الفلسفة أو المدرسة -المشائية الشرقية-


غازي الصوراني
2020 / 10 / 3 - 19:39     



هي مدرسة فلسفية ظهرت في اليونان القديمة، أسسها أرسطو وحمل لواءها عدد من الفلاسفة: تلامذته وأنصاره وشراحه، ومن أخذوا عنه، والمشائية كلمة أصلها يوناني مشتقة من الفعل يطوف أو يمشي في ممر، وذلك إشارة إلى الممشى الظليل أو الرواق الذي كان أرسطو يلقي محاضراته فيه، أو إلى طريقته في التدريس وهو يسير أو يتمشى بالرواق أثناء شرحه لأفكاره في مدرسة اللوقيوم، التي أسسها في أثينا عام 334 ق.م، واستمر وجودها نحو ألف عام حتى 529م حين أمر الامبراطور جستنيان بإقفالها وحَظَرَ تدريس الفلسفة، وكان قد غلب عليها حينئذٍ تعاظم أثر الأفلاطونية المحدثة.
 منذ ذلك الحين تطورت الفلسفة المشائية على يد تلاميذ أرسطو وشراحه ومترجميه والمتأثرين بمنهجه في المنطق أو في علم الطبيعة، أو ما بعد الطبيعة (أو الإلهيات)، أو في الفلسفة العملية (الأخلاق والسياسة) أو في الأدب والنقد (الخطابة والشعر)، وإن اختلف كل منهم في مدى تأثره وتبنيه لجانب من هذه الجوانب أو نقده وتطويره له.
واصل مفكرو المشائية –في أوروبا- البحوث الميتافيزيقية والطبيعية والأخلاقية الأرسطية، مفسرين وشارحين لفلسفة أرسطو حتى القرون الميلادية الخمسة الأولى، حين بدأ التداخل بين المشائية والأفلاطونية المحدثة، ثم ظهرت المشائية العربية بعد القرن الثامن الميلادي، وكان لها الفضل في نقل تراث أرسطو إلى أوربا وظهور المشائية اللاتينية بفضل الترجمات العربية واليونانية، وسار على هذا النهج من فلاسفة الاسلام: الكندي، والفارابي، وابن سينا، وابن رشد، وابن باجة، حيث كان أرسطو استاذهم أو مرجعهم الرئيسي، لكنهم جميعاً –خاصة ابن رشد- تميزوا برؤاهم العقلانية التي اكدت على أهمية التأويل، والاحتكام إلى العقل في تفسير النصوص الدينية الملتبسة أو الغامضه.
" وكان أبو إسحق يعقوب الكندي أول علم من أعلام المشائية العربية، وقد عني بقضايا المنطق والمعرفة، وذلك من خلال شروحه على مؤلفات أرسطو، ثم أبو النصر الفارابي الرياضي والطبيب والفيلسوف وإمام مناطقة عصره، فلقب بـ"المعلم الثاني" بعد أرسطو "المعلم الأول"، وكان أول شارح بالعربية وخاصة لمؤلفاته الفلسفية والطبيعية، ومن أشهر كتبه "الجمع بين رأي الحكيمين" و"المدينة الفاضلة" و"إحصاء العلوم". ثم خلفه ابن سينا الذي لقب بـ"الشيخ الرئيس"، برز في مجالي الطب والفلسفة، ومن أشهر كتبه "القانون في الطب" و"الشفاء" و"النجاة" و"منطق المشرقيين" في الفلسفة. وفي المغرب العربي برز من أعلام المشائية أبو بكر بن يحيى الملقب بـابن باجة (أواخر القرن الحادي عشر - 1138م) ومن أشهر آثاره "تدبير المتوحد" و"رسالة الوداع" و"إتصال الإنسان بالعقل الفعّال".
وقد بلغت المشائية العربية والإسلامية قمتها في فلسفة ابن رشد أعظم شارحي أرسطو في العصور الوسطى، إذ قال معاصروه: "لقد فسر أرسطو الطبيعة، أما ابن رشد فقد فسر أرسطو". وكان ابن رشد فيلسوفاً وفقيهاً وطبيباً مشهوراً، لم يكتف بشرح آراء أرسطو، بل تناولها تنقيحاً وتعديلاً وتطويراً، وارتبطت باسمه نظرية "الحقيقتين" أو "الحقيقة المزدوجة". ومن آثاره كتاب "تهافت التهافت" في الرد على الغزالي و"تلخيص كتاب المنطق" و"تلخيص كتاب البرهان" و"فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال".
وفي هذا الصدد فإنه لمن المفيد الإشارة إلى أن الفلاسفة المسلمين توزعوا إلى اتجاهين([1]) ( لا يختلفان في الجوهر) الأول : جماعة أطلق عليهم اسم الفلاسفة المنطقيين أو الآلهيين (ميتافيزيقيين)، وقد كان لهم دور كبير في التفكير الإسلامي سواء في المشرق، مثل اخوان الصفا، الكندي، الفارابي، وابن سينا، وابن رشد، أما الاتجاه الثاني فقد عرفوا بالفلاسفة الطبيعيين أو العلماء وأشهرهم أبو بكر الرازي.
 


([1]) محمد السيد نعيم و د.عوض حجاذى-الفلسفة الاسلامية وصلاتها بالفلسفة اليونانية-دار الطباعة المحمدية بالازهر-القاهرة الطبعة الثانية-1959- ص171.