كل شيء في العراق بحاجة الى اصلاح وتغيير ,ولكن من يفعل ذلك ؟


عادل عبد الزهرة شبيب
2020 / 10 / 14 - 10:59     

تشير اوضاع العراق المختلفة منذ التغيير في نيسان 2003 والى اليوم الى الفشل في تحقيق ما تطلع اليه العراقيون بعد سقوط النظام الدكتاتوري من اقامة البديل المدني الديمقراطي الحقيقي , حيث تردت اوضاع البلاد المختلفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والصحية والخدمية , واستمرار تعمق الأزمة العامة وتعدد تجلياتها. والأزمة التي يعيشها العراق منذ 2003 هي ازمة بنيوية لها ارتباطات بطريقة التغيير التي تمت عبر الحرب والاحتلال وبتركة النظام المباد الثقيلة وبطبيعة نظام الحكم الجديد ومنهجه الذي يعتمد المحاصصة الطائفية – الاثنية وتوظيف الدين لخدمة مطامح سياسية ومصالح اقتصادية ضيقتين. وقد تعمقت هذه الأزمة بجوانبها المتعددة واستمرار النزاعات واحتدام الصراع على خيارات المستقبل وشكل الدولة وماهيتها وعلى طبيعة النظام السياسي والاقتصادي – الاجتماعي الجديد.
ان السبب الرئيسي لأزمة النظام والحكومة يعود الى تكريس مفهوم دولة المكونات والتشبث بمنهج المحاصصة الطائفية – الاثنية , وهو اس البلاء والذي رفضته جماهير الشعب , وقد عجزت القوى المتنفذة عن اجراء الاصلاحات المطلوبة لتشبثها بالمنهج الطائفي والمحاصصي , لذلك اصبح التغيير والاصلاح ضرورة ملحة ولفتح آفاق مصالحة وطنية ومجتمعية حقة ولمواجهة التحديات التي تواجه البلاد وحفظ وحدة العراق وتجنيبه مخاطر التقسيم والاحتراب الداخلي. غير ان التغيير الذي تقصده القوى المتنفذة يهدف الى ادامة سلطتها وتأمين مصالحها عبر تغييرات شكلية وجزئية . ومنذ 2003 اثبتت القوى الطائفية السياسية فشلها في ادارة الدولة والاقدام على الاصلاحات الحقيقية على صعيد بناء الدولة ومؤسساتها وادارتها وتأمين مستلزمات مواجهة التحديات السياسية والأمنية والاجتماعية – الاقتصادية والمحاربة الجادة للفساد المالي والاداري المتفشي في معظم مفاصل الدولة المدنية والعسكرية . لذا فإن التغيير يتمثل اساسا في الخلاص من نهج المحاصصة وحاضنته دولة المكونات والانتقال الى دولة المواطنة , الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية , واجراء الاصلاحات العميقة الشاملة التي تشكل مدخلا لإحداث التغييرات المطلوبة في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في البلاد .
فالإصلاح هو نقيض الافساد وهو الاتيان بالخير والصواب ويقال اصلح الشيء بعد فساده: أي اقامه.
هناك الاصلاح السياسي والاصلاح الاقتصادي والاصلاح الاجتماعي ...الخ . فالأزمات العديدة التي يعاني منها العراق تؤكد على حاجته اليوم الى اجراء اصلاحات كبرى في مختلف المجالات لإعمار البلد وتحسين حياة ابنائه. غير ان نجاح الاصلاح يعتمد على النظام السياسي والذي يشكل حاليا العقبة الكبرى امام انجاحه بسبب ضعف الحكومة وتأثير قادة الكتل السياسية على عملها وعلى اداء مجلس النواب.
فهل تحتاج اوضاع العراق الى اصلاح وتغيير ؟
ان اول الأبواب التي تحتاج الى اصلاح وتغيير هو الدستور العراقي الذي تم اقراره عام 2005 وضرورة تعديله وتبني دستور جديد , حيث مهدت نقاط الخلل والغموض لاستفحال مظاهر الفساد الاداري والمالي في ظل المحاصصة التوافقية التي تعتبر سرطان الديمقراطية العراقية . غير ان تعديل الدستور صعب جدا لأنه توافقي ايضا , لذلك ينبغي التفكير في اعداد دستور جديد لإرساء نظام ديمقراطي سليم بعيد عن المحاصصة يتم التأكيد فيه وتضمينه السيادة الوطنية واستكمال النظام البرلماني الاتحادي بتأسيس مجلس الاتحاد الذي يتألف عادة من ممثلين اثنين منتخبين عن كل محافظة واعادة تنظيم علاقة المركز بالإقليم وبالمحافظات وتعديل المواد المتعلقة بذلك وخاصة فيما يتعلق بإدارة النفط والغاز والاختصاصات المشتركة على ان تكون الأولوية لقوانين الحكومة الاتحادية عند الاختلاف بينهما , واعادة النظر بالمواد المتعلقة بصلاحيات المحافظات لإخضاع المحافظ ومجلس المحافظة لإشراف الحكومة الاتحادية مع تفعيل النظام البرلماني باتجاه تقوية موقع رئيس الحكومة اضافة الى تحديد الدور الرمزي لرئيس الجمهورية والغاء الفقرة ثانيا من المادة ( 69) من الدستور حول نواب رئيس الجمهورية وحذف أي ذكر لهذا المنصب في مواد الدستور والتي نصت على :(( تنظم بقانون أحكام اختيار نائب او اكثر لرئيس الجمهورية )).
كذلك تعديل المادة 76 من الدستور لتحديد الكتلة النيابية الأكثر عددا ( قبل الانتخابات ) لرفع الغموض. وتعديل المادة 64 أولا للنص على قدرة رئيس الوزراء على حل مجلس النواب. كذلك تشكيل المفوضية( المستقلة !) للانتخابات على اسس مهنية بحته واستبعاد أي ممارسة للمحاصصة في تشكيلها وعدم التدخل في شؤونها من قبل الكتل السياسية , مع تعديل النظام الانتخابي بهدف تمثيل افضل للناخبين وبساطة احتساب المقاعد. اضافة الى ذلك ضرورة تطبيق عقوبة الغرامات ( وبنسبة كبيرة) عن كل غياب غير مبرر للنواب والطرد بعد حد اقصى من الغيابات وتحديد الغيابات المرضية. كذلك الغاء المادة 59 من الدستور بإلغاء مبدأ النصاب الضروري لعقد جلسات مجلس النواب حيث يمارس النواب ( لعبة النصاب ) للتأثير على عقد الجلسة مفضلين الجلوس في كافيتريا المجلس بدلا من قاعة الاجتماع , فالنظم الديمقراطية تفترض حضور النواب الجلسات علما بأن أي غياب ينبغي ان يخضع لتغريم النائب مبلغا كبيرا .
ومن الامور الاخرى التي تحتاج الى اصلاح وتغيير هي الجانب السياسي حيث هناك تراجع سياسي كبير لا يمكن التغاضي عنه , واستمرار هذا التراجع قد يؤدي الى فشل العملية السياسية. فتجربة القوى المتنفذة (الطائفية ) منذ 2003 والى اليوم اثبتت فشلها في ادارة الحكم ومعالجة الأوضاع السلبية للبلاد ( والتي تعمقت بفضلها) ووضع خطة اصلاحية مبنية على القطيعة مع السياسات التقليدية التي فرضت استمرارية الاخفاق وضعف البنى السياسية اللازمة للبناء الديمقراطي , فلا زالت النخب السياسية منذ 2003 تتبنى المحاصصة الطائفية والسياسية مما شكل انتكاسة في اسلوب ممارسة الحكم..
اما بالنسبة لمعوقات الاصلاح السياسي فتتمثل بـ :
• تحدي المسألة السياسية المرتبط بغياب او هشاشة ثقافة سياسية واجتماعية مكرسة لقيم العمل السياسي الايجابي ولمبادئ المواطنة والمسؤولية والسلوك الانتخابي الواعي.
• تحدي المسألة السياسية المرتبطة بالانتخابات حيث فرض سوء الاداء والانجاز للسلطة التشريعية من حيث اختيار مفوضية الانتخابات ( غير المستقلة ) وقانون الانتخابات ( غير العادل) والشكوك التي دارت حول نزاهة عملية الانتخابات الى حالة من الجزع والتململ من قبل المواطن العراقي مما شكل تحديا احاط بمستوى المشاركة الانتخابية للمواطن بشكل متدني في ظل التكالب من قبل السياسيين على السلطة وشيوع المال السياسي وعدم الاكتراث بهموم المواطنين.
• ضعف الأداء الانجازي للعمل الحكومي انعكس على مستوى الخدمات وضعف المؤسسات وتفشي الفساد .
• استفحال ظاهرة التكالب على السلطة وتزايد ظاهرة تأسيس الأحزاب والتحالفات المؤقتة والموسمية التي تظهر وقت الانتخابات وتختفي بعدها .
• عدم تبني واستقطاب المرجعيات السياسية للنخب الوطنية الكفؤة التي يراهن عليها للوصول الى مواقع السلطة مما اوصل رسائل سلبية للناخبين بعدم الجدوى من المشاركة في الانتخابات لانعدام التغيير واعادة انتاج ذات الوجوه المستهلكة والتي عليها علامات استفهام ومؤشرات فساد وضعف اداء حيث لم تعطى فرصة للكفاءات والتكنوقراط دورا فاعلا ومؤثرا في الحقل السياسي .
الا يتطلب الوضع السياسي في البلاد اصلاحا وتغييرا من اجل الاعتراف بمكانة المواطن واهميته من قبل السلطة السياسية ووضع مصالح المواطنين في المقدمة ؟
لقد عمل السياسيون في العراق بعد 2003 على نشر اجواء التنازع والتعصب ثم تغلغل التطرف والارهاب وما يعنيه ذلك من تهديد لوحدة البلاد وكان لهم دورا في اضعاف اكبر للحكومة ولمؤسسات الدولة اضافة الى تقوية الفساد بفعل تواطؤ الكتل السياسية على حماية ممثليها الفاسدين وكذلك انتاج طبقة سياسية ( طفيلية) من مختلف قوى المحاصصة بفعل استمرار تشارك الكتل الكبرى في امتيازات السلطة . وقد ساهم افراد هذه الطبقة في ضرب النظام الديمقراطي في اهم مفاصله , الفصل بين السلطات والتناوب على الحكم اضافة الى تخريب فكرة الانتخابات بسبب رفضهم لنتائجها وتشكيكهم بنزاهتها , اضافة الى الفوضى النيابية بفعل الامتيازات المادية والتغيب والانسحاب لضرب النصاب والتدخل في عمل الحكومة كالتوسط للمواطنين مما تسبب بفتح احد اهم ابواب الفساد. وبهذا الصدد فقد صنفت صحيفة ( ديلي ميل ) البريطانية مجلس النواب العراقي كـ (( افسد مؤسسة في التاريخ )) بسبب كثرة الأموال والامتيازات التي يحصل عليها عضو المجلس من دون تقديمه أي قانون يهم البلد .
اما بالنسبة للاقتصاد العراقي, الا يحتاج الاصلاح والتغيير ؟
لقد ورث العراق اقتصادا ريعيا متخلفا وساهم الاحتلال الأمريكي في عام 2003 والحكومات المتعاقبة من بعده والى اليوم في تعميق الأزمات الاقتصادية للبلاد وتكريس التخلف والريعية فأصبح الاقتصاد العراقي اقتصادا ريعيا استهلاكيا استيراديا وغير منتج بامتياز . وساهمت الحكومات المتعاقبة منذ 2003 بإغراق العراق بمديونية كبيرة جدا, وبفضل صندوق النقد والبنك الدوليين الذين خضع العراق لهما تحول دور الدولة من قيادة المهمات التنموية والتخلص من التبعية الى التركيز على دفع اقساط الديون وفوائدها الكبيرة والخضوع لشروط صندوق النقد الدولي ووصفاته الجاهزة . فقد انطلقت اصلاحات الصندوق من اعتبارات مالية في الوقت الذي تحتاج فيه الدول النامية ومنها العراق الى اصلاحات تنموية لتطوير الهياكل الانتاجية والحد من روابط الاعتماد الاقتصادي والتقني على الخارج, وان مثل هذا المنطلق يستلزم دورا فاعلا للدولة في ادارة وتنظيم الاقتصاد وتوزيع مهمات التنمية ما بين القطاع العام والقطاع الخاص في اطار الالتزام بمعايير الكفاءة الاقتصادية والاجتماعية .
لقد اصبح الفساد بمظاهره المتنوعة يشكل ظاهرة مستشريه على صعيدي الدولة والمجتمع وتهديدا خطيرا للبلاد ولاستقرارها السياسي والاجتماعي . ومن ابرز واخطر تجليات هذا الفساد هو تنامي التحالف غير الشرعي بين السلطة والمال , كما يشكل سوء استخدام الأموال وسوء التخطيط للمشاريع واحدا من اشكاله الصارخة . وارتباطا بالتوجهات والسياسات الاقتصادية التي اعتمدت من قبل سلطة الاحتلال بعد 2003 وسارت على نهجها الحكومات المتعاقبة فيما بعد , تشهد بنية المجتمع العراقي الاقتصادية – الاجتماعية فرزا اجتماعيا وطبقيا متواترا , وتنامي فئات وشرائح طفيلية وبيروقراطية وكومبرادورية معرقلة لأي اصلاح جدي في البناء السياسي والمؤسسي للدولة كونه يهدد مصالحها وامتيازاتها . وبعد التغيير في 2003 اطلقت سلطة الاحتلال الأمريكي ( اقتصاد السوق ) وعملت على ازالة جميع القيود على التجارة الخارجية وفتح الأسواق العراقية امام تدفق السلع الأجنبية دون عوائق , وسعت الى تصفية القطاع العام وشركاته العامة الصناعية ومحاولة خصخصتها وعدم تأهيلها والابقاء على قدراتها الانتاجية معطلة , ما ادى الى الانحسار المتواصل للأنشطة الانتاجية الصناعية وشملت الوجهة ذاتها القطاع الزراعي الذي رفعت عن منتجاته الاجراءات الحمائية مما سمح للمنتجات المستوردة بغزو السوق العراقية على حساب المنتجات العراقية واصبح العراق يستورد سلة غذائه من الدول المجاورة.
ادت السياسة المتبعة بعد 2003 الى تعميق البنية الريعية والخدمية للاقتصاد العراقي( وتهميش الصناعة والزراعة والسياحة والتعدين وغيرها ) مع تنامي النشاطات الطفيلية غير المنتجة , وادت هذه السياسة الى تنامي الفجوة بين الأغنياء والفقراء وارتفاع اعداد ونسبة من هم تحت خط الفقر ويسكنون العشوائيات والمهجرين والنازحين وضعيفي الدخل والتدهور المريع في التعليم والصحة والخدمات العامة وفي البنى التحتية وارتفاع معدلات البطالة و( التمييز في التعيينات حيث الاولوية لأقارب المسؤولين), وغيرها من الظواهر التي فاقمت من معاناة فئات واسعة من شعبنا .
ان هذه السياسة ادت الى فشل منظومة ادارة وحكم قوى الطائفية السياسية ودفعها للعملية السياسية باتجاه اعتماد نظام محاصصة طائفية واثنية مقيته اسفر عن تقاسم الدولة وتشظي مؤسساتها ومن ثم فشلها وتعرض مؤسساتها للنخر جراء استشراء الفساد . وان البديل القادر على استنهاض البلاد ووضعها على الطريق السليم المفضي الى حل ازماتها وتحقيق الاصلاحات الجذرية التي تنهض بواقع البلاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي يكمن في التوجه او توفير شروط ومستلزمات اقامة الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية القائمة على اساس المواطنة والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وامام القانون ومن دون تمييز, مع الفصل بين السلطات الثلاث على نحو بين .
اذن كل اوضاع العراق السياسية والاقتصادية والاجتماعية واوضاع التعليم والصحة والخدمات العامة ومنظومة الفساد بحاجة الى اصلاح جذري وتغيير ولا يتم ذلك الا بالتخلص من نظام المحاصصة البغيض ونهج الطائفية وبناء البديل المدني الديمقراطي.
فمعا من اجل الاصلاح والتغيير واقامة الدولة المدنية الديمقراطية , دولة المواطنة والقانون .