هذا ماركسي منحرف وذاك غير ماركسي


طارق المهدوي
2020 / 10 / 12 - 14:37     

تتبنى الماركسية مجموعتين من المعادلات الثابتة التي تختلف نتائجها باختلاف متغيرات طرفيها، وفي حين يغلب الطابع الفلسفي – الفيزيائي على إحدى المجموعتين وهي تلك المعروفة لدى الماركسيين باسم المادية الجدلية فإن الطابع الاقتصادي - الاجتماعي يغلب على المجموعة الأخرى المعروفة لدى الماركسيين باسم المادية التاريخية، ومع ذلك فإن الماركسية تشكل مرجعية عامة في المجالات السياسية المباشرة التي تتغير معادلاتها باختلاف الظروف الذاتية والموضوعية من مكان لآخر ومن زمان لآخر، وبالتالي فإن كل من يتبنى المعادلات الماركسية الثابتة في تفكيره وتعبيره وسلوكه هو ماركسي مع اعتباره سياسياً ماركسياً منحرفاً إذا تبنى أي اتجاه سياسي يتعارض مع المرجعية الماركسية، وأمامنا نموذجين بارزين لهذا السياسي الماركسي المنحرف هما الماركسي الاستبدادي أو المؤيد للاستبداد والماركسي التابع أو المؤيد للتبعية، فالماركسية القائمة على حقيقة أن الصراع بين الأضداد هو محرك كل التراكمات الكمية وبالتالي التغييرات الكيفية لا يمكن أن تبارك استبداد أحد الأضداد بأضداده، والماركسية التي تنتقد دولة البورجوازية تنتقد في الوقت ذاته تغول تلك الدولة على أوطان الشعوب الأخرى احتراماً منها لواقع هذه الشعوب في ارتباطها التاريخي والجغرافي بأوطانها لكون الماركسية تبدأ من هذا الواقع وتنتهي إليه، فالرفيق كارل ماركس الذي أدان التوسع الاستعماري الفرنسي ضد المانيا سنة 1870 هو نفسه الذي أيد المقاومة الوطنية الفرنسية ضد التوسع الاستعماري الألماني سنة 1871، والرفيق فلاديمير إيلتش لينين خاطب الأممية الثامنة سنة 1910 بقوله "إنه في النضال الطبقي للطبقة العاملة يمثل الوطن – أي الوسط السياسي والثقافي والاجتماعي – عاملاً بالغ الأهمية، والطبقة العاملة لا يمكن أن تكون غير مبالية بالشروط السياسية والاجتماعية والثقافية لنضالها وبالتالي لا يمكن أن تكون غير مبالية بمصائر أوطانها ولكن إذا كان هذا المصير يهمها ويعينها فإن هذا يكون فقط بمقدار ما يؤثر على نضالها الطبقي وليس بدافع الوطنية البرجوازية"، وعليه فإن الماركسية لا يمكن أن تبارك تبعية أي طرف محلي لأي مركز إقليمي أو عالمي على حساب وطنه حتى لو كان هذا المركز يتبنى الماركسية ذاتها، فإذا كان هذا السياسي المنحرف سواء على الصعيد الديمقراطي بدعمه للاستبداد أو على الصعيد الوطني بدعمه للتبعية يظل ماركسياً، فإن أمامنا نموذجين آخرين يظنان أنهما ماركسيين وما هما كذلك حسب الماركسية ألا وهما الاستغلالي والمتدين، فالاستغلال سمة مميزة في البنية الاقتصادية الاجتماعية الرأسمالية التي يسعى الماركسي لتغييرها فكيف يمارسه والدين بنية ثقافية فوقية أنتجتها البنية الاقتصادية الاجتماعية التحتية التي يسعى الماركسي لتغييرها فكيف يؤمن بتجلياتها، هذان النموذجان غير ماركسيان حتى لو ادعيا أنهما كذلك!!.