والمذهبيه والقوميه المتعصبه . و بدلاً من ان يكون البرلمان ممثلا للشعب ويوحد قواه الوطنيه والديمقراطيه في سبيل انجاز الكثير من المهام الوطنية التي تأتي في مقدمتها استعادة السيادة الوطنيه و تصفية مخلفات الاحتلال الاجنبي وتجفيف بؤر الارهاب. اصرت القوى الطائفيه على ابعاد القوى الديمقراطيه واليسارية والشيوعية عن مراكز القرار الساسي وسعت لتحجيم دورها في المراكز الحكوميه الفاعلة التي يمكن لهذه القوى التي ناضلت بحماس ضد الدكتاتوريه الصداميه ان تساهم في خدمة شعبها.

ان تبني القوى الطائفية مبدأ الديمقراطيه ومبدأ الحكم الفدرالي هو محاوله مكشوفه لأفراغ العمليه السياسيه والديمقراطيه من محتواها الديمقراطي التقدمي ,لأنها تدرك ان الديمقراطيه والحريه وحقوق الانسان تشكل اعاقة حقيقية لمشرعها الطائفي. والا بماذا نفسر الاصرار على تطبيق المحاصصه الطائفيه في تشكيل الهيئات الرئاسيه في الدوله ؟ في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن حكومة الوحدة الوطنيه. ولمَ لم تراعى مكونات الشعب غير المسلمة في هذه التشكيله الحكوميه؟ واي تغيير اجتماعي ينشده العراقيون في الوقت الذي تقوم فيه الجماعات الارهابيه والميلشيات التابعة للاحزاب الاسلاميه بذبح العلماء وتخريب الجامعات والمؤسسات وتسفيه العلم وفرض الحجاب وتحويل الجامعات الى حسينيات وجوامع لنشر الفكر الطائفي المستمد من طالبان وولاية الفقيه .
لقد باتت الطائفية منهجاً رسمياً لحكومة المالكي مما ادى الى تجزأة الدولة الى كيانات شيعيه وسنيه وكرديه واضعاف دورها وهيبتها وهي سياسة خطيرة ترمي في نهاية المطاف الى تقسيم العراق الى مناطق طائفيه ومذهبية وقومية متصارعة لخدمة المشاريع الانفصالية .

ويزداد الوضع تعقيداً وسوءاً مع عجز الحكومة في التصدي الحازم للجماعات الارهابيه والتكفيريه التي تقتل وتذبح وتفجر كل يوم المئات من المدنيين والعسكريين دون رادع. والى جانب ذلك يستشري الفساد المالي والاداري والاخلاقي في اجهزة الدوله من قمة الحكومة الى الى قاعها , فالرشوة والواسطة والمذهبيه اصبحت مبداً متعارف عليه في المعاملات الجاريه في دوائر الدوله. ويقترن ذلك بتدهور الاوضاع الاقتصادية , فبالاضافة الى انعدام الامن والامان الذي هو حاجة اجتماعيه واوليه في حياة المواطن فقد قلصت الحكومة مفردات البطاقه التموينيه الى اكثر من 25%ورفعت اسعار المشتقات البتروليه الى ارقم تفوق القدرة الشرائيه للمواطن حيث بلغ سعر قنينة الغاز 17 الف دينار وسعر لتر البنزين 2 الف دينار وسعر لتر الكاز 1500 دينار اضافة الى انقطاع التيار الكهربائي في العاصمة لاكثر من 23 ساعة في اليوم .

ان البرامج الورديه التي اعلنتها حكومة المالكي لا تختلف كثيراً عن الوعود التي اطلقتها حكومة الجعفري. واذا كان المالكي والجعفري وجهان لعمله واحدة بأعتبارهما ممثلين لبرنامج طائفي, فأن الحكومتان لا تختلفان في بنيتهما الطائفيه واعتمادهما مبدأ المحاصصة الطائفيه التي انشأت على اساسها التشكيله الحكوميه والبرلمانيه وهو الامر الذي ادى الى اشعال نار الطائفيه وشجع الجماعات الارهابيه وخلق الظروف المؤاتيه للتناحر المذهبي والاحتقان الطائفي .
وعليه فان حكومة المالكي التي اختزلت الشعب العراقي بالشيعي والكردي والسني تتحمل مسؤليه تاريخية لا تغتفر على انتهاج هذه الساسه التدميرية لوحدة الشعب العراقي وقتل مبدأ المواطنه التي يجب ان يكون ثابتاَ ومرشداَ للعمل والتفاعل الاجتماعي في العراق الجديد.

ان تجربة العراق الديمقراطيه التي هي وليدة الاحتلال الاجنبي قد عبرت عن بعض الحقائق الآتية :
1-ثبتت التجربة مبدأ التداول السلمي للسلطة السياسية عبر العمليه الانتخابيه والمنافسه الديمقراطيه .
2-اعطت التجربة قوة دفع كبيرة لقوى الاسلام السياسي ووصوله الى قمة السلطة السياسية والتشريعيه وهو امر لا يمكن ان يتحقق لوجرت الانتخابات بصورة نزيهة ودون تدخل الميليشيات.
3-كرست التجربه النهج الطائفي والمذهبي والقومي كنهج رسمي للحكومة العراقيه.
4-افراز برلمان يعبر عن حالة الاستقطاب الطائفي وبذلك ساهم في تفرقة العراقيين بدلاً من ترسيخ وحدتهم .

وقد ادت هذه المعطيات وغيرها الى اثارة مخاوف بلدان المنطقة وتحفظها على سياسات الحكومة العراقيه التي تقودها القوى الاصوليه , وبذلك فأن تجربة الديمقراطية الفتية في العراق لم تقدم النموذج الذي يغري بلدان المنطقة كي تحذو حذو العراق. ان المباركة الامريكيه التي صنعت حكومة المالكي لم تحض بثقة العراقيين الذين يتعرضون الى القتل والذبح والتفجير والتهجير القسري ويعانون الازمات وارهاب المليشيات التي هي الوجه الآخرللجماعات التكفيرية المتعطشة لسفك الدماء وقطع الايدي والرجم بالحجارة وجلد الناس وتحريم المسيقى والغناء والتدخل الفض في سلوكيات الناس وطريقة عيشهم ونشر الجهل والتخلف الذي يوفر لهم الامكانية للسيطرة على عقول البسطاء.

لقد وصل الوضع المتأزم في العراق الى الحالة التي تنذر بأنفجار شعبي ان لم تتخذ الحكومة الاجراءات التي تهدأ الازمة وتخفف حدتها وكل ما اتخذته الحكومة حتى الان لا يرقى الى مستوى الازمة .فقد ادت العمليه السياسية التي ترعاها الادارة الامريكية الى اعطاء دفعة قويه لانبعاث الحركات الاصوليه وصعودها الى قمة السلطة والى احتدام الصراع الطائفي الذي يشكل التحدي الاكبر للاستقرار والامان . ان ادامة دورة العنف والاحتراب الطائفي وتعطيل عملية البناء والتنمية يصب في خدمة المخططات الارهابية والتكفيرية.

ان حكومة المالكي تراوح في الحلقه المفرغة وتنتقل من ازمة الى ازمة ولم تقدم شيئاً للشعب سوى الوعود الكاذبه فهي تتعكز على الارهاب لتبرير فشلها في حل المعضلات التى تواجه المجتمع . ان الفشل الذريع لحكومة المالكي هو نتيجة منطقيه لأسباب كثيرة منها :
1-اعتمادها مبدأ المحاصصه الطائفيه الذي اسفر عن تعيين وزراء تنقصهم الخبرة والمهارة والتخصص المهني في ادارة وزاراتهم .فالمهندس المعماري اصبح وزيراً للماليه والمدرس في علم النفس وزيراً للمواصلات وهكذا .
2-عدم اشراك العناصر التكنوقراطيه المستقله من تولي بعض الوزارات بسبب الاستقطاب الطائفي والقومي .
3-تشكيل السلطات الرئاسية الثلاثة وفقاً للاستحقاق الطائفي وتغييب مبدأ الاستحقاق الوطني .
4-ممارسة التطهير الطائفي في اغلب الوزارات وتحويل الوزارة الى مقاطعة لعائلة الوزير وطائفته وليس الى وزارة عراقيه لجميع العراقيين .
5غياب السياسات الاقتصادية التي تنهض بالاقتصاد القومي وتساهم في اطفاء نار الازمة الاقتصادية والخدماتيه اللاهبه .
6-عدم اكتراث الحكومة بهموم المواطنين اليومية الناتجة عن الارهاب وازمة المشتقات النفطية والكهرباء والفساد والرشوة وانعدام فرص العمل .

وقد ادت هذه الساسة الى فشل الحكومة وعجزها في القضاء على بؤر الارهاب وتجفيف منابعه واسهمت في دق اسفين عميق بين العراقيين .

ان مفتاح الحل والخروج من الازمات المتفاقمة التي تفتك بالبلد وتحقيق الاستقرار المنشود يمكن ان يتحقق عبر السبل الاتيه :
1-التأكيد قولاً وفعلاً على مبدأ المواطنة بديلاً عن المحاصصة الطائفية , واتخاذ الخطوات الكفيله لتحقيقه على مستوى الهيئات القيادية في الدوله وفي اجهزة الدوله الاخرى .
2- اعلان حكومة انقاذ وطني لفترة محدودة من الزمن بقيادة القوى العلمانية بكونها تنبذ الطائفية والتعصب المذهبي وقادرة على توطيد وحدة الشعب بكافة مكوناته .
3-حل الميلشيات المسلحة لأنها جزء من مكونات الارهاب وحصر السلاح بأجهزة الدوله لا غيرها .
4-تنفيذ حكم الاعدام بالمجرمين من الجماعات الارهابيه والتكفيريه الذين اغرقو شعبنا بالدم .
5-اتخاذ الخطوات الضروريه لأجلاء القوات الاجنبيه المحتله من العراق .
6-الانفتاح على الشعب ودراسة مشاكله الاقتصادية والاجتماعية والعمل على حلها من خلال:
أ- اطفاء بؤر الفساد الاداري والمالي باصدار القوانين التي تحقق ذلك.
ب-مكافحة ظاهرة الرشاوي في اجهزة الدوله التي ارهقت كاهل المواطنين .
ج-تخفيض اسعار المشتقات النفطيه التي اشعلتها الحكومة لأن ذلك يخفف من حدة الازمة الخدماتيه.
د-معالجة ازمة الكهرباء بتنصيب محطات ضخ متنقله كحل آني لتخيف شدة الازمة.
ه-تدوير عجلة الاقتصاد القومي وانهاء حالة الركود بالتركيز على القطاعات الانتاجية والخدمية التي تؤثر على الحياة المعيشية للمواطنين .
و-تقديم الدعم المالي للفئات الفقيرة التي تتأثر اكثر من غيرها بالازمات الملتهبة خصوصاً العائلات التي ليس لها معين .
ح-معالجة ازمة العاطلين من خلال التوسع في النشاط الاقتصادي الذي يساهم في خلق فرص عمل كثيرة تكون كفيله بامتصاص القوى العامله العاطله عن العمل وتحسين احوالهم المعيشية.
ان الاستناج الذي يمكن ان نثبته هنا بالاعتماد ً علىالكثير من الحقائق والمعطيات هو
1- ان الشلل الذي آلت اليه حكومة المالكي وحكومة الجعفري يؤكد على فشل المشاريع الطائفيه لقوى الاسلام السياسي التي لا تستجيب لطموحات الشعب العراقي وجنوحها نحو اقامة دكتاتورية دينيه بهدف اعادة صياغة المجتمع العراقي على اسس دينيه من اجل اعاقة عملية التغيير والتجديد والتحديث الاجتماعي المنشود .
2-ان الدعم و الحماية الاجنبيه المتمثله بالاحتلال الاجنبي لا تنقذ اية حكومة طالما انها لا تمثل مصالح الشعب الوطنيه .