السيد الكاظمي بين الإصلاح والتغيير وفوضى الساحة العراقية


فلاح أمين الرهيمي
2020 / 10 / 18 - 12:18     

استلم السيد الكاظمي نظام متخم بالسلبيات المتراكمة التي تجمعت من فترة حكومات متعاقبة لمدة سبعة عشر عاماً وبدأ مشواره المحدد بالفترة الانتقالية لغاية إجراء الانتخابات النيابية المبكرة رافعاً راية الإصلاح والتغيير التي تؤدي إلى سلسلة من التغييرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تحدث في المجتمع وتكون عوامل موضوعية بفعل إرادة الإنسان أو خارج إرادته حسب المنهج المادي للتاريخ عن طريق ديناميكية الحياة وتقدمها وتطورها في مسيرة التاريخ إلى أمام بوصفها حركة الصيرورة والتقدم والتطور إلى ما لانهاية لأنها حركة تراكمية ومتناقضة تقضي وتتفاعل معها جدليات وصراع ونزاع في المجتمع التي تتشكل من خلالها نوعيات تنتج أخرى، وهذا يؤدي إلى انقسام المجتمع إلى جبهتين متعارضتين ومتصارعتين نتيجة التناقض الحدي الرئيسي بينهما فأحدهما القديم الذي يريد المحافظة على التقاليد والعادات القديمة الذي كان بيده السلطة والجاه والقوة التي كانت تمتلكها وتأمر وتحكم بها، وأخرى الثائرة التي تسير إلى أمام بالانسجام مع مسيرة التاريخ وتقدمه وتطوره يؤدي إلى انتصار الجديد على القديم.
من هذه الصورة كان المفروض بالسيد الكاظمي تطبيق إصلاحاته السياسية التي تفرض عليه الانسجام والاصطفاف مع قوى الإصلاح والتغيير التي تحمل رايتها المرجعية الرشيدة وثورة الجوع والغضب وجماهير الشعب والتأييد الدولي .. وليس يبدأ إصلاحاته بالجانب الاقتصادي وليس السياسي المفروض أن يقوم به مما سبب اتباعه قاعدة التوافق والتراضي مع الاحزاب والكتل السياسية التي تمثل القديم، كما مست اصلاحاته الاقتصادية وملاحقة الفاسدين مصالح القوى القديمة وأدت إلى استفزازها وهي لا زالت تمسك قوتها وسلاحها ونفوذها في الدولة مما دفع هذه القوى (القديمة) إلى وضع العراقيل أمام مسيرة حكومته الانتقالية المحددة بإجراء الانتخابات النيابية المبكرة.
إن هذا الموقف الازدواجي التوافقي والمساوم مع الأحزاب والكتل السياسية أدى إلى عدم تلبية مطاليب ثورة الجوع والغضب ومحاسبة قتلة رجال الثورة وخطفها واغتيال نشطائها وعدم الوفاء بوعوده لهم مما أدى ذلك إلى زعزعة الثقة والعلاقة بالكاظمي وأدى إلى جمود العلاقة بينهما ووقوف كل جهة في مكان بعيد عن الآخر أما القوى القديمة أصبحت تساوم معه لغرض مصالحها من خلال أعمالها إلى الفوضى وعدم الاستقرار من خلال الكتيوشات والصواريخ التي تعرضت لها البعثات الأجنبية وقوات التحالف الأجنبي والأمريكي التي أثرت على سمعة حكومة الكاظمي ووصفتها بالعاجزة عن ضمان سلامة البعثات الأجنبية وبسبب انفلات السلاح الذي أضعف هيبة الدولة العراقية.
إن المنظور السياسي يدل على جمود العلاقة والحساسية بين قوى ثورة الجوع والغضب وبين الكاظمي لأنه لم يوفي ويترجم وعوده التي قطعها لهم. إن السيد الكاظمي وصل إلى الخط الأحمر الذي لا يمكن تجاوزه فبقي واقفاً يراوح في مكانه ولا زالت قوى الثورة والإصلاح تطالب بإلحاح على تنفيذ الوعود وتهدد بتصعيد نضالها وهذا يعني أن قوى الإصلاح والتغيير الممثلة بالمرجعية الرشيدة وقوى الثورة وجماهير الشعب واقفة في مكان بعيد عن السيد الكاظمي الآن بينما بقيت القوى السياسية من الاحزاب والكتل هي التي تتحرك على الساحة العراقية بيدها القوة والسلاح والنفوذ في السلطة ولا زالت تهدد بالفوضى وعدم الاستقرار الذي يتصدى لطموح ورغبات الكاظمي بالاستثمار بواسطة الدول العربية والأجنبية وكذلك عرقلة ومقاومة الأحزاب والكتل السياسية لقانون الانتخابات والمفوضية الذي يهدد بإلغاء الانتخابات أو تأجيلها، كما أقدمت حكومة الكاظمي على التلاعب وسحب الاحتياطي النقدي الذي يشكل الغطاء للدينار العراقي ويؤدي به إلى انخفاض قيمته أمام الدولار الذي يعتبر الأداة والوسيلة لاستيراد السلع والبضائع ومستلزمات الحياة للشعب العراقي ويؤدي إلى ارتفاع أسعارها مما يسبب أضرار للشعب وإذا كان مستوى الفقر الآن 40% سوف يصبح 60% من الذين يعيشون تحت مستوى الفقر كما تشير وسائل الإعلام عن وجود ضغوط سياسية على الكاظمي بعدم الكشف وملاحقة حيتان الفساد الإداري مما يجعل مشروع الكاظمي لمكافحة الفساد معرض للفشل والانهيار وجعل السيد الكاظمي أن يصبح في وضع مضطرب وضعيف أمام موقف الفوضى السياسية على الساحة العراقية.
كان المفروض بالسيد الكاظمي أن يكون بداية مشواره الإصلاح السياسي من خلال توطيد الأمن والاستقرار والمحافظة على هيبة الدولة واحترامها وطاعتها وفرض سيادة القانون، لأن ضبط الأمن والاستقرار يفسح المجال له بحرية العمل والتصرف بما يتلاءم مع مصلحة العراق وطن وشعب الذي يشجع على عملية الاستثمار العربي والأجنبي ويفسح المجال أمام صياغة الدستور وقانون الانتخابات والمفوضية والمحكمة الاتحادية حسب القاعدة التي تنسجم مع مصلحة الشعب وإبعاد هاجس الخوف عن بعض القوى الأمنية وتطبيق القانون على جميع أبناء الشعب في حالة المخالفة والشذوذ ويصبح محترم ومطاع. عند ذلك يستطيع تنفيذ إصلاحاته وفرض هيبة الدولة والقانون وليس هنالك من يفلت من العقاب العادل وليس هناك من هب ودب ويؤدي إلى توطيد الأمن والاستقرار والاطمئنان ويعيد ثقة الشعب بالدولة واحترامها لأنه يلمس من خلال الواقع الموضوعي أن عدالة الحكم والقانون يجعل أبناء الشعب أمامه بالتساوي والعدل كائن من كان فيرتاح ويطمئن عندما تخيم عليه السعادة والرفاه والأمن والاستقرار من خلال الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.