نرجسية الشعراء - ثورة التجديد الشعري- مع الشاعر والصحفي مكي النزال - الحلقة السابعة عشر من – لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا- في بؤرة ضوء


فاطمة الفلاحي
2020 / 10 / 2 - 23:56     

إن الشاعر متهم – غالبًا – بالنرجسية وتمجيد الذات، وما دامت القصيدة لا تُحقق إلا باستقبال الجمهور لها فإن عدوى النرجسية لا بد واقع على المتلقي. والقارئ الذي لا يجد أناه - هو - في القصيدة لا يحقق نرجسية ما، وبالتالي ينعدم التواصل والتماثل . وإذا اعتبرنا الشاعر زعيمًا أدبيـًا فإن الأدبي والسياسي يرغبان في كسب عواطف الناس وتأييدهم. *1
- الأول يهمه العواطف العميقة الأصلية ، ويقتنع بالميسور من ضحك الجمهور أو دموعه، وحسبه ذلك .
- بينما السياسي لا يعنيه أن تكون عواطف الناس ضحلة أو زائفة ، نبيلة أم كليلة، المهم أن تؤيد نرجسيته لبناء شخصيته هو .

فشتان بين نرجسية الشاعر الفنان الذي يحب ذاته ويصهرها ويقدمها للآخرين، وبين نرجسية السياسي الذي يهمه أناه أولاً وأخيرًا .

قال الخليل بن أحمد في مدح الشعراء:
هم أمراء الكلام يصرفونه أنّى شاءوا وجائز لهم ما لا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى وتقييده، ومد مقصوره وقصر ممدوده، والجمع بين لغاته والتفريق بين صفاته. وسئل غيرهم عنهم، فقال: ما ظنك بقوم الاقتصاد محمود إلا منهم، والكذب مذموم إلا بينهم؟!

وقال البحتري الوليد بن عبيد:
الشّعراء فاعلمــــــنّ أربعـــــــــة
فشاعـر يجري ولا يُجــرى معــــه
وشاعــر ينشــد وســط المعمعــــه
وشاعــر مــن حقــه ان تسمعــــــه
وشاعــر مـــن حقــه أن تصفعـــــه

وأجاب شاعرنا النزال عن مغزى سؤالنا في أدناه،
1.هل غاب الحوار بين الشعراء والشعراء وبين أرواح كُتاب وإعلاميّي الوطن؟

قائلًا:
كلّا، فالشعراء يتحاورون ويتزاورون ويتشاركون المنابر في الأمسيات الأدبية إضافة لتواصلهم على وسائل التواصل الاجتماعي بتبادل التعليقات والتعبير عن الاعجاب. هنالك تواصل وهنالك أيضًا تحاسد وتباغض ومحاولات تسقيط وتسفيه وانتقاص قيمة!
لقد وجدتُ الأكثر نزاهة في هذا الباب بين المبدعين الحقيقيين الذين يفرحون لقراءة نص جميل لغيرهم وإن اعتمل فيهم شعور بالغيرة الغريزية عند بعضهم. نجد عند هؤلاء الكبار ضمائر حية وقلوبًا مُحبّة لا يقتلها حب النفس والتفوق.
وأظن ما سبق ينطبق على الأدباء جميعًا فالجميع مبدعون بدرجة أو أخرى.
إن الشاعر متهم بتضخم الـ (أنا) وبالنرجسية وقد يصح ذلك عند بعض الشعراء، لكنه في النهاية إنسان يتفاعل مع غيره بحسب تربيته وثقافته التي تختلف من شاعر لآخر. إنني أعتبر ما يقوم بع بعض الشعراء والأدباء من محاولات لتقزيم غيرهم مسألة أخلاقية في المقام الأول؛ كما أراها متعلقة بالثقة بالنفس، فمن يثق بنفسه وإبداعه لا يحاول تقزيم غيره لكي يبدو هو كبيرًا.
أما الإعلاميون في بلادنا وقنواتنا الفضائية وصحفنا فغالبيتهم العظمى منتفعون لا يمتون للإعلام بصلة. هم لا يحبون إلا جيوبهم وملذاتهم ولا يكترثون لقيمتهم الإنسانية. لذلك نجدهم أصدقاء الآن وأعداء بعد لحظة ثم يعودون للصداقة المزعومة، وكل ذلك تبعًا لمصالح رخيصة لا تمت للمهنة الراقية بصلة.

قلت في قصيدة (باعُ الشِّعرِ)
للشعرِ باعٌ لا يُنالُ مداهُ = مهما تمكَّنَ شاعرٌ بخُطاهُ

كُلٌّ لهُ قَدَرٌ وقَدْرٌ حاكِمٌ = ومُقَدَّرٌ في العالمين صداهُ

وقريحةٌ مرسومةٌ بعنايةٍ = وقريحةٌ مرسومةٌ لسواهُ

يا قافزًا يحدو به خيلاؤهُ = ويرى التفرُّدَ ساكنًا نجواهُ

أقصِر، فلَستَ ببالغٍ ما ترتجي = بتنطُّعٍ وتزَلُّفٍ تغشاهُ

واتبعْ خطى الماشين في درب الهُدى = تجِدِ الذي ترجوهُ في ممشاهُ

إنّي رأيتُ الشِّعرَ جُبَّةَ ناسكٍ = للمُتَّقينَ بلفظهِ ورؤاهُ

ووجدتُ شيطانًا يصوغُ حروفَهُ = للمارقينَ وشرُّهُ يغشاهُ

فاختَر لنفسِكَ ما يليقُ ولا تَحِدْ = عَمّا هُديتَ له وفُز بسماهُ

إنَّ الذي باع الضلالة بالهدى = زلَّت به لجهنَّمٍ قدماهُ


_________________
*1 الشعراء والنرجسيــــــة: بقلم فاروق مواسي