حتمية الانصهار للخروج من العزلة


محمد علي الماوي
2020 / 10 / 5 - 02:40     

مقدمة
يقرّ الشيوعي بان "الشعب وحده هوالقوّة المحركة في خلق تاريخ العالم" كما يقر ان الجماهير هي صانعة التاريخ لان "الجماهير هي الأبطال الحقيقيون اما نحن فنبدو في كثير من الأحيان سذجا نثير الضحك وبدون هذا الفهم يستحيل علينا تحصيل ابسط المعارف"(تحقيقات في الريف-ماو المجلد الثالث 1941)
ان الجماهير الشعبية قوة خلاقة لاحدود لها فبامكانها إن تنظّمت الزحف نحو جميع فروع الإنتاج وإضعاف السلطة وإجبارها عل تقديم التنازلات وقد اثبتت
الانتفاضات العديدة والاضرابات طويلة المدى قدرة الجماهير على فرض مطالبها
رغم استعمال السلطة كل انواع القمع.
لذلك لابد من التوجه الى الجماهير" والتعلم منها وتلخيص تجاربها ونجعلها مبادئ ثم ننقلها الى الجماهير عن طريق الدعاية وندعوها الى تطبيقها لتستعين بها على حل مشاكلها حتى يمكنها ان تتحرر وتنعم بالسعادة" (ماو –الى التنظيم –المجلد الثالث 1943).
غير ان مهمة الشيوعي في الظروف الحالية لم تعد سهلة بفعل انتشار الدعاية الرجعية وتحكمها في اهم مواقع الانتاج وتأثيرها السلبي على الفئات المتخلفة من الجماهير من جهة والاوهام التي تروجها الاطراف اليسارية حول امكانية اصلاح منظومة الفساد من الداخل من خلال الانخراط فيما سمي بالحوار الوطني والوفاق الطبقي والانتقال الديمقراطي والتداول السلمي على السلطة من جهة أخرى.
تجربة الانصهار في تونس (تقييم موجز)
طرح الشيوعيون الماويون منذ بداية سبعينات القرن الماضي ضرورة التوجه الى الجماهير-صانعة التاريخ-واتخذ هذا التوجه في البداية شكلا سريا بحتا تمثل اساسا في توزيع المناشير في الاحياء الشعبية ليلا او في الصباح الباكر بعد القيام بالعديد من العمليات البيضاء للتعرف بالتفصيل على الاحياء ومساكن العمال اساسا وقد تشكلت فرق من 3 رفاق متكونة من منير وحارس وموزع مع دراسة امكانية الانسحاب في احد منازل الحي عند الضرورة وتوقفت هذه التجربة بعد استيلاء البوليس على مقر الطباعة واثر القيام بتقييمها ونقدها وقع الاتجاه نحو ضرورة التوجه المباشر للعمال اساسا وقد وقع الاتفاق على الانصهار في الاتحاد العام التونسي للشغل باعتباره مركز لتواجد العمال في حين ان الحقيقة كانت غير ذلك لان الاتحاد يمثل جوهريا أعوان الوظيفة العمومية من صحة وتعليم وبريد... وكانت نسبة العمال ضعيفة لا تتجاوز 3بالمائة كما وقع التوجه الى العمل الجمعياتي مثل النوادي(نوادي السينما والاطفال والكشافة والى بعض الصحف الخ)
وبعد الخروج من الانحراف الانعزالي والانصهار في اتحاد الشغل واكتساح العديد من المواقع( التعليم والصحة والبناء والنسيج الخ...) قبيل الاضراب العام سنة 1978 وبعده عندما اعلن الشيوعيون الماويون تكتيك العمل النقابي مع إصدار جريدة الشعب بصفة سرية برز الانحراف الشرعوي بكل وضوح وانطلق الصراع ضد الشرعوية لان الاتفاق كان ينص على استغلال التواجد في النقابة من اجل الوصول الى مواقع الإنتاج وأساسا العمال والعملة في القطاع الفلاحي هذا فضلا عن ضرورة التواجد في الأحياء الشعبية وضرورة توزيع الجريدة والاصدارات الثورية. غير ان الرفاق المكلفين بالعمل النقابي والجمعياتي حادوا على هذا المبدأ ورضخوا لكل الإغراءات والامتيازات وتحولوا في النهاية الى عناصر بيروقراطية همها الوحيد المحافظة على الموقع النقابي او الجمعياتي من اجل التمعش والانخراط في منظمة الفساد وتنكروا جملة وتفصيلا الى الانحياز الفعلي لقضية العمال والفلاحين وكل الفئات المضطهدة واكتفوا بتوزيع بعض النصوص المتعلقة بالعمل النقابي او الجمعياتي دون تقديم كل المواد الواردة في الجريدة (الكادح ثم النجم الاحمر والعلم الاحمر...)

لقد اثر التواجد في الاتحاد سلبا على العديد من الرفاق فخسر الشيوعيون الماويون جل العناصر ولم يدرك البعض ان العمل النقابي يمثل مدخلا للتواصل مع العمال والدخول الى المصانع المحصنة والأحياء الشعبية والأرياف.
فظل شعار "الانصهار والبلترة" حبرا على ورق واتضح ذلك جليا عندما طرحت قضية تأسيس الحزب الشيوعي واستغلال القواعد الواسعة في النقابات وطرح مسالة التواجد في الارياف والبؤر المتفجرة مع تغيير أماكن السكن وقضية الاحتراف اندلع الصراع مع الطرح التصفوي الذي تحول حاليا الى حركة قانونية دافعت سابقا على الاسلام السياسي والقومي وانتهت الان الى تزكية
احد وجوه الدساترة في الانتخابات الرئاسية والمشاركة في انتخابات المال السياسي.
ان الانحراف الانعزالي ثم الشرعوي والاسلاموي القومجي حال دون تحقيق اهداف الشيوعيين وخرّب الحركة من الداخل فالشرعوية انهارت امام الامتيازات والقومجية تمعشت من اموال ليبيا وسوريا وهو ما ساهم مباشرة في تفكيك الحركة الثورية من الداخل ومواصلة العمل على عزلها حاليا من خلال مجموعات منتحلة صفة شيوعي تزايد بالتراث الثوري لكسب بعض المغفلين لكنها مخترقة تقودها عناصر اتضح انها بوليسية.
لكن رغم النكسات المتتالية ورغم الحصار المضروب على القوى الثورية فان قضية الارتباط بالجماهير لازالت مطروحة وهي قضية الساعة بالنسبة لشباب الانتفاضة الذي يظل في حاجة اكيدة لبديل وطني ديمقراطي يقطع مع الاطروحات "الوطدية" النقابوية والاطراف المندمجة في منظومة الفساد والمساهمة في ترويج الاوهام حول اصلاح الانظمة عن طريق الانتخابات والمواصلة في تشويه كل من يتمسك بمبدأ الصراع الطبقي والنضال الوطني لتبرير مواقفها الانهزامية.
وضع القوى الثورية حاليا
اصبح من الضروري ايصال مكاسب التجربة الثورية في تونس الى الشباب المنتفض حتي يتنظم على اساسها ولا يسقط في اعادة نفس الاخطاء فعلى القوى الشيوعية الصامدة بذل كل الجهود من اجل التعريف بنضالها ضد الانعزالية وضد الشرعوية التي يدافع عنها حاليا وعلنا من يدعي الشيوعية وضد الاسلام السياسي والقومجي الذي ولى عهدها منذ اندلاع ثورة اكتوبر المجيدة في روسيا. كما انه من الضروري فضح تيار "الاوطاد" الذي لاعلاقة له بالوطنية والديمقراطية بما ان البعض منخرط في منظومة الفساد والبقية تعاني من انحراف نقابوي شرعوي يكنّ العداء لجوهر الطرح الوطني الديمقراطي الذي وضعت لبناته الاولى في بداية سبعينات القرن الماضي حيث لا وجود "للاوطاد" آنذاك- مع التأكيد ان دراسة طبيعة المجتمع ولبنات برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية موجود منذ بداية السبعينات قبل وجود ما سمي ب"الاوطاد" (وطني ديمقراطي).
ان مهمة الشيوعي صعبة للغاية في ظل الحصار الحالي واثر انهيار العديد من الكوادر السابقة وتأثر سلبا من بقي صامدا بفعل الضغوطات ومشاكل الحياة اليومية.ان سلاح الشيوعي حاليا يكمن في طرحه الثوري وفي البديل الذي يقدمه للجماهير فلا يمكن له ان يشغل العاطل عن العمل ولا تحسين اوضاع الشغالين في حين ان الرجعية اخوانجية او ليبرلية قادرة على استيعابه كما ان البيروقراطية النقابية يمكن لها تسوية وضعيته المهنية.فهناك اذا ودائما من يلجأ الى مثل هذه الحلول بالنسبة للفئات المتخلفة من الجماهير الشعبية التي "تنقسم الى ثلاث فئات, فئة نشيطة نسبيا وفئة متوسطة وفئة متخلفة نسبيا لذلك يجب على القادة ان يحسنوا العمل في الاتحاد مع النشطين القلائل ويعتمدوا عليهم باتخاذهم عمودا فقريا للقيادة في رفع وعي العناصر المتوسطة وكسب العناصر المتخلفة"(حول بعض المسائل الخاصة باساليب القيادة-ماو: المجلد الثالث1943)
لذلك لابد للشيوعي ان يرتبط بالفئة النشيطة التي برزت خلال الانتفاضة وفي التحركات الاحتجاجية وان يعمل على تأطيرها وتسليحها بالبديل الثوري حتى تنبذ الاوهام وتواصل النضال من اجل تحقيق مطالبها على درب تحررها.
ان قواعد المجموعات التي تقول انها شيوعية مدعوة الى العمل على توحيد الجهود من اجل توحيد الشيوعيين وتجاوز القيادات الشرعوية او النقابوية او حتى البوليسية باتجاه بلورة البرنامج السياسي للحزب الشيوعي المنشود والذي وقع عرقلة تأسيسه من قبل قادة الانحرافات المذكورة سابقا.
لنستخلص الدروس من التجارب الفاشلة سابقا
لنتنظم على اساس مكاسب الحركة الشيوعية العالمية والمحلية
قابس 4 سبتمبر 2020