تأثير ثورة اكتوبر العظمى على الحركة النضالية للشعب العراقي


فلاح أمين الرهيمي
2020 / 10 / 14 - 12:03     

أثناء الحرب العالمية الأولى (عام/ 1914 – 1918) وقبل أن تستكمل بريطانيا احتلال العراق بأكمله قامت ثورة اكتوبر العظمى عام/ 1917 في روسيا بقيادة العبقري الفذ (لينين) ضد الرأسمالية وضد نفوذ ومصالح الدول الاستعمارية، مما دفعت الوطنيون العراقيين إلى الاهتمام بأصداء ثورة اكتوبر البلشفية عام/ 1917 والتأثر بمنشوراتها التي أصبحت متداولة في بعض المدن العراقية مما أثرت بشكل فعال على حركة الشعب العراقي التحررية وبث روح العزيمة والنضال من أجل الاستقلال والسيادة الوطنية.
تعتبر ثورة اكتوبر العظمى الأولى في تاريخ العالم التي قضت على سبات قرون من الزمن للشعوب المظلومة لأمم الشرق والجماهير الكادحة في العالم وجذبتها إلى النضال ضد الامبريالية العالمية، ومن خلال ذلك استطاعت أن ترشد الشعوب على طريق التحرر والانعتاق من ظلم الاستعمار وقد ذكر قائد الثورة البلشفية (لينين) عن يقظة الشعوب المظلومة في كتابه الموسوم (حركة شعوب الشرق الوطنية التحررية) كما كتبت جريدة البرافدا بتاريخ 30/7/1920 نصوص عن ثورة/ 1920 الباسلة التي قام بها الشعب العراقي ضد الاستعمار البريطاني ودور النداءات التي وجهتها الحكومة السوفيتية إلى كادحي الشرق من أجل أن ينفضوا عنهم أنيار الحكم الأجنبي والاستغلال، كما أعلنت عن تحرير الشعوب التي كانت ترزح تحت الحكم الروسي القيصري ومنها شعوب آسيا الوسطى المسلمة عن كتاب (ثورة العشرين في العراق) لمؤلفه الكاتب الروسي (كونولوف). كما نشر بيان أصدرته (الأممية الشيوعية) دعى الجماهير الشعبية المستعبدة في بلاد فارس وأرمينيا وتركيا والعراق إلى النضال والتحرر وتضمن فصلاً خاصاً للشعب العراقي قائلاً : (يا فلاحي بلاد ما بين النهرين إن الانكليز قد أعلنوا عن استقلال بلادكم، إلا أنه يوجد ثمانون ألفاً من الجنود المحتلة على أرضكم يعملون فيكم قهراً وسلباً وقتلاً ويستبيحون أعراضكم) وقد كانت النداءات للحكومة السوفيتية وتدابيرها العملية في هذا الشأن تجرى ويتناقل على ألسنة قادة الثورة العراقية عام/ 1920 وقد كتب عنها قائد الثورة العظيم (لينين في كتابه الموسوم (حركة شعوب الشرق الوطنية التحررية فقال (إن الثورات الوطنية ضد الدول الامبريالية ليست ممكنة ومحتملة وحسب بل هي أمر محتوم تقدمي وثوري). كما قامت الحكومة السوفيتية بفضح كل مؤامرات المستعمرين المناقضة لعهودهم للشعوب، إذ أنها نشرت جميع ما كان لديها من وثائق ومستندات وزارة الخارجية الروسية القيصرية وكان من جملة هذه المستندات المعاهدات السرية التي عقدها المستعمرون فيما بينهم خلال الحرب لاقتسام مناطق النفوذ في الشرق ومنها البلاد العربية، وقد حاول المستعمرون عبثاً تكذيب ما نشره الاتحاد السوفيتي مدعين أن الشيوعيين إنما ينشرون أكاذيب لإثارة الخلاف بين الحلفاء، وكان الوقوف على مؤامرات المستعمرين التي دبروها وراء أكداس من العهود والتصريحات الكاذبة محفزاً كبيراً للانقضاض عليهم، لقد افتضح زيف شعار المستعمرين المعروف (جئنا محررين لا فاتحين) وهو النسخة القديمة لشعارهم اليوم الذي يروج دعاة الاستعمار العالمي، شعار حماية الشعوب من العدوان الشيوعي.
لقد تركت ثورة اكتوبر آثارها في الشعب العراقي رغم ظروف ذلك العهد وظروف الحصار الحربي التي عزلته عن العالم وبالرغم من ذلك انتقل التأثير بوجه خاص عن طريق إيران ومن بعدها تركيا حيث كانت تنقل عن طريقهم الكتب والأدبيات والبيانات التي تصدر عن الثورة وكانت تأتي إلى العراق بشكل سري وكان العراقيون يجتمعون في أحد البيوت سراً ومطالعتها وحينما ينتهون من قراءتها يغادرون البيت ويخفون المناشير والكتب تحت عباءاتهم لكي لا يراها أحد، وكان الشعب العراقي يستنير بهذه الكتب والمناشير والأدبيات التي تصدر عن ثورة اكتوبر ويستلهم منها الجهاد والنضال ويضحي للخلاص من النير الاستعماري العثماني القديم ولا يمكن أن يتساهل ويساوم في حمل النير الاستعماري الجديد المتمثل بالاستعمار البريطاني ولذلك إن العوامل وردود الفعل التي تقدم ذكرها كانت بواعث وتحفيز ودفع شديد نحو ثورة/ 1920 الباسلة ضد الغزاة الانكليز، ومن تأثير ذلك قبل ثورة/ 1920 انتفضت وصمدت مدينة النجف بوجه تقدم القوات البريطانية لاحتلالها عام/ 1918 وحذت حذوها مدينة الكوفة وأبو صخير كما كانت الانتفاضات في مدينة الحلة وكربلاء ومدينة طويريج وبعد ذلك في مدينة السليمانية والعمادية وغيرها في كردستان العراق وأخذت مطالبة بريطانيا بتحقيق وعودها التي قطعتها للعرب والشعوب المستعمرة والمضطهدة التي احتلتها في الحرب العالمية الأولى عام/ 1914 – 1918 وأخذت الحركات النضالية كالمظاهرات والإضرابات تتزايد في حين كان الانكليز المستعمرين يتهربون بالخديعة حيناً وبالصمت وبالحديد والنار أحياناً أخرى.