كي لا تنطفأ الشمعة 1/2


محمد الخباشي
2006 / 7 / 8 - 11:19     

يعتزم حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، عقد مجلسه الوطني للحسم في مسألة المشاركة في الانتخابات من عدمها. وقبل دلك فتح نقاش على مستوى بعض الأقاليم تمهيدا للحسم في اجتماع الهيئة التقريرية. وأؤكد في البداية أنني لا أعارض مبدئيا فتح مثل هدا النقاش ولا حتى مسالة المشاركة في الانتخابات، ادا توفرت شروط المشاركة. فقد ساد اعتقاد خاطئ يفيد ان الحزب قاطع الانتخابات لانه يرفض الانتخابات كمبدإ. وساد سوء فهم حتى بين المناضلين للبرنامج المرحلي للحزب. تجلى دلك في اعتقاد البعض ان الحزب وضع البرنامج المرحلي كشروط للمشاركة في الانتخابات. بينما الواقع ان البرنامج المرحلي الدي سماه الحزب بالبديل التحرري والديمقراطي يجسد تصور الحزب للتحرر والديمقراطية في هده البلاد.
والحقيقة ان الانتخابات تكتيك وليست خطا سياسيا، يمكن ان نشارك اونقاطع حسب الشروط السياسية والدستورية والقانونية... فلا عيب ادن ان يتم تقييم المسيرة الحزبية بشكل شامل وليس الاقتصار على المشاركة في الانتخابات من عدمها. وفي الوقت ذاته لا ضير أن ابدي رأيا مخالفا في الموضوع رغم أنني لست معنيا به بشكل مباشر.
اعتبر وبشكل صريح أن هدا النقاش هو نقاش غبي وساذج إلى حد كبير. وهو نابع من عقلية غير قادرة على تجاوز المدى القصير. فعوض الوقوف بكل جرأة على مكامن الخلل في مسيرة الحزب، والدفع في اتجاه تطوير الأداء السياسي والتجدر وسط الجماهير وعلى رأسها الطبقة العاملة، أريد لهدا النقاش أن يظل حبيس المشاركة والمقاطعة إلى ما لا نهاية. وبعد كل قرار بالمقاطعة ينصرف الكل إلى عطلة سياسية في انتظار انتخابات أخرى.. وقد سبق أن قلت أن هده نظرة غير قادرة على استشراف آفاق التغيير الاجتماعي من منظور اشتراكي علمي. ويعتبر دلك تقزيم لمعركة التغيير التي تم تحويلها قسرا إلى معركة الانتخابات والصراع من داخل المؤسسات التي يتم انتخابها على أساس قوانيين غير سليمة، ولا تتمتع بصلاحيات التقرير والتنفيذ كي تكون قادرة على تحويلها إلى قنوات للصراع الاجتماعي من اجل البناء الديمقراطي والاشتراكي.
كان من المفروض مباشرة بعد المؤتمر الرابع ان يفتح النقاش في القضايا التوجيهية والسياسية التي لازالت تحتاج الى الخلخلة وحسم الاختلافات حولها ان وجد. وكان من المفروض ايضا ان يتم تقوية الاداة التنظيمية بتقرية الديمقراطية الداخلية وتسييد الظوابط التنظيمية التي تم التنصيص عليها في المقرر التنظيمي للمؤتمر الرابع.
ولكي لا أعيد ما سبق أن أغضبت به الرفاق و الأصدقاء فإن لي الحق الكامل في التفاؤل كغيري بإمكانية بروز متنفس للحزب للخروج من القوقعة التي نسجها لنفسه. وفي الوقت ذاته أؤكد أن موقف مقاطعة الانتخابات انبنى على أسس سليمة وهو موقف صحيح 100%. وتقييم موقف المقاطعة ونتائجه لم يكن سليما، بل تحكمت فيه عقلية تجريبية قصيرة النظر. وللأسف هناك سوء فهم للبرنامج المرحلي للحزب ولنترك المقاطعة جانبا وهذا النقاش إلى حين. ولننظر إلى ما سيفضي هذا النقاش، والى أي حد سيخرج قرار المجلس الوطني، الحزب من وضعه الحالي. واكرر مرة اخرى ان هده النظرة سطحية الى حد لا يطاق.
اعتبرت في البداية أن هذا النقاش ساذج وغبي لأنه أشبه بمن يصارع الطواحين الهوائية وأستطيع أن أكرر ذلك آلاف المرات مهما غضب مني الأصدقاء والرفاق.
الاعتبار الأول والأساسي هو الأسس القانونية التي ستؤطر العملية الانتخابية القادمة.وهو القانون الانتخابي أو قانون الأحزاب. هل تساءل أحد عن خلفيات هذا القانون، ولماذا اشترط إجراءات اعتبرها البعض مجحفة وباعثة على الحنين إلى أيام سادت فيها العقلية البلانكية في الحزب؟
في بداية التسعينات، اشتدت الأزمة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي واشتد الضغط على الطبقة الحاكمة في موضوع حقوق الإنسان بعد انفضاح مأساة السجون السرية. وشهدت البلاد حركات احتجاجية عارمة توجب بالإضراب العام ليوم 14 دجنبر. في تلك الأوضاع اضطرت الطبقة الحاكمة إلى تأجيل الانتخابات وتمديد عمر البرلمان لسنتين إضافيتين. في ذلك الوقت كانت الطبقة الحاكمة أحوج إلى لف جميع القوى السياسية حول العملية الانتخابية وجرت اتصالات واسعة ومشاورات انتهت إلى مقاطعة الحزب للانتخابات، وقبلها الدستور، واعترف الجميع بتزوير واسع للانتخابات. واضطرت الطبقة الحاكمة مرة أخرى إلى إجراء تعديلات دستورية وإجراء انتخابات قاطعها الحزب مرة أخرى، وانتهت إلى ما عرف بالتناوب... وشكل ذلك توريط لجزء كبير من المعارضة على موقع تسيير الأزمة، استفادت منها الطبقة الحاكمة لتلميع وجهها على المستوى الخارجي، وتنفست الصعداء بعدما ورطت تلك الأحزاب في حكومة بدون حكم. نتيجة ذلك، أصبح البعض غير قادر عن الاستغناء عن المشاركة في الحكومة مهما كانت ومهما تشكلت ومهما كانت أطرافها. وكانت نتيجتها أيضا، قتل و تشليك الحركة الجماهيرية والنقابية بصفة خاصة. والنتيجة النهائية لكل ذلك، أن الطبقة الحاكمة لم تعد في حاجة إلى ذلك الكم من الأحزاب كي تكثر جوقة المشاركة الانتخابية. ومن ثمة جاءت المصفاة التي سميت قانون الأحزاب.
الاعتبار الثاني أن توفير الشروط المنصوص عليها باستجداء التوقيعات وبعد كل ما سيبذل من جهود من اجل توفير شروط المشاركة في الانتخابات سيمرغ وجه الحزب في الوحل. فهل تم اخذ هذا الاعتبار في الحسبان؟ لماذا سيمرغ وجه الحزب في الوحل؟
- أولا: الحزب اليوم، ليس هو حزب الطليعة بداية التسعينات، ولا حتى 96. وتراجع وزنه الجماهيري سيجعله غير قادر على خوض الحملة الانتخابية بالقوة المفروضة.
- ثانيا: قد يخوض الحزب معركة الانتخابات ولن يفوز بأي مقعد للاعتبار السالف الذكر ولإمكانية حدوث تزوير ما دامت لم تتوفر بعد ضمانات قانونية لنزاهة الانتخابات. واذكر من يحتاج إلى ذلك، بتجربة الحركة من أجل الديمقراطية. فهل يقدر المهرولون نحو المشاركة تداعيات مثل هذه الكارثة على الحزب، بما في ذلك على المستوى الداخلي؟
هذه تخوفات نابعة من عاطفة الانتماء التي لم استطع التخلص منها. ولذلك لي الحق في أن اسأل المهرولين إلى المشاركة في الانتخابات. لنقل أن موقف المقاطعة سيج الحزب وأوصله إلى الأفق المسدود. فهل يكمن الحل في المشاركة في الانتخابات؟ أكرر مرة أخرى ودون ملل أن هذه العقلية مصابة بالتكلس ووصفها سيكون أكثر وضوحا باللغة الفرنسية La sclérose de l’esprit. وهاهي الدنيا كلها تسمع وتنتظر، فقولوا لنا ما هي الحسابات التي نجهلها، والتي يمكن أن يستفيد من ورائها الحزب؟ كل ما سمعته من آراء، هي مجرد افتراضات، والافتراضات تحتمل الصحة والخطأ، من قبيل أن الموقف السياسي هو ما يهم الطبقة الحاكمة، وبناء عليه ستخفف من قمعها للحزب. عن أي قمع يتحدث هؤلاء؟ ويقولون أيضا أن الإيرادات المادية ستفيد الحزب وستساهم في فك الحصار الإعلامي... متى توفرت الإمكانيات المادية للحزب حتى يصبح العوز معيقا له اليوم؟ هل كان حاله المالي أحسن من الآن في مرحلة إعادة البناء بعد 8 ماي 1983 على غاية 1990؟ أما مسألة التأثير من داخل المؤسسات فهي كذبة كبرى لا يصدقها حتى أصحابها أنفسهم..
تقييم مسيرة الحزب، حسب ما هو سائد من نقاش يفضي إلى مسألتين:
1-إذا كان البعض يدعي أن موقف المقاطعة، والبرنامج المرحلي للحزب أدى بنا إلى الأفق المسدود، فإنه من المفروض ألا نقلب الصفحة دون نقد ذاتي صريح. وليتحمل كل مسؤوليته ولنقل ذلك بشجاعة.
2-إذا كانت المشاركة ستفتح آفاقا جديدة، فإننا نتطلع بفارغ الصبر لنعرف ما هي هذه الآفاق، وليقتنع بها المناضلون أولا قبل المواطنين.
ولنسلم بخطأ موقف المقاطعة وضرورة تغيير البرنامج المرحلي للحزب. قولوا لنا ما هي الأهداف الحقيقية المتوخاة من المشاركة، بعيدا عن المبررات التي سئمنا سماعها. وليقولوا لنا أيضا ما هي تلك الطريقة التي سيشارك بها الحزب، المغايرة لمشاركة الأطراف الأخرى؟ وما هي النقط الأساسية للبرنامج الانتخابي؟ ما هي المقاييس التي سيضعها الحزب لانتقاء مرشحيه؟ ما هي الحدود الممكنة للنجاح في انتزاع بعض المقاعد؟ هل يعتقد الناس أن تمويل الحملات الانتخابية يقتصر على دعم الدولة؟ من أين سيأتي الحزب بالأموال وهو لا يتوفر عليها؟
وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة الساذجة أيضا، لا بد من الإجابة عن سؤال جوهري أكثر أهمية: كيف سيوفر الحزب الشروط المنصوص عليها في قانون الأحزاب؟.
الدعوة للمشاركة في الانتخابات قراءة خاطئة للوضع السياسي الراهن و نتيجة لتقييم، ان كان هناك تقييم، لمسيرة الحزب. والقراءة الخاطئة تؤدي حتما الى قرارات خاطئة. وهدا ما سينطبق على الحزب ان قرر المشاركة في الانتخابات. ولا اعير اهتماما لمداولات المجلس الوطني لاعتبارات سبق ان قليتها في المقالات السابقة. ومهما كان القرا، فانه لن يخرج الحزب من وضعه الحالي، لان الخلل يكمن في ناحية لا يجرؤ الحزب ان يخوض فيها الآن. وشخصيا متأكد ان قرار المشاركة في الانتخابات، ادا لم يتخده الحزب في هدة الفترة، فحتما سيتخده في انتخابات قادمة. للتوضيح اقول ان المسالة ارتبكت بمسيرة الحزب. وهدا القرار، بعد مرحلة المقاطعة، اصبح يربك المهرولين الى الانتخابات، وبالتالي بدأ التهييء له مند ما يزيد عن 10 سنوات. ادكر الجميع ان هدا النقاش لم يطرح بشكل واسع في الانتخابات السابقة، الا في الكواليس، لا في التنظيمات الحزبية، باستثناء ما قيل في اجتماع المجلس الوطني في دورة استثنائية، حيث اتضح ان ما كان يدور في الكواليس وفي المقاهي و..... لم يكن له صدى في التنظيم الحزبي. سبب دلك، عدم قدرة المهرولين على طرح المسألة للنقاش. ومند دلك الحين ، بدأ التأسيس لهدا القرار بتنويم الحزب وتبديد التراكمات النضالية التي تم تحقيقها بعد النجاح في اعادة بناء الحزب. وتم القضاء على الإعلام الحزبي بالطريقة التي يعرفها الجميع........... الخلفية كانت واضحة، وهي اقناع المناضلين بان لا مخرج من هده الوضعية الا باعادة النظر في البرنامج المرحلي للحزب. وتم ربط دلك، تعسفا بمسألة المشاركة في الانتخابات. احيل من لا يعجبه هدا الكلام على مقررات ما سمي بالمؤتمر الخامس وعلى البيان العام الصادر عنه. واحيل الجميع على البيان الصادر عن الحزب في فاتح ماي. وأسأل الجميع ان كان يمت بصلة الى البيانات التي كان يصدرها الحزب في عز قوته الجماهيرية؟ وهل يلمس قارئه انه صادر عن حزب يسعى الى البناء الاشتراكي؟ وهل تم ذكر الاشتراكية حتى لفظا في تلك البيانات؟ فليغضب من يشاء من هدا الكلام ،وليقنعني من يستطيع ان المسألة التي ذكرتها والتي تمتد لما يزيد عن 10 سنوات، ليست تحويلا للحزب وتغييرا لإستراتيجيته، نحو حزب للمعارضة البرلمانية وكفى، خاصة ان جلسات البرلمان افتقدت مند مشاركة الاتحاد الاشتراكي في الحكومة، الى نقط نظام وزير المالية الحالي. ايام كان محسوبا على المعارضة.