عمالقة أم عصر عملاق؟


حسن مدن
2020 / 10 / 15 - 11:20     

كلما ودعنا نجماً أو نجمة، من نجوم السينما أو المسرح العرب، نقول ما معناه: يغيب عنا شاهد آخر من «الزمن الجميل»، وأحياناً نبلغ حدّ القول إنه آخر الشهود على ذلك الزمن، ونقول الشيء نفسه عن الشعراء والأدباء والموسيقيين والمغنين الكبار الذين يغادروننا بعد رحلات طويلة ثرّية من العطاء.
وحين نستعيد أسماء رواد النهضة العرب في نهايات القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين نصفهم بـ«العمالقة». وهم أهل لهذا الوصف فعلاً، فما قاموا به وتركوه من تراث هو عدّة للأجيال التي أتت بعدهم، بدليل أننا ما زلنا ننهل من هذا التراث، والأغلب أن الأجيال التالية ستفعل الشيء نفسه، فليس بوسع أي باحث جاد ومخلص ومتنور عن خريطة طريق لهذه الأمة المتعثرة في اللحظة الراهنة أن يفكر في هذا الأمر بمعزل عن إرث هؤلاء العمالقة.
على هذه الحقيقة يترتب سؤال قديم - جديد: هل أصبحت الأمة عاقراً، ولم تعد تلد «عمالقة» كأولئك الذين غادرونا؟ وهل كل ما وضعه وقام به التالون لهم هو أقل أهمية من إرثهم؟ وإذا ذهبنا إلى الإجابة بالنفي، ألن نغمط حق التالين، بما كل ما تعنيه مفردة «الغمط» من معاني النكران والجحود وحتى التعدي، فهم وإن كانوا انطلقوا من إرث «العمالقة» وساروا على خطاهم، وتمثّلوا فكرهم وهضموه، فإنهم قد يكونون تجاوزوهم في بعض الأمور، كون المعرفة عملية تراكم لا تتوقف؟
وفي هذا علينا ألا نغفل أمرين أو حقيقتين. أولاهما أن الإنسان مهما امتدّ به العمر هو إلى رحيل، وبالتالي ليس بوسعه في عمره المحدود، وإن طال، أن يغطي بالبحث كل الأمور والظواهر، وما أكثر المفكرين الذين ماتوا قبل أن يكملوا مخطوطات عظيمة انكبوا عليها، فعاجلهم القدر الذي لا مفرّ منه، فإما أن تكون قد صدرت من بعدهم ناقصة، أو ربما لم تر النور أصلاً.
أما الثانية فإن حجم الاكتشافات والإضافات في حقول المعرفة المختلفة هي إلى ازدياد، فما كان متاحاً من معارف في زمن طه حسين وسلامة موسى مثلاً، كان أقل بكثير مما بات متاحاً اليوم، فضلاً عن أن العالم نفسه شهد تبدلات عميقة في العلم والاقتصاد والسياسة والثقافة والتكنولوجيا وغيرها من حقول، فأصبحت لدى باحثي اليوم من الوقائع والمعارف ما لم يكن متاحاً لأسلافهم.
لعلنا نخلص إلى أن «عمالقة» الأمس عاشوا في زمن مختلف واعد، كان للتنوير فيه كلمته الوازنة، وهذا الزمن «العملاق» إن صحّ القول، هو الذي جعلهم عمالقة.