المفكر سمير أمين «مفكك الرأسمالية»


فهد المضحكي
2020 / 10 / 17 - 11:00     

المفكر سمير أمين مفكك الرأسمالية وصاحب نظرية «التطور اللامتكافئ» التي صاغها في سبعينات القرن الماضي محاولاً تفسير تخلف المنطقة العربية، ويهدف للخروج من مأزق الجمود والتخلف بتطبيق وبناء الاشتراكية، يستنتج: ان النظام الاشتراكي هو الذي سيسود العالم بعد انهيار الرأسمالية، وستتم عملية الانتقال انطلاقًا من العالم الثالث، أي أطراف المركز الرأسمالي العالمي.

هكذا كان الإعلام المصري والعربي والدولي يحاكي المفكر اللامع من مواليد 1931 الاسكندرية، وحاصل على شهادة الدكتوراه عام 1956 من جامعة السوربون، وهو أحد المفكرين الكبار الذي أثرى مجاله بإنجازاته التي تزيد على 30 منجزًا ستظل علامات مضيئة في ذاكرة التاريخ.

إذا ما أردنا الحديث عن هذا المفكر الفذ فلا بد أن نقف عند ما دونه واستخلصه الباحث العراقي عبدالجبار نوري عن أمين الذي أصبح قطبًا فكريًا بين قوى اليسار في البلدان العربية، وهو على حد وصفه مفكر يستحق بجدارة لقب الماركسي النقدي المجدد والتجديدي؛ لأنه يدعو إلى التخلص من تعريف الرأسمالية بأنها نيوليبرالية معولمة، وأن القطاعات المسيطرة على رأس المال ليست تمثل اقتصاد السوق، بل تمثل رأسمالية تجمعات احتكارية مالية. وكان الراحل أمينًا ووفيًا للمادية الجدلية.

سمير أمين تنبأ بفشل ما يسمى الربيع العربي مباشرة بعد بداية أحداثه مستندًا إلى قراءاته العميقة للحركات الإسلامية ودورها السلبي في المنطقة، فهو اشتراكي يرى استحالة تحقيق النمو الاقتصادي في بلدان العرب باتباع النموذج الرأسمالي الغربي الآن، أي اندماج في هذا النظام الرأسمالي يؤدي إلى تعميق تخلف المنطقة.

كتابه «ما بعد الرأسمالية المتهالكة» الصادر عن دار الفارابي عام 2003 أهم مؤلفاته وأكثرها رواجًا، وضح فيه نظريته وقانونه في موضوع «اللامتكافئ»، وهو أن النظام الاشتراكي هو الذي سيسود العالم بعد انهيار الرأسمالية، وللتوضيح أكثر يقول: ستتم عملية الانتقال انطلاقًا من العالم الثالث بصفته يشكل أطراف النظام الرأسمالي العالمي الذي يزداد فيه الفقر والبطالة والبؤس ستقع فيها حتمًا ثورة اشتراكية لأن بلدانها غير صناعية، وهنا -وإن اختلف البعض معه- يناقض ماركس الذي يؤكد: كلما توسعت فيها الرأسمالية أكثر فأكثر يكون حتمًا متطورًا صناعيًا، ووظف سمير أمين في كتابه هذا استثمار آرائه في المجال الاقتصادي إلى المجال الثقافي حين يجعل ثقافتنا مرنة غير منغلقة يمكنها أن تخرجنا من عنق الزجاجة التي نعيشها في ظل صراعات ترقى للحروب الأهلية الهوياتية الطائفية.

يثير في الكتاب موضوعًا حساسًا قابلاً للجدل والتصادم الذي هو: فك ارتباط الثقافة العربية المشرقية المرتبطة بالدين، والتي تعبر بنظر الناس مقدسة التي ترفض كل جديد، وتنظر إلى الثقافات الأخرى باستهجان ربما أحيانًا تتهم أصحاب هذا الرأي بالكفر والإلحاد، فيعتقد أنها ثورة إصلاحية للأمين على غرار آراء المصلح الديني السوداني (محمود محمد طه) الذي اتهم بالكفر وأعدم على يد الطاغية النميري.

أما عن ظواهر التآكل التي يشير إليها أمين فهي كالآتي:

- انهيار السلام العالمي بعد حرب الخليج 1993 وأحداث سبتمبر 2001.

- احتكار الثروة في يد فئة قليلة مقابل انتشار الفقر على المستوى العالمي، إذ 20% من سكان العالم يحتكرون 80% من ثرواته.

وان العالم الإسلامي كانت تسوده رأسمالية تجارية مزدهرة، لكن هذه الرأسمالية لم تستطع الانتقال إلى رأسمالية صناعية.

- تراجع الديمقراطية في معظم الدول، والكتاب يكذب وعود الليبرالية ومزاعمها وذلك لأن منظري الرأسمالية يدعون بأنها ظواهر عابرة، والصحيح أن القطاعات المسيطرة على رأس المال هي الامبريالية الرأسمالية.

- تعرض العالم لأزمات متكررة تعكس أزمة حقيقية في الاقتصاد العالمي، وهو فعلاً انحراف مالي أدى إلى شلل النمو والبنية الإنتاجية وركود نسبي في الإنتاج.

- تراجع مداخيل العمال وارتفاع نسبة البطالة والمزيد من الهشاشة الاجتماعية وتعميق الفقر في دول جنوب الكرة الأرضية، واضمحلال ثروات الكوكب بشكل تدريجي واضح، فالدول الغنية يسكنها 15% من سكان العالم تستحوذ على 85% من ثروات الأرض.

يستعرض الباحث ما قاله أمين في الفصل السادس من الكتاب:

ما نشهده اليوم من علامات مؤشرة على تهالك الرأسمالية وضرورة انتهاج الاشتراكية كضرورة موضوعية للإنسانية برمتها. إن انتهاج الطريق هو انتقال طويل لا مجرد بناء منجز للاشتراكية هنا وهناك، وأولى ظواهر التهالك: هي تلك الآثار بعيدة المدى للثورة العلمية والتقنية الجارية، وثاني ظواهر التهالك: انه لم تعد الامبريالية الجماعية الفاعلة على مجمل النظام العالمي تسمح بمتابعة التطور الرأسمالي والتابع لعدة أطراف.

ويضع أمين بعض الحلول الموضوعية للوضع الراهن: إعادة إيجاد تنظيمات مناسبة وكافية من العمال، ممارسة ديمقراطية لها علاقة وطيدة ومؤثرة بالتقدم الاجتماعي وسيادة الشعوب، التحرر من فيروس أسطورة تمجيد الفرد بل المطلوب البديل الجماعي المشارك الفعلي في العملية السياسية، رفض أنماط الحياة المرتبطة بالرأسمالية البطريركية الذكورية النزعة الاستهلاكية المتجه نحو تدمير الكرة الأرضية، التحرر من ملف شمال الأطلسي ذات النزعة العسكرية الملازمة له التي ترغم الشعوب بقبول (الابرتهايد) للتمييز العنصري على الصعيد العالمي، السيادة الوطنية على الأسواق المالية النقدية والإشراف المباشر على التكنولوجيا الحديثة، تغيير مسار احتكار (منظمة التجارة العالمية) التي هي تحت السيطرة العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية، أممية العمال والشعوب تمثل الضمانات الوحيدة لإعادة بناء عالم آخر أفضل متعدد الأقطاب ديمقراطي الذي يقدم بديلاً وحيدًا لبربرية الرأسمالية المتهالكة من أجل اشتراكية القرن الواحد والعشرين هو المطلب الرئيس الضروري للشعوب في هذه الظروف المعقدة الآيلة إلى التهالك.

الراحل سمير أمين مفكر ذو أفق عالمي حقيقي مع إنتاجية كبيرة. عمله العلمي كما ذكر موقع «فلاسفة العرب» يتغلب على التخصص الزائد الذي يميز العديد من المخططين والمنظرين للتنمية.

مقاربتهم العلمية الضيقة، تشبثهم بالنماذج هو أمر غريب عن أمين، قدرته على القيام بأبحاث قائمة على الأدلة، من المنظورين التاريخي والمقارن، بكل معنى الكلمة هو أمر نادر فعلاً تأخذ تحليلاته في الاعتبار دائمًا بالظروف الاجتماعية - البنيوية والاعتبارات المتعلقة بالقوة السياسية، وميوله، أيديولوجياته وطرق التفكير الخاصة به تشير إلى الطريق إلى الأمام، وهذا جعله مصدر إلهام لا ينضب من خلال مقاربة تاريخية - مادية ترفض الارثوذكسية والدوجمائية.

ترك سمير أمين العديد من الدراسات والكتب العلمية والفكرية التي تعد مراجع اقتصادية وعلمية للباحثين في الشؤون الاقتصادية والعربية، منها على سبيل المثال لا الحصر: ما بعد الرأسمالية المتهالكة، الاقتصاد السياسي للتنمية، في نقد الخطاب العربي الراهن، ثورة مصر، مذكراتي القومية وصراع الطبقات، المادية والتحرفية، حول الدين والدولة.