بين بيلاروسيا وتركيا / استمرار سياسة الكيل بمكيالين الأوربية


رشيد غويلب
2020 / 10 / 12 - 23:13     

اكدت الاحداث الأخيرة في بيلاروسيا الطبيعة الاستبدادية المعادية للديمقراطية وحقوق الانسان لنظام الرئيس ألكسندر لوكاشينكو. وليس هناك متابع موضوعي يهتم بقيم الديمقراطية وحقوق الانسان لا يطلق التوصيف نفسه على نظام حزب العدالة والتنمية الإسلامي بزعامة رجب طيب اردوغان في تركيا. وبلا تردد يمكن ان نضيف كذلك عنصرية الحكومة التركية ضد الكرد والقوميات الأخرى في البلاد، وكذلك عسكرة السياسة الخارجية والحروب التوسعية التي ينفذها اردوغان في آسيا وافريقيا، لتحقيق حلم استعادة الهيمنة العثمانية بثوب جديد.
والاتحاد الأوربي يهتم بما يجري في البلدين وما حولهما، لكون الأول جزءا من القارة العجوز، وواحدة من البوابات للتضيق على روسيا المنافسة التاريخية لبلدان الإتحاد، والثاني عضو في الناتو، وشريك للاتحاد الأوربي في السياسة العدوانية ضد اللاجئين من ضحايا الحروب والتجويع، فضلا عن تصدير الأسلحة الألمانية له. وفي الأيام الأخيرة عقدت قمة اوربية، وتبعها اجتماع استثنائي للمجلس الأوربي. وقد اكدت القمة والاجتماع طبيعة سياسة المراكز الرأسمالية في الكيل بمكيالين في التعامل مع الأنظمة ذات الطبيعة المتقاربة، إذا تعلق الأمر بمصالح الرأسمال الجيوسياسية.
اهتمت القمة الأوربية التي عقدت في 1 - 2 من الشهر الحالي بملف تسميم المعارض الروسي، وشدد المجتمعون على اتهام روسيا وتهديدها، والى جانب ذلك، أقرت القمة أيضًا عقوبات ضد بيلاروسيا تضمنت فرض حظر على دخول 40 شخصًية وتجميد أصولهم المالية. وردت مينسك على الفور بقائمة بأسماء الأشخاص الذين مُنعوا من دخول اراضيها. وفرضت على الجارتين في الاتحاد الأوروبي بولندا وليتوانيا سحب عشرات الموظفين من سفارتيهما في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، تم إلغاء جميع اعتمادات المراسلين الأجانب.
واكتفت القمة بالتهديد بفرض عقوبات على أنقرة بسب نزاع الغاز مع اليونان. وفي الوقت نفسه عرض الاتحاد الأوروبي على تركيا إمكانية توسيع الإتحادالكمركي، وتسهيل التجارة والمزيد من المليارات لرعاية اللاجئين من دول مثل سوريا، ما يعني ضمنا الصمت على احتلال تركيا لأجزاء من سوريا.
اما الاجتماع الاستثنائي للمجلس الأوربي الذي عقد مباشرة بعد انتهاء القمة فقد ناقش السياسة الخارجية والقضايا الجيواستراتيجية، بما في ذلك العلاقة مع تركيا التي اخذت حيزا واسعا في المناقشات.
وفي الفترة التي سبقت انعقاد المجلس قال المسؤول عن العلاقات الخارجية للمجلس جوزيببوريل إن علاقات الاتحاد الأوروبي مع تركيا سيتم إعادة تحديد طبيعتها.
ودعا المجلس إلى “إنهاء العنف والقمع” و “إطلاق سراح جميع المعتقلين والسجناء السياسيين” و “احترام حرية الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني” و “إطلاق حوار وطني شامل”. ولم يتردد المجلس من التهديد بفرض مزيد من “القيود”. لكن هذه الدعوة وجهت الى بيلاروسيا، واستثنت الشريك التركي.
وقبل هذه الدعوة تضمن بيان المجلس الأوربي عدة فقرات عن تركيا، ولكنها خلت من الدعوة إلى إنهاء العنف والقمع، أو إطلاق سراح السجناء السياسيين أو الحوار الوطني الشامل، على الرغم أن ما يصح على بيلاروسيا يصح وأكثر على تركيا.
وفي الأيام القليلة التي سبقت عقد اجتماع المجلس، شن اردوغان حملة قمع جديدة، كانت الاوسع في السنوات الأخيرة، ضد قوى اليسار وممثلي حزب الشعوب الديمقراطي. وفي أيام انعقاد المجلس صب أردوغان الزيت على نار الصراع على ناغورنوكاراباخ الذي اندلع للتو. وشجع الرئيس التركي أذربيجان على حل النزاع عسكريا. ويشير متابعون يساريون في أوربا، أن خلاصة قرارات المجلس الأوروبي: عقوبات على بيلاروسيا، وتعزيز الصداقة مع أردوغان.
ومرة أخرى تنكشف الطبيعة المنافقة لسياسات المتنفذين في الاتحاد الأوربي، وما تعنيه حقوق الإنسان وحرية الصحافة والمجتمع المدني في الاتحاد الأوروبي، وكيف يتم تحديد القيم عندما، ترتبط بالمصالح الاقتصادية والجيوسياسية. وهذا يجعل سياسة عقوبات الاتحاد الأوروبي فاقدة للمصداقية.
وقد عبر البيان بشكل صريح: “للاتحاد الأوروبي مصلحة إستراتيجية في بيئة مستقرة وآمنة في شرق البحر الأبيض المتوسط وفي تطوير علاقة تعاون ومنفعة متبادلة مع تركيا”. وجاء البيان منسجما مع الرسالة التي وجهها اردوغان لأصدقائه الأوربيين قبل انعقاد القمة.