الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية 8-20 ، نقد أطروحات منصور حكمت المعادية للماركسية


حسين علوان حسين
2020 / 10 / 17 - 01:04     

هاء : القانون الماركسي : للدين وضائفه الروحية المهمة للإنسان ؛ لذا ، فإن اضمحلاله يقتضي أنتفاء هذه الوظائف بوعي و مارسة بديلها الشيوعي : العمل الجماعي لخلق جنة الإنسان على الأرض
في عام 1843 ، كتب ماركس هذا المقطع الفاتن الجامع بين العلم و الجدل و الفلسفة المادية والتاريخية و الشعر كجزء من مقدمة كتابه الموسوم "مساهمة في نقد فلسفة الحق لهيجل" . و قد نُشرت المقدمة عام 1844 في مجلته "الحولية الألمانية-الفرنسية". و لم يتم نشر الكتاب نفسه إلا بعد وفاته . و رغم مضي أكثر من قرن و نصف القرن على وضع ماركس لقوانين اشتغال الدين ، فإن المتمركسين يرفضون فهم قوتها و مقتضيات وعيها الخلاق التطبيقية في النضال السياسي لتحرير العمل . و بعضهم لا يعرف غير الترديد الببغاوي لجملة "الدين أفيون الشعب" بتجريدها تماماً عن سياقاتها التاريخية و النصيّة المهمة دون تدبّر معانيها الحقيقة .

يقول ماركس :

"إن الأساس في النقد اللاديني هو: أن الإنسان هو الذي يصنع الدين ، والدين لا يصنع الإنسان . الدين ، في الواقع ، هو وعي الذات واحترام الذات للإنسان الذي لم يكسب نفسه بعد ، أو الذي فقد نفسه بالفعل مرة أخرى . لكن الإنسان ليس كائنًا مجردًا يجلس خارج العالم . الإنسان هو عالم الإنسان - الدولة والمجتمع . و هذه الدولة وهذا المجتمع ينتجان الدين ، الذي هو الوعي المقلوب للعالم ، لأنهما عالم مقلوب. الدين هو النظرية العامة لهذا العالم ، خلاصته الموسوعية ، منطقه في الشكل الشعبي ، وجهة نظره الروحية ، حماسته ، عقوبته الأخلاقية ، مكمله الرسمي ، وأساسه الكوني من العزاء والتبرير. إنه الإدراك الخيالي لجوهر الإنسان لأن الجوهر البشري لم يكتسب أي حقيقة فعلية. لذلك فإن النضال ضد الدين هو ، بشكل غير مباشر ، النضال ضد ذلك العالم الذي يعتبر الدين عبقه الروحي . المعاناة الدينية هي ، في الوقت نفسه ، التعبير عن المعاناة الحقيقية وهي الاحتجاج على المعاناة الحقيقية . الدين هو تنهيدة المخلوق المظلوم ، والقلب لعالم بلا قلب ، والروح لظروف بلا روح . إنه أفيون الشعب . إلغاء الدين كسعادة وهمية للناس هو المطلب لسعادتهم الحقيقية. إن دعوتهم للتخلي عن أوهامهم حول حالتهم هو الدعوة لهم للتخلي عن حالة تتطلب الأوهام. لذلك فإن نقد الدين هو ، في منشئه ، النقد لوادي الدموع الذي يشكل الدين هالته .
لقد اقتلع النقد الزهور الوهمية على السلسلة ليس لكي يستمر الإنسان في حمل تلك السلسلة دون خيال أو عزاء ، و إنما لكي يتخلص من السلسلة ويقطف الزهرة الحية. إن نقد الدين يحرر الإنسان من أوهامه ، ليفكر ويتصرف ويصوغ واقعه كرجل نبذ أوهامه واستعاد حواسه ، فيتحرك حول نفسه كشمسه الحقيقية. الدين ليس سوى الشمس الخادعة التي تدور حول الإنسان طالما كان لا يدور حول نفسه."
لذا ، فإن مهمة التاريخ هي التأسيس بمجرد اختفاء عالم الحقيقة الآخر لحقيقة هذا العالم . إنها المهمة المباشرة للفلسفة ، التي هي في خدمة التاريخ ، للكشف عن اغتراب الذات بأشكاله غير المقدسة بمجرد الكشف عن الشكل المقدس للاغتراب الذاتي للبشر. وهكذا يتحول نقد السماء إلى نقد الأرض ، ونقد الدين الى نقد القانون ، ونقد اللاهوت الى نقد السياسة."
انتهى نص ماركس .

وصف المقولات العلمية المتضمنة في النص أعلاه ، و هي :
1. "إن الأساس في النقد اللاديني هو: أن الإنسان هو الذي يصنع الدين ، والدين لا يصنع الإنسان ."
هذه المقولة تقتضي أن نقطة الانطلاق الماركسية في نقد الدين يجب أن تبدأ من وعي الحقيقة التاريخية بكون الإنسان هو الذي يصنع الدين و ليس بالعكس . الموجبات لضرورة اعتماد نقطة الإنطلاق هذه تتمثل في وعي جوهر العلاقة بين الإنسان و الدين . لماذا ؟ لأن الماركسية كلها إنما هي بالضبط علم دراسة "العلاقات" الاقتصاجتماسية الكلية القائمة و الفاعلة المفعول : الدراسة الماركسية لأي موضوع إقتصاجتماسي تبدأ دائماً من كشف العلاقات القائمة بين الإنسان و طبقته و مجتمعه و انتاجه المادي و البناء الفوقي الذي تشكلة هذه العلاقات .. إلخ . و في مضمار نقد الدين ، ليس من العلم بشيء نقد الدين بحد ذاته على نحو مجرد ؛ لأن مثل هذا النقد سيكون مجرد مواعظ مثالية فارغة و غير مؤثرة لحذفها عنصر الإنسان الأساسي الفاعل و المؤثر في كل معادلة ماركسية . الماركسية هي جوهرياً - علم خدمة الإنسان – كل إنسان . أما العلاقة بين الإنسان و الدين فهي علاقة صانع بمصنوعه ؛ خالق بمخلوقه ؛ و اتجاهها يبدأ و ينطلق من الإنسان نحو الدين . فالإنسان هو خالق الدين و ليس العكس ؛ أي أن الإنسان هو خالق الأرباب المكينين على صورته المثالية التي يحلم و يصبو إليها و ليس الأرباب هم من خلقوا الإنسان .
و لكن هذا الوعي لهذه الحقيقة الأساسية غير كاف بحد ذاته . على الماركسي العلمي أن يسأل نفسه بعدئذ هذا السؤال المهم : لماذا يصنع الانسان الدين ؟ فما دامت الحقيقة تنطق بواقع كون الانسان هو الذي يصنع الدين ، فلابد أن تكون للدين وظيفة مطلوبة تدفع الإنسان لصناعته . مفهوم "الوظيفة" أساسي هنا مثل مفهوم "العلاقة" و كلاهما متشابكان ببعضهما البعض . الماركسية هي علم وظيفي أيضاً لأنه يُعنى بالكشف عن وظائف العلاقات الاقتصاجتماسية القائمة في الزمكان . الجواب على هذا السؤال المهم يقدمه ماركس في الجملة التي بعدها مباشرة .

2. "الدين ، في الواقع ، هو وعي الذات واحترام الذات للإنسان الذي لم يكسب نفسه بعد ، أو الذي فقد نفسه بالفعل مرة أخرى ."
يحدد ماركس هنا الوظيفتين الأساسيتين للدين بالنسبة للانسان الحي المستعبد على وجه الكرة الأرضية عموماً : وعي الذات ، زائداً احترام الذات بالنسبة لنوعين اجتماعيين من البشر : الإنسان الذي لم يكسب نفسه بعد أو الإنسان الذي فقد نفسه بالفعل مرة أخرى . الإنسان المستعبد يصنع الخبز لنفسه غذاءً بدنياً ؛ أما في الدين فإن هذا الإنسان المستعبد يصنع لنفسه غذاءً روحياً مفيداً و مهماً وظيفته وعي الذات و احترام الذات . و لكن مالمقصود بهما ؟ المقصود بوعي الذات للإنسان المستعبد هو اكتشافه لحقيقة استعباده المأساوي في هذه الحياة من طرف أخيه الإنسان الآخر بهذا الشكل أو ذاك على نحو غريب و غير طبيعي و ظالم ؛ أما احترام الذات فيتمثل بادراك الإنسان أنه كائن حر خلاق ـ لا يستحق مصير الإستعباد بل حقه هو التحرر و الإنطلاق و تحقيق الذات و ربح السعادة في حياته من خلال حرية العمل الخلاق . هذا هو احترام الذات . غير أن كل هذه التطلعات المشروعة و التي تحقق انسانية الإنسان غير ممكنة التحقيق بحكم الظروف الاقتصاسياسية القائمة الحاكمة في كل المجتمعات الطبيقية و التي تنيخ بثقلها على الانسان المستعبد لتؤبد استعباده . كما أن كل انسان يحلم بالخلود في قرارة نفسه رعم إدراكه لحتمية الموت ـ و لكن يبقى الأمل حيا . عندها يحلق خيال الإنسان ليعوض لنفسه الفردوس المفقود على الأرض في حياته بخلق فردوس وهمي متخيل يغلفه بهالات القدسية يخلده في الفردوس الموعود بعد الممات . هذا الوهم المقدس ينتقل عبر الأجيال مع تزويقات و تنويعات و تجميلات و لمسات حسبما تشتهي الأنفس . هاتان الوظيفتان المهمتان جداَ لا يعرفهما منصور حكمت ـ مثلما لا يعرف متطلبات و عواقب مهاجمة الدين عندما يزوّر فيجعله هوية ملفقة للشيوعية . في عالم الإنسان المستلب اليوم ، الشطب المباشر بجرة قلم على الدين عند الانسان المؤمن يعني تجريده من الأمل المنشود ؛ سرقة جنته الموعودة التي أمضى عمره يعمل ليل نهار للفوز بها بعد الممات ؛ هو "التدنيس الموهوم لغلالات المقدس" ؛ هو العدوان الذي يسلب "الحق الموهوم" في الخلود الموعود من الإنسان .
3. "لكن الإنسان ليس كائنًا مجردًا يجلس خارج العالم . الإنسان هو عالم الإنسان - الدولة والمجتمع . و هذه الدولة وهذا المجتمع ينتجان الدين ، الذي هو الوعي المقلوب للعالم ، لأنهما عالم مقلوب. "
القانونان الوصفيان السابقان يحددان العلاقة بين الإنسان و الدين مع وظيفتي الدين للإنسان على نحو مجرد . المطلوب الآن إحالة الوصف العلمي المجرد للواقع : الدولة و المجتمع الذي يعيش في ظلهما كل إنسان . في المجتمع ، تتفاعل و تتلاقح مفردات الدين عند كل طبقات المجتمع لتنتج "الطبعة" الرسمية الإجتماعية للدين في أطرها و تلويناتها و تقعيداتها الخاصة التي تقولبها و تستحوذ عليها الطبقة السائدة إجتماعيا و تفرضها من فوق خدمة لمصالحها الاقتصادية و السياسية و لدولتها . لذا ، نرى أن كل دين أنما هو في التحليل الأخير انتاج اجتماعي ايديولوجي له تجلياته السيادينية التفاضلية المميزة ؛ و نجد أن إسلام دولة الخميني ليس نفسه إسلام دولة آل سعود ؛ و الاسلامين الأخيرين مختلفين عن اسلام دولة البشير و الغنوشي و أردوغان ووو . في المجتمع ، يكتسب الدين وظيفة إضافية – ليس كعلاقة بين الإنسان و دينه – بل كبناء اجتماسي فوقي مفروض فرضاً بقوة القانون و الاجهزة القمعية للدولة لخدمة المصالح الطبقية للطبقة الحاكمة . هذا الشكل الثاني من الدين هو ما يجب تعريته . كيف ؟ بالتثقيف الماركسي العلمي عبر فضح التناقضات الصارخة للدين السيادي كعلاقة نفعية انتهازية استعبادية غير مقدسة بين الدولة و المجتمع مع وظيفة الدين كعلاقته سامية مقدسة بين الإنسان وربه . و لقد رأينا كيف أن الجهل الفاضح لهذه الحقائق الأساسية قد دفع منصور حكمت للإفتاء بأن "إيران ليست مجتمعاً إسلامياً" .
يتبع ، لطفاً .