إخوان الصفا(1/3)


غازي الصوراني
2020 / 10 / 5 - 11:04     

 
إخوان الصفا، هو "الاسم الجماعي الذي عرفت به فرقة فكرية ذات طابع سياسي ديني ومنزع إسماعيلي كان مركزها في البصرة في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي"([1]).
اخوان الصفا: " جماعة سرية ظهرت في البصرة في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي، وقاموا بتأليف إحدى وخمسون رسالة جمعوا فيها معلومات عصرهم في الرياضة والمنطق، والعلوم الطبيعية، وما وراء الطبيعة، والتصوف والسحر وعلم النجوم؛ يرى "إخوان الصفا" أن تحصيل المعرفة الإنسانية يتم بثلاث طرق هي:-   1. أعضاء الحواس 2. العقل  3.  الحدس .
كانوا من أنصار توحيد جميع الأديان والمذاهب الفلسفية على أساس من المعارف العلمية والفلسفية التي تُخلِّص الدين من الأوهام والخرافات، ومن أجل بلوغ الكمال يجب الجمع بين الفلسفة اليونانية والشريعة الإسلامية.
تأثر "إخوان الصفا" بأفكار الحركة الإسماعيلية، وارتبطوا بها إلى حد كبير، وقاموا بصياغة موسوعتهم الشهيرة بعنوان: "رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء"، فقد "كانت الإسماعيلية الراية الفكرية لعدد من الحركات المناهضة للسلطة العباسية. وهي ترتكز، كمذهب ديني، إلى التفريق بين "باطن" النص القرآني و"ظاهره": الظاهر موجه لـ"العامة"، لـ"الجمهور"، أما الباطن، وفيه حقيقة الكتاب المنزل، فلا يدركه إلا "أئمة" الإسماعيلية.وكان دعاة الإسماعيلية يعتبرون أنفسهم عوناً على نجاة الناس من الغرق، وشفاء أنفسهم من المرض، من الإيمان الأعمى بظاهر الشريعة"([2]).
"إخوان الصفا" كانوا "كالإسماعيلية، من المعارضين للحكم العباسي الذي أطلقوا عليه "دولة الشر" بقضاتها وفقهائها الذين باعوا أنفسهم للشيطان وكانوا، فيما يرويه عنهم التوحيدي، يرون أن "الشريعة قد دنست بالجهالات، واختلطت بالضلالات، ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة، لأنها حاوية للحكمة الاعتقادية والمصلحة الاجتهادية، ولهذا الهدف حرروا موسوعتهم، التي تضم 51 رسالة، موجهة للحلقة المتوسطة من أتباعهم، الذين ارتفعوا فوق مستوى التقليد الديني الأعمي، ويتطلعون لتحصيل المعرفة العليا، الباطنية"([3]).
اتخذ "إخوان الصفا" البصرة مقراً لهم، ولم يعلنوا عن أسمائهم خوفاً من اتهامهم بالزندقة والإلحاد، ومن أقوالهم كما يوردها مؤلفا كتاب " الفلسفة العربية الإسلامية " السابق ذكره أن : هذه الجماعة قد تآلفت بالعِشْرَة وتصافت بالصداقة واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة بينهم مذهباً رأوا أنهم قرَّبوا به الطريق إلى الفوز برضى الخالق وقاموا بإنشاء "هيئة علمية وأخلاقية " تتعاون على نشر الثقافة العالية من الآلهيات والرياضيات والطبيعيات".
كما "عملوا على أن " تتفوق العلاقة بينهم لتكون أقوى من علاقة الأب بابنه والأخ بأخيه، مزجوا الآيات القرآنية بمذهبهم ترغيباً للشباب في الإقبال على هذه التعاليم، لاقت تعاليمهم اهتماماً لدى المعتزلة الذين تداولوها سراً، ثم ترجمت رسائل إخوان الصفا إلى اللاتينية والألمانية وكان لها قيمة هامة في أوربا حسب ما يؤكد عدد من الكتاب والمفكرين.
"دَوَّنَ إخوان الصفا تعاليمهم في 51 رسالة، وفي الفلسفه، ساروا على منوال جابر بن حيان، إلى رفع مبدأ الميزان (الميزان العدل) إلى مصاف مبدأ مطلق للوجود. ونظريتهم في الوجود فيضية: فالعالم صادر عن الله، والله علة كل فيض؛ وقد فاض عنه بالتسلسل: العقل ثم النفس، ثم المادة الأولى، ثم عالم الطبيعة، ثم الأجسام، ثم الأفلاك، وأخيراً العناصر.
لم ينج إخوان الصفا من الاضطهاد، كما هو حال المعتزله، وقد أمر الخليفة المستنجد سنة 554 هـ/ 1150م بإحراق جميع نسخ رسائلهم (مع مؤلفات ابن سينا)"([4]).
 
المنطلقات الفكرية لـ "إخوان الصفا" :
"يتجه إخوان الصفا إلى البشر كافة بدعوتهم إلى الإصلاح الأخلاقي الحقيقي فيطلبون من الناحية الايجابية أن يتواصل الناس، ويتهادوا، ويتحابوا، ويتناصفوا ولا يعصي بعضهم بعضاً، ولا يتخاصموا ولا يتعادوا ولا يتقاطعوا، ولا يعادوا علماً من العلوم، أو يهجروا كتاباً من الكتب ولا يتعصبوا على مذهب من المذهب، لأن مذهب هؤلاء الإخوان يستغرق المذاهب كلها، ويجمع العلوم جميعاً وياخذ المعرفة من الكتب "الُمَنزلة وكتب الفلاسفة وكتب الطبيعة الخارجية وكتب الطبيعة النفسية الروحانية"([5]).
وعلى هذا الأساس، يرى إخوان الصفا أن "لا نجاة للناس إلا بالأخذ بمذهبهم والانضمام إلى جماعتهم، فالحَقُّ ما رأوا، ومثال هذا الحق اتحاد كلمة البشر – من حيث وحدة صورتهم الانسانية- فيكون مثالهم الأسمى هو "العالم الخبير الفاضل الذكي المستبصر،الفارسي النسبة، العربي الدين، الحنفي المذهب، العراقي الآداب، العبراني الَمَخْبَرْ، المسيحي المنهج، الشامي النسك، اليوناني العلوم، الهندي البصيرة، الصوفي السيرة، الملكي الأخلاق، الرباني الرأي، الإلهي المعارف، الصمداني".
في هذا السياق يصف إخوان الصفا جماعتهم بقولهم: "إنا نحن جماعة إخوان الصفا أصفياء واصدقاء كرام" نتطلع إلى إنقاذ المجتمع الإنساني على أساس تألف القلوب والعقول والأعمال انطلاقاً من وحدة الصورة الإنسانية، واتساق تعاليم الديانات والفلسفات كافة، مع الواقع الكوني الخارجي والداخلي النفساني، لينجو البشر على سفينة مثل سفينة نوح".
يتضح مما تقدم، طبيعة الصبغة الانسانية الثابتة التي يتصف بها مذهب إخوان الصفا، "وهذه الصفة المفتوحة، تباين، بل تناقض، أية دعوة مذهبية خاصة محدودة، وترفض أي نوع من انواع التعصب والآراء الضالة المؤذية"([6]).
كما تميز "الاخوان" بالنزعة الشمولية، بالانفتاح على كافة العلوم والمذاهب والأديان والأمم. فهم يدعون أصحابهم "أن لا يعادوا علماً من العلوم، أو يهجروا كتاباً من الكتب، ولا يتعصبوا على مذهب من المذاهب، لأن رأينا ومذهبنا يستغرق المذاهب كلها ويجمع العلوم كلها".
بالنسبة للتطور في الطبيعة، فقد نظر "إخوان الصفا" إلى الطبيعة وممالكها الثلاث من زاوية التطور والارتقاء، فالنباتات سبقت الحيوانات في الظهور، وهي لها كالهيولي للصورة. "والحيوانات الناقصة الخلقة متقدمة الوجود على التامة الخلقة بالزمان في بدء الخلق، وذلك أنها تتكون في زمان قصير، والتي هي تامة الخلقة تتكون في زمان طويل، وحيوان الماء وجوده قبل حيوان البر بزمان، لأن الماء قبل التراب، والبحر قبل البر في بدء الخلق، وفضل الإنسان على الأحياء كلها هو عقله، فقد نصب "الاخوان" العقل رئيساً على جماعتهم، وجعلوه الحكم الفصل بينهم،وعقلانيتهم نقدية منفتحة معاً. 
أما "العبادة" عندهم فهي نوعان: واحدة للعامة والجمهور، هي "العبادة الشرعية الناموسية"، وأخرى للخاصة، هي "العبادة الفلسفية الإلهية"، فالعامة يأخذون بأحكام الشريعة على ما يفيده الظاهر منها، ويتبعون قوانينها وطقوسها، أما الخاصة، "الراسخون في العلم" فيطلبون مدلولها الباطن، الحقيقي، ومن هنا يؤول "الاخوان" الجنة والنار تأويلا عقلانياً، بعيداً عن المدلول الحسي، وذلك بمعنى العلم والجهل، ويفسرون الجهل بأنه مثال لتطواف الإنسان في الأرض، وهكذا"([7]).
(اخوان الصفاء)؛ ظاهرة([8]) عصر، لا ظاهرة جماعة !تحت هذا العنوان، يطرح د. حسين مروة السؤال التالي : "كيف ظهر "اخوان الصفاء" لعصرهم ومجتمعهم، ومتى ظهروا؟. ومن هؤلاء الذين سماهم عصرهم ومجتمعهم، او سموا أنفسهم "أخوان الصفاء"، وكيف انتظمتهم "جماعة" واحدة بهذا الاسم وتحت هذا الشعار؟ ومن كتب تلك "الموسوعة" الشاملة المنسوبة إلى هذه "الجماعة" بالطريقة التي ظهرت بها "رسائل اخوان الصفاء" في عصر وفي مجتمع لم يعرفا  - من قبل- عملا "موسوعياً" على هذا النحو من الشمول والتنوع؟، ويجيب على هذا السؤال بقوله: "المصادر التاريخية لعصر "اخوان الصفاء"، أو للعصر القريب منه، لا تقدم للمؤرخ أجوبة واضحة عن شيء من هذه الأسئلة، كما ان واحداً([9]) من مؤرخي القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) "يقع في حيرة من أمر هذه "الجماعة" وأمر "الموسوعة" المسماة باسمها، فكيف بالمؤرخ المعاصر؟ أما القرن الرابع الهجري (العاشر) الذي يتبنى المؤرخون والباحثون المحدثون كونه عصر "اخوان الصفاء"، فليس لدينا منه سوى مصدر واحد نجده عند أبي حيان التوحيدي، وهذا المصدر يفيدنا أن "الجماعة" كانت في البصرة، ولها معرفة "بأصناف العلم وأنواع الصناعة"، وانها "تألفت بالعشرة، وتصافت بالصداقة، واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة. فوضعوا مذهباً.. وصنفوا خمسين رسالة في جميع أجزاء الفلسفة علمياً وعملياً، وأفردوا لها فهرساً وسموه رسائل اخوان الصفاء، وكتموا فيها اسماءهم وبثوها في الوراقين، ووهبوها للناس"([10]).
أما "في المقدمة التي وضعها "أحمد زكي باشا" لطبعة "الرسائل" في القاهرة (1347 ه / 1928م)، ينقل عن كتاب باسم "جلاء العينين في محاكمة الاحمدين" تأليف ابن الالوسي البغدادي، نقلاً عن "كشف الظنون" وعن "شرح عقيدة السفاريني" فيقول ان "رسائل اخوان الصفاء" هي أصل مذهب القرامطة، وان نسبتها إلى جعفر الصادق مقصود بها الترويج، وانها "صُنِّفَت بعد المئة الثالثة (الهجرية) في دولة بني بويه، أملاها أبو سليمان محمد بن نصر البستي المعروف بالمقدسي، وأبو الحسن على بن هارون الزنجاني، وأبو أحمد النهرجوري، والعوفي، وزيد بن رفاعة، كلهم حكماء اجتمعوا وصنفوا هذه الرسائل على طريق الفلسفة الخارجة على مسلك الشريعة المطهرة، ثم ينقل "احمد زكي باشا" عن فتاوى ابن حجر، نفيه نسبة "الرسائل" إلى جعفر الصادق، وقوله بأن مؤلفها مسلمة بن قاسم الاندلسي (395ه/ 1005م)، ومسلمة هذا –كما يقول د. حسين مروة- هو نفسه "المجريطي القرطبي" الذي يرى بعض الباحثين أنه مؤلف "رسائل إخوان الصفاط، وبعد هذا نقرأ لباحث اسماعيلي عربي معاصر رأيا آخر ينسب تأليف "الرسائل" إلى امام الاسماعيليين عبدالله بن محمد بن اسماعيل بن جعفر الصادق، فاذا علمنا –كما يقول د.مروة- "ان الامام عبدالله هذا مات سنة 299 ه / 911، كان ذلك يعني أن تاريخ "الرسائل" يرقى إلى النصف الثاني من القرن الثالث الهجري (التاسع)، في حين أن الرأي السائد، قديماً وحديثاً، انها ألفت في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري (العاشر)، فاذا أخذنا برأي هذا الباحث الاسماعيلي نكون قد أرجعنا ظهور "رسائل اخوان الصفاء" إلى قرن كامل تقريباً قبل زمنها التاريخي المعروف، وهذا أمر غير مقبول عند النظر إلى طبيعة الظاهرة التي تدل عليها هذه الرسائل، وحيال هذا الاضطراب في المسألة، يحكم منطق التحقيق التاريخي أن نرجع إلى المصدر الذي هو أقرب المصادر صلة بالعصر المتفق عليه لدى معظم الاراء المتضاربة في المسألة بأنه عصر "اخوان الصفاء" و"رسائلهم"، أي القرن الرابع الهجري (العاشر)، نعني بهذا المصدر الذي تتوفر فيه هذه الصفة، ابا حيان التوحيدي ونصه المثبت في كتابه " الامتاع والمؤانسة" كما أشرنا سابقاً"([11]).
بقي أن نرى العلاقة بين هذه الجماعة ورسائلهم، وبين الاسماعيلية.. فإن الدراسات الحديثة تكاد تتفق على وجود هذه العلاقة، حيث يرى "أحد الباحثين من الاسماعيلية المعاصرين –كما يقول د. حسين مروة- "أن "الرسائل" من وضع أمامهم عبدالله بن محمد، فاذا رجعنا إلى "الرسائل" نفسها، نبحث في مضموناتها، وجدنا علاقة واضحة بين المبادئ الفلسفية التي تأسس عليها جماعة "اخوان الصفاء" وأصول التنظيم المتبعة لدى الجماعة، وبين مبادئ الاسماعيلية وأصولهم التنظيمية" ([12]).
ولكننا –كما يضيف د.مروة- "نجد مجالاً للقول بأن هذه العلاقة لا تبلغ درجة التماثل الكامل بحيث لا يصح النظر إلى "الجماعة" كأنها تنظيم اسماعيلي صرفاً، فقد كان للاسماعيلية وجود سبق وجود "اخوان الصفاء" بزمن طويل، وكان لها تنظيم متقدم يعمل بنشاط ودقة ودأب منذ ذلك الزمن، ويمارس بذلك تأثيراته في مجالات الكفاح السياسي والايديولوجي على بعض الحركات الثورية التي ظهرت خلال القرنين الثالث والرابع الهجريين، كحركة القرامطة بالدرجة الأولى، فإذا كانت حركة "الباطنية" قد تمثلت، خلال القرنين المذكورين، في فرق أخرى غير الاسماعيلية، فإن المزايا التنظيمية التي كانت أبرز ما تميزت به الاسماعيلية، قد مكنتها ان تنفرد، دون سائر الفرق "الباطنية"، بحيوية الحركة والتأثير واستمرارية الصمود أكثر من جيلين. وقد كانت هذه المزايا عاملاً من عوامل نجاح الدعوة الفاطمية في الوصول إلى مركز الحكم، ولكن التفرق الداخلي الذي أصاب الحركة الاسماعيلية، أدى بها إلى التشتت بعد ذلك كحركة منظمة"([13]).
لكن على الرغم من العلاقة بين "إخوان الصفا" وبين "الإسماعيليه"، إلا أن د.حسين مروة يؤكد أن لديه "اقتناعاً بأنه كان لاخوان الصفاء وجود مستقل عن التنظيم الاسماعيلي، رغم ما نراه من نقاط الالتقاء الكثيرة بينهما، ولكن وجودها المستقل لا ينفي ان يكون لها نوع من الارتباط المبدئي أو المذهبي بأصول اسماعيلية، إذ أن الدلائل التاريخية كلها ترشدنا ان الوضع التنظيمي "لاخوان الصفاء" لا يتعدى نطاق "الخطة" التنظيمية المكتوبة في "الرسائل"، أي انه وضع نظري محضاً، رسموه لانفسهم بصورة مجردة كانعكاس للتجربة التنظيمية الاسماعيلية الناجحة.
اما النشاط العملي للاخوان فقد انحصر في العكوف على التأليف الموسوعي الذي يبدو انه استغرق وقتاً طويلاً استنفذ كل طاقاتهم، بحيث لم يتح لهم أن ينصرفوا إلى تحقيق "الخطة" المدونة في "الرسائل"، والا فلماذا لم تظهر آثار لنشاطهم يتحدث عنها المؤرخون في عصرهم أو العصور القريبة منه، لو أن هذا النشاط كان موجوداً بالفعل؟ لماذا لم يتحدث عنهم الشهرستاني، أو ابن خلدون مثلاً؟. ولعل النشاط الوحيد الذي نجد من يتحدث عنه في عصرهم، خارج نشاطهم التأليفي، هو ما يذكره أبو حيان التوحيدي في معرض حديثه عنهم، الذي سبقت الاشارة اليه، من انهم "صنفوا خمسين رسالة.. وكتموا فيها أسماءهم، وبثوها في الوراقين (النساخ)، ووهبوها للناس..".
فهم اذن كانوا يطمحون إلى اشاعة معارفهم الموسوعية في المجتمع بعد أن بذلوا ذلك الجهد العظيم في التدوين والتصنيف، وكان وراء طموحهم هذا هدف مرسوم دون شك، ولابد انهم بذلوا جهداً آخر "لبث " هذه المعارف عن طريق الوراقين، ثم لا نعرف لهم –كما قلنا- نشاطاً غير هذا لنشرها وتعميمها في جماهير المجتمع"([14]).
أما كيف اختاروا لـ"تنظيمهم" اسم "اخوان الصفاء وخلان الوفاء" فقد يكون صحيحاً –كما يقول د. مروة- "ان ذلك كان استرشاداً بما ورد في كتاب "كليلة ودمنة" (ترجمة ابن المقفع) من هذا التعبير (اخوان الصفاء) في "باب الحمامة المطوقة"، وقد جاء مضمون هذا الاسم تعبيراً عن الواقع الذي ألف بين أشخاصهم وجمعهم عمل مشترك وعلى هدف لهذا العمل مشترك أيضاً، ذلك إن عمل "اخوان الصفاء" الموسوعي، في "الرسائل" التي نسمح لأنفسنا أيضاً بأن نصفها وصفاً معاصراً، فنقول أنها عمل "برنامجي" يكاد يكون متكاملاً، رغم افتقاره إلى عنصر التنسيق التأليفي أولاً، وإلى عنصر التدقيق العلمي ثانياً.
ان صفة "العمل البرنامجي" تظهر بجلاء في مجمل التركيب العام "للرسائل" الخمسين و"للرسالة الجامعة" التي تتوج هذا العمل الكبير وتبلغ به النقطة القصوى "لاستراتيجية" الجماعة!"([15]).
 


([1])   جورج طرابيشي – معجم الفلاسفة – دار الطليعة – بيروت – ط1 – أيار (مايو) 1987.– ص 45
([2])  أرثور سعدييف و د.توفيق سلوم – "الفلسفة العربية الإسلامية " –دار الفارابي – بيروت / لبنان – ط1 – 2000 – ص 123
([3]) المرجع نفسه - ص 126
([4])   جورج طرابيشي – مرجع سبق ذكره –معجم الفلاسفة – ص 45
([5]) عادل العوا –إخوان الصفا -الموسوعة الفلسفية العربية - المجلد الثاني - معهد الانماء العربي – الطبعة الأولى 1988 –ص63
([6]) المرجع نفسه –ص63
([7]) أرثور سعدييف و د.توفيق سلوم – كتاب "الفلسفة العربية الإسلامية " – دار الفارابي – بيروت / لبنان – ط1 - 2000  – ص 126
([8]) ظاهرة Phenomenon : الظاهرة اسم لكل ما هو " معطى" لنا في الخبرة مباشرة. فالظاهرات ليست سوى تلك المعطيات التي تبدو للوعي على نحو مباشر، فتؤلف محتوياته، وتنقسم الظاهرات إلى مجموعتين كبريين هما : مجموعة الظاهرات الطبيعية ومجموعة الظاهرات العقلية، ويمكن القول أن الظاهرات الطبيعية هي تلك التي ندركها عن طريق الحواس الخمس، أما الظاهرة العقلية فهي ما يعطي للاحساس أو الخيال إلى جانب ما يعطي للوعي عبر الحواس.
([9]) هو القفطي، جمال الدين (-646 هـ / 1248): "اخبار العلماء في اخبار الحكماء" ، ط. مصر 1326 هـ ، ص 80 وما بعدها. يقول القفطي عن احوان الصفاء: "هؤلاء جماعة اجتمعوا على تصنيف كتاب في أنواع الحكمة الأولى ورتبوها مقالات (..) ولما كتم مصنفوها اسماءهم ، اختلف الناس في الذي وضعها، فكل قوم قالوا قولاً بطريق الحدس والتخمين. فقوم قالوا هي من كلام بعض الائمة من نسل علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه. واختلفوا في اسم الامام الواضع لها اختلافاً لا يثبت له حقيقة. وقال آخرون هي تصنيف بعض متكلمي المعتزلة في العصر الأول..".
([10]) حسين مروة – النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية – الجزء الثاني – دار الفارابي – بيروت 1985 – ص359
([11]) المرجع نفسه - ص361 / 362
([12]) المرجع نفسه - ص363
([13]) المرجع نفسه - ص363
([14]) المرجع نفسه - ص365
([15]) المرجع نفسه - ص365/ 366