هل تعتبر الموازنة في العراق محركا أساسيا للأقتصاد الوطني وأداة رئيسة لتنفيذ السياسة الأقتصادية ؟


عادل عبد الزهرة شبيب
2020 / 10 / 1 - 13:10     

تعتبر الموازنة في أي بلد كما هو معلوم المحرك الاساسي للاقتصاد الوطني والاداة الرئيسة لتنفيذ السياسة الاقتصادية, وحتى تؤدي الموازنة مهامها بشكل صائب لابد من :-
1. أن يجري اعدادها في سياق نهج استراتيجي وسياسة اقتصادية – اجتماعية واضحة .
2. توظيف موارد الدولة والقطاعات الاقتصادية المختلفة لتطوير البلاد .
3. أن تسعى الموازنة الى تحقيق رفاه الشعب .
4. أن تساعد على تأسيس اقتصاد يتصف بالدينامية والنمو المتوازن والدائم .
5. أن تضمن ربط التخطيط والمشاريع في القطاعات والوزارات مع الاولويات الوطنية .
6. ضمان التنسيق بين الجهات ذات العلاقة كافة .
7. أن يتم تقديمها في نهاية السنة المالية المنتهية والعمل بها في بداية السنة المالية الجديدة في 1/1
8. أن لا يتم اقرارها وتمريرها في مجلس النواب وفق مساومات وتنازلات لتمرير بعض القوانين وانما يؤخذ بنظر الاعتبار المصلحة العامة للبلاد بعيدا عن مبدا ( شيلني وأشيلك ) المعتمدة حاليا في مجلس النواب . الا ان كل هذه العوامل غير معتمدة في موازناتنا .
وقد عكست الموازنات العامة للبلاد طيلة السنوات المنصرمة الطبيعة الاحادية الريعية لاقتصادنا الوطني حيث شكلت العائدات النفطية حوالي 95 في المائة، من اجمالي الايرادات في ظل عدم استقرار أسعار النفط في السوق العالمية وتذبذبها وتعرضها إلى الانخفاض الحاد وتعرض الاقتصاد العراقي إلى العديد من الازمات الاقتصادية الخانقة جراء ذلك . كما يلاحظ في هذه الموازنات أيضا قلة المصادر الاخرى من الايرادات غير النفطية كالضرائب وموارد المنافذ الحدودية التي تسيطر عليها مافيات الفساد , اضافة الى ضعف النشاطات للقطاعات الاقتصادية الاخرى كالزراعة والصناعة والسياحة والتعدين وغيرها..
ويلاحظ أيضا أن النفقات التشغيلية في الموازنات السابقة تحظى بالتخصيصات الاكبر مقارنة مع التخصيصات الاستثمارية , في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد الى الاستثمار لإعادة بناء وتطوير البنى التحتية المدمرة والمتهالكة ولتوفير الخدمات الاساسية وتفعيل النشاطات الانتاجية للقطاعات الاقتصادية المختلفة وتحفيز النمو الاقتصادي بهدف خلق فرص عمل وتقليص معدلات البطالة والفقر المرتفعة.
كما تميزت موازناتنا الاخيرة بوجود نسبة عجز فيها يتم تغطيته عبر الاقتراض الداخلي والخارجي، وتم الاقتراض من صندوق النقد الدولي وفق شروطه الثقيلة والجاهزة, كما تم التوجه إلى الاقتراض من المؤسسات المالية العالمية. وتترتب على الاقتراض الخارجي اعباء ثقيلة ترهق المالية العامة للبلاد ومن هنا اهمية وضرورة تحديد أسباب العجز وضبطه وفقا للحاجات الفعلية لاقتصادنا الوطني والاولويات الاقتصادية والاجتماعية للموازنة العامة , كما ينبغي ضغط النفقات غير المبررة وترشيد الاستهلاك الحكومي الذي يتميز بالبذخ واللامبالاة .
وايضا تتميز آليات اعتماد الاسعار التخمينية للنفط وكميته المصدرة في الموازنة بالارتجال فكثيرا ما تحدد الاسعار التخمينية بشكل أقل من سعر السوق المتداول ويجري التصرف بجزء من موارد الموازنة العامة بعيدا عن الرقابة ولأهداف سياسية غير معلنة القصد منها توسيع القاعدة الاجتماعية للفئات المتنفذة وكوسيلة لشراء الاصوات في عملية الانتخابات بصورة غير شرعية واستغلال المال العام في الانفاق على حملات الانتخاب.
كما تفتقد الموازنات السابقة الى آليات لمعالجة فروق أسعار النفط الخام في حالة بيع النفط الخام بأسعار اعلى مما مثبت في الموازنة فهي ايرادات خارج الموازنة ويتم التصرف بها دون موافقة أو رقابة برلمانيتين، وينطبق هذا بشكل خاص على موازنة 2017 في حال تبني سعر 35 دولارا للبرميل والذي هو ادنى من اسعار النفط ومن مستوياتها المتوقعة.
ان الموازنة ينبغي أن تشمل مختلف القطاعات الاقتصادية الانتاجية الوطنية وخاصة الزراعة والصناعة وزيادة التخصيصات لهما في الموازنة العامة مع زيادة التخصيصات الاستثمارية وضرورة التأكيد على الاهتمام برفع كفاءة الاجهزة التنفيذية التي تتميز بترهلها واعتماد المحاصصة والمنسوبية في التوظيف واستشراء الفساد والذي يسبب المستوى المنخفض لنسب تنفيذ المشاريع على صعيد الوزارات وفي المحافظات ,ما يحول دون انجاز المشاريع المخطط لها في وقتها المحدد . اضافة الى ضرورة الاهتمام بتحسين وتطوير اساليب ونظم الادارة وتوفير الكوادر الفنية المؤهلة لإدارة المشاريع مع ضرورة اجراء اصلاح عميق في اسس ونظم وقواعد اعداد الموازنة والاطر الادارية والفنية لتنفيذ المشاريع. ومن الضروري جدا اعتماد الدولة رؤى استراتيجية اقتصادية واضحة ومتكاملة تحدد في ضوئها الاولويات الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن ترجمتها الى خطط وبرامج استثمارية تتولى تنفيذها اجهزة ومكاتب متخصصة في إدارة المشاريع . وللتخلص من الصفة الاحادية لاقتصادنا الوطني المعتمد على مورد وحيد تحدد عائداته الاسواق العالمية , لابد من اعتماد سياسات واضحة وثابتة في التوجه نحو تنويع وتنمية مصادر ايرادات الموازنة العامة كالعوائد الضريبية العادلة والرسوم الجمركية وتحسين نظام جباية رسوم الخدمات ومكافحة الفساد المالي والاداري .
ومن الضروري تقديم الدولة كشفا بالحسابات الختامية في نهاية كل سنة مالية وبكل شفافية لمعرفة نفقاتها وايراداتها وكيف تصرفت بالمال العام وهذا مالم تلتزم به الدولة حتى الان مما يثير الشكوك والشبهات حول سرقة المال العام .
في تقرير لشفافية الموازنة الدولي عند تقييمها لأداء وشفافية انفاق الاموال المخصصة في الموازنات العامة لأكثر من (90) دولة بضمها العراق ,احتل العراق التسلسل الاخير من بين البلدان التسعين .لقد وضعت منظمة شفافية الموازنة الدولية معايير لتحديد الشفافية والمساءلة للموازنات العامة في جميع انحاء العالم ,وشخصت المنظمة عند مراقبتها ومتابعتها للموازنات الوطنية سوء استخدام المال العام وافتقارها للشفافية كما هو الحال في العراق.
ان التزام مبدأ الشفافية ينبغي ان يكون عند اعداد الموازنة الاتحادية وتنفيذها كذلك وللناس الحق في معرفة ماذا تعمل حكوماتهم بالمال العام خاصة وان الدستور العراقي في المادة (27)/اولا قد نص على ان (( للأموال العامة حرمة وحمايتها واجب على كل مواطن )),كما بينت المادة (111) من الدستور بأن(( النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات)) خاصة وان الموازنة الاتحادية في العراق تعتمد اعتمادا كليا على المصادر المالية المتأتية من تصدير النفط الخام وهي ملك الشعب العراقي ,وبناء على ذلك فمن الضروري ان تكون الوثائق الخاصة بالموازنة متيسرة للمواطنين واصحاب العلاقة بصورة شفافة في حين ان ما يجري الان في العراق هو اخفاء لكل المعلومات المتعلقة بالموازنة من خلال عدم تقديم الحسابات الختامية ومعرفة جهات الانفاق ومبالغها اضافة الى عدم معرفة ما يتعلق بالموازنة الملحقة المتأتية من فروقات اسعار النفط وهذا يعتبر مؤشرا سلبيا على الحكومة حيث ان تدني مؤشر شفافية الموازنة الاتحادية اضافة الى ارتفاع مؤشر الفساد يحرم العراق من فرص استثمار الشركات الرصينة في اقتصاده ويسهم في اعاقة نقل التكنولوجيا المتقدمة.
المطلوب الآن هو:
1.اقرار الموازنة الاتحادية لعامي 2020 و2021 قبل نهاية العام الحالي والبدء بتنفيذ موازنة2021 في الأول من كانون الثاني 2021. . وعدم اخضاعها للمناكدات السياسية ووسيلة للابتزاز السياسي.
2. ضرورة اعتماد الحسابات الختامية في نهاية كل موازنة والاعلان عنها.
3.الاعلان عن الموازنات الملحقة والكشف عنها بشفافية وعدم اخفائها .ووضع اليات محددة للتعامل معها بحيث لا تكون هناك ايرادات خارج الموازنة واخضاعها لموافقة ورقابة برلمانيتين.
4.عرض اهداف السياسة الاقتصادية والضريبية للحكومة على المدى المتوسط والبعيد.
5. العمل على جعل الموازنة اكثر شفافية وخضوعا للمساءلة امام الجمهور ووسيلة لأن تكون اكثر استجابة لاحتياجات الفقراء وذوي الدخل المنخفض خاصة وان الموازنة هي اداة الحكومة لتلبية احتياجات واولويات شعبها. وكما ورد في وثائق الحزب الشيوعي العراقي,
6.ان يجري اعداد الموازنة في سياق نهج استراتيجي وسياسة اقتصادية- اجتماعية واضحة توظف موارد الدولة والقطاعات المختلفة كافة لتطوير البلد وضمان الرفاه للشعب ولتأسيس اقتصاد يتصف بالدينامية والنمو المتوازن والدائم.
7.ضرورة ربط التخطيط والمشاريع في القطاعات والوزارات مع الاولويات الوطنية مما يتطلب التنسيق بين الجهات ذات العلاقات كافة.
8. العمل على زيادة التخصيصات الاستثمارية على حساب التشغيلية بهدف تلبية حاجة البلاد الهائلة الى الاستثمار العام واعادة بناء وتطوير البنى التحتية المدمرة والمتهالكة والغائبة ولتوفير الخدمات الاساسية واطلاق النشاطات الانتاجية لمختلف القطاعات الاقتصادية وتحفيز النمو الاقتصادي من اجل خلق فرص عمل وتقليص معدلات البطالة والفقر المرتفعة.
9. ازالة الهدر في المال العام وضغط المصاريف غير المبررة وتحسين آليات اعداد الموازنة.
10. عدم التصرف بجزء من موارد الموازنة بعيدا عن رقابة مجلس النواب ولأهداف سياسية غير معلنة بينها توسيع القاعدة الاجتماعية للفئات المتنفذة.
11.اعتماد اسعار تخمينية للنفط وكميته المصدرة في الموازنة وفق اسس وآليات بعيدة عن الارتجالية والاعتباطية.
12.العمل على اصلاح وتحديث نظام اعداد الموازنة والتوجه نحو اعتماد البرامج الاستثمارية.
فلنعتمد الشفافية في اعداد وتنفيذ الموازنة الاتحادية ولتكن الموازنة اداة الحكومة في تلبية احتياجات الفقراء وذوي الدخل المنخفض واولويات الشعب العراقي , بعيدا عن الفساد وربط موافقة الكتل السياسية داخل قبة البرلمان للموازنة بتمرير القوانين والمصالح الحزبية الضيقة على حساب مصلحة الوطن والشعب . ولنرى ما سيفعله البرلمان العراقي بشِأن الموازنة الاتحادية لعام