كتاب يوثق تاريخ المرأة البحرينية في القرن العشرين


حسن مدن
2020 / 10 / 5 - 01:27     

لا يوجد تاريخان منفصلان أحدهما للرجال والآخر للنساء. وحين نتحدث عن التاريخ الحديث والمعاصر لوطننا البحرين، فإنه لا يمكن كتابة هذا التاريخ، والوقوف عند أهم المحطات فيه دون التوقف أمام مساهمة المرأة في صنع هذا التاريخ، خاصة عند تلك المنعطفات بالذات. وطبيعي أن حجم التحولات الاجتماعية – الاقتصادية التي شهدتها البحرين واتساع الخدمات في مجالات التعليم والصحة والتوعية قد أسهما في إحداث حراك اجتماعي نشط في البلد كان من نتيجته تضييق دائرة الأمية بين الرجال والنساء على حد سواء، وبالنتيجة أصبح عدد النساء المتعلمات إلى ازدياد مما ساعد على سرعة واتساع انخراطهن في الحياة الاجتماعية والثقافية، وأصبح عدد النساء في سوق العمل لافتاً ليس فقط بسبب ضغط الضرورات المعيشية وإنما أيضاً بسبب الوعي بأهمية العمل وضرورته كقيمة اجتماعية، وتعد تلك إحدى مظاهر نمو الوعي لدى البحرينيين إجمالاً.
وشأنها شأن الرجل أبدت المرأة البحرينية وعياً بضرورات العمل السياسي والمطلبي، إن في دائرته الكفاحية من أجل المطالب العامة للشعب، أي مطالب الديمقراطية وتعزيز الاستقلال الوطني والتنمية المتوازنة المستقلة، وإن في الدائرة المهنية والنقابية وفي العمل التطوعي على أنواعه، وأسهم سفر الأجيال الشابة من البحرينيين، شباناً وشابات في عقود ماضية للدراسة في الجامعات العربية والأجنبية إلى اكتسابهم لخبرات وتجارب جديدة وتأثرهم بأفكار الحداثة.
وبدا ذلك واضحاً على الفتيات بشكل خاص اللواتي كان لهن إسهام بارز في أنشطة روابط الطلبة البحرينيين في الخارج، ومن ثم فروع الاتحاد الوطني لطلبة البحرين، وكثير من الناشطات اليوم في العمل النسائي وفي فعاليات الجمعيات النسائية تلقين خبراتهن الأولى في العمل النقابي والتطوعي فترة دراستهن في الخارج.
ثم جاء قيام جامعة البحرين ليوسع من نطاق ديمقراطية التعليم، بإتاحة فرص أوسع لقطاعات من أبناء الفئات متوسطة ومحدودة الدخل لدخول الجامعة وللتماس مع المناخ الجامعي الذي يوسع من أفق الطالب ومن اهتماماته.
ورغم أن قيام الجمعيات النسائية سابق لانبثاق الحركة الطلابية البحرينية إلا أن الجيل الجديد من الفتيات بين السبعينات والثمانينات خاصة قد ضخّ دماء جديدة إلى هذه الجمعيات، وعمَّق من محتوى الدور الذي تنهض بها هذه الجمعيات، وانتقل به من الإطار الخيري والترفيهي المحدود ليجعل منه دوراً أكثر التصاقاً بالهم الاجتماعي والوطني، كما أن لهذا الجيل يعود الفضل في تأسيس جمعيات نسائية جديدة شكلت إضافة إلى العمل النسوي في البلاد.
امرأتان من أبرز رائدات العمل النسوي في البحرين الحديثة، عرفتا أيضاً بدورهما في نضال الحركة الوطنية البحرينية، كماعرفتا أيضاً بمساهماتهما البحثية السابقة، هما الدكتورة سبيكة النجار والأستاذة فوزية مطر قدمتا مؤخراً سِفراً مهماً يقع في نحو خمسمائة وسبعين صفحة، وأعني به كتابهما الذي اشتركتا في تأليفه: "المرأة البحرينية في القرن العشرين – مرحلة ما قبل الاستقلال( 1900 – 1970).
عكفت المؤلفتان على العمل لانجاز هذا الكتاب عدة سنوات، حيث اطلعتا على العديد من المراجع والمصادر والوثائق والمراسلات والمحاضرات وسواها من مواد تتصل بموضوع كتابهما، كما أجريتا عدداً من المقابلات مع نساء ورجال لهم علاقة بموضوع البحث، وحللتا ما أصبح في متناول يديهما من بيانات، وما دونتاه من وقائع وأحداث لتقدما لنا هذا الكتاب المهم والفريد من نوعه حتى الآن، والذي سيعد منذ اليوم مرجعاً لا غنى عنه لأي باحث لا في تاريخ المرأة والحركة النسوية في البحرين فحسب، وإنما في مجمل التاريخ البحريني الحديث، لأنهما انطلقتا في بحثهما من منهج علمي صحيح رأى دور المرأة البحرينية ضمن السياقات المجتمعية والسياسية الأشمل، وليس كموضوع مستقل أو منفصل عن هذه السياقات.
يقع الكتاب في ثلاثة فصول، يتناول الفصل الأول: المرأة البحرينية خلال النصف الأول من القرن العشرين، وهو أطول فصول الكتاب حيث وقع في نحو 400 صفحة، بالنظر لطول الحقبة الزمنية التي غطاها، وكتبته الأستاذة فوزية مطر، فيما تولت الدكتورة سبيكة النجار كتابة الفصلين الآخرين، ويعالج أحدهما المرأة البحرينية في خمسينيات القرن العشرين، أما الفصل الثالث والأخير فقد خصص للمرأة البحرينية في ستينيات القرن العشرين، كما اختتم الكتاب بملحقين أحدهما للصور، والثاني للوثائق المتصلة بموضوعات الكتاب.
هذا الكتاب القيّم نفسه يظهر ما تملكه المرأة في بلادنا ليس فقط من وعي وثقافة، وإنما أيضاً من مثابرة ودأب وتصميم، في شخص المؤلفتين كنموذج، فلم تكن مهمة سهلة إنجاز عمل بهذه الضخامة بجهد فردي لكل من المؤلفتين، ونوهتا في مقدمتهما للكتاب للصعوبات التي اعترضت عملهما وهما تنكبان على إنجاز بحثهما، ومن تلك الصعوبات امتناع بعض النساء ممن كان لهن أدوار وعايشن فترات من المراحل التي يغطيها الكتاب عن الإدلاء بشهاداتهن وامتناع البعض الآخر عن ذكر اسمه، ومن الصعوبات أيضاً امتناع بعض مراكز التوثيق والمعلومات عن إتاحة الفرصة للمؤلفتين للإطلاع على ما في عهدتها من وثائق.
إذ نحيي المؤلفتين السيدتين الفاضلتين فوزية مطر وسبيكة النجار على هذا الإنجاز الكبير، نقول إن الكتاب جدير بالاحتفاء به لا من قبل النساء وحدهن وجمعياتهن وحدها، وإنما من قبل كل القراء ومؤسسات المجتمع المدني في البحرين.