بمناسبة اليوم العالمي للمعلمين في 5 أكتوبر / تشرين الأول (( المعلمون : القيادة في أوقات ألأزمات ووضع تصور جديد للمستقبل ))


عادل عبد الزهرة شبيب
2020 / 10 / 1 - 09:06     

يحتفل باليوم العالمي للمعلمين سنويا في الخامس من اكتوبر / تشرين الأول من كل عام منذ 1994 للإشادة بدور المعلمين حول العالم , فللمعلمين دور كبير ومهم في بناء المجتمع وبناء اجيال المستقبل وترسيخ المعارف والقيم الأخلاقية في المجتمع . وتحتفل كثير من دول العالم باليوم العالمي للمعلمين بإقامة فعالية متنوعة لتكريم المعلمين وشكرهم على رسالتهم السامية في نشر العلم والمعرفة وتخريج اجيال مؤهلة تسهم بفعالية في التنمية المستدامة .
وفي جميع انحاء العالم , يوفر التعليم الجيد الأمل بمستوى معيشة افضل , ومع ذلك فليس من الممكن ان يكون هناك تعليم جيد دون وجود معلمين مخلصين ومؤهلين . ويعتبر المعلمون من اهم العوامل التي تؤثر في عملية التعلم حيث انهم يساعدون التلاميذ في التفكير النقدي والتعامل مع المعلومة والعمل التعاوني ومعالجة المشاكل واتخاذ قرارات مدروسة.
ولا بد من النهوض بالواقع المهني للمعلمين من خلال توفير التدريب الملائم والتنمية المهنية المستمرة وحماية حقوق المعلمين والنهوض بواقعهم المعيشي من خلال منحهم الرواتب الجيدة المناسبة. ان مهنة التعليم ما فتئت تفقد مكانتها في انحاء مختلفة من العالم ( كما هو الحال في العراق ) , وان اليوم العالمي للمعلمين يلفت الانتباه الى الحاجة الى رفع مكانة مهنة التعليم ليس لأجل المعلمين والتلاميذ فحسب وانما لأجل المجتمع والمستقبل ككل بما يمثل اقرارا بالدور الذي يضطلع به المعلمون في بناء المستقبل .
يعد المعلمون اهم الموارد التعليمية على الاطلاق لأنه لا يمكن توفير التعليم الجيد دونهم .
ان جودة أي نظام تعليمي تقاس بمستوى معلميه , فالمعلمون هم الأساس لتعميم التعليم الجيد للجميع . لقد تقوض نوعية التعليم في العديد من البلدان بسبب الافتقار الى العدد الكافي من المعلمين , والى جانب تحدي العدد هناك تحدي ضمان الجودة فغالبا ما يعمل المعلمون دون الحصول على الموارد اللازمة او التدريب الملائم , فتزويد المعلمين بما يلزمهم للنجاح يمثل بالتالي اولوية ويعني ذلك توفير تدريب فعال لهم وظروف توظيف افضل .
ينبغي توفير الأساسيات اللازمة لدعم فعالية المعلمين على النحو الآتي :
1) شروط توظيف لائقة بما في ذلك عقود ومرتبات ملائمة واتاحة آفاق التطور الوظيفي والترقية .
2) ظروف جيدة في بيئة العمل تقوم على بناء وسط تعليمي يساعد على التعليم .
3) تدريب المعلمين قبل واثناء الخدمة تدريبا عالي الجودة .
4) الادارة الناجعة بما في ذلك حشد المعلمين وتوزيعهم .
كما تعتمد جودة التعليم ايضا على مدى تمتع المعلمين بحقوقهم الأساسية كالحماية من العنف والحرية الأكاديمية وحرية الانضمام الى النقابات , كما ان حماية حقوق المعلمين تساعدهم على تعزيز سلامة التلاميذ الذين في عهدتهم .
يحتاج المعلمون اليوم الى المهارات والمعرفة والدعم لتمكينهم من تلبية شتى احتياجات التعليم فالمعلمين استثمار للمستقبل وينبغي عدم ترك أي احد خلف الركب . وفي هذا العام جاءت جائحة كوفيد – 19لتزيد من حجم الصعوبات التي تعاني منها النظم التعليمية المجهدة اصلا في العالم .
في اليابان لدينا تجربة متطورة للتعليم حيث يمكن الاستفادة منها اذ ان التعليم في اليابان لا يقتصر فقط على التعليم الذي يجري في المدارس وانما يتعداه الى التعليم الاجتماعي والتعليم المنزلي والتعليم في الشركات . يختلف شكل التعليم الياباني عن اشكال التعليم في الدول الاخرى , فالهدف الأساسي الذي يستهدفه التربويون اليابانيون هو تعويد الطفل على ان يكون عقلا مفكرا حيث ان الطفل بحاجة الى استيعاب المعلومات بدلا من ان يتلقاها على هيئة شرح فقط , فعقلية الطفل حينها لا تكون قادرة على الفهم وبالتالي لا تكون اي اهمية للشرح المتواصل وذلك ما تأخذه اليابان بنظر الاعتبار عند قيامها بتعليم وتربية الأجيال الجديدة . ان نظام التعليم في اليابان يعزز روح العمل الجماعي والتفاهم بين الطلاب حيث ان :-
 نجاح التعليم يكون مبنيا على العمل الجماعي والاحساس بالمسؤولية .
 يسعى نظام التعليم الياباني الى غرس روح المسؤولية في الطلاب مما يجعلهم يحافظون على الأثاث المدرسي والبيئة المدرسية والمباني والأدوات .
 اكثر ما يميز المدارس اليابانية هو الزام الطلاب بالنظافة والترتيب فمثلا توجد احذية خفيفة يرتديها الطلاب داخل المدرسة كما يقومون بعد انتهاء اليوم الدراسي بتنظيف قاعاتهم الدراسية والممرات .
تنتهج اليابان استراتيجيات تعليمية قوية تمنح الأجيال القدرة على الابداع والاسهام في عملية النهضة التي تشهدها البلاد في مختلف المجالات , وتسعى اليابان ومن خلال استراتيجيات التعليم المحكمة الى الموازنة بين حاجيات السوق وعدد الخريجين من الجامعات والمعاهد اليابانية حيث يبدأ التركيز على مختلف المراحل من المدرسة ثم التدرج حسب مراحل التعليم المختلفة ويتلقى الطلاب خلال هذه الفترة تدريبات ليس فقط في المنهج الدراسي المقر بل في مجالات اخرى تشمل النشاطات الاجتماعية كالتطوع في عمليات الانقاذ وعمليات مساعدة السكان في حالة الكوارث وغيرها .
تهتم اليابان بتطوير المعلمين والتركيز على الكفاءات والتخصصات والخبرات بصورة وثيقة ومدى الجدية في اتمام الأعمال بالنسبة للمعلمين المكلفين بها .
اما بالنسبة لرواتب المعلمين فهم يتقاضون راتبا كبيرا بحيث لا يحتاجون الى ممارسة أي عمل آخر كما لا توجد لديهم منظومة الدروس الخصوصية .
التعليم في العراق :
يشهد قطاع التربية والتعليم في العراق اهمالا حكوميا واضحا مما ادى به الى الانحدار الى حضيض المستويات في ظل فشل وتخبط وزارة التربية منذ 2003 والى اليوم , في الوقت الذي كان فيه العراق يحتل المرتبة الاولى بالنسبة للبلدان العربية على صعيد التعليم محققا انجازات مهمة على صعيد محو الامية خلال سبعينات القرن الماضي والذي دعا منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة الى وصف النظام التعليمي في العراق كأحد افضل النظم التعليمية على مستوى العالم .
واليوم لو اجرينا مقارنة ما بين المنظومة القيمية والتعليمية والمهنية وغيرها ما بين العصر الجاهلي وبين العراق اليوم في عهد الاسلام السياسي لوجدنا في ذلك العصر اشياء اسمها : اخلاق , امانة , مهنية , انسانية , فصاحة , وبلاغة وغيرها, بينما اليوم فإن كل تلك المقومات اصبحت حكاية من الحكايات القديمة حتى ان بعض كبار المسؤولين يكتب كلمة ( شكراً) بـ ( شكرن ) . ولم يحدث ان وصل التعليم في العراق مثلما وصله اليوم من وضع مزري بشهادات منظمات عربية ودولية حتى اصبح محطة سائغة للسخرية والتهكم , وهذا ما دعا مؤشر جودة التعليم العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لدافوس وكذلك مؤشر بيرسون للتعليم والمهارات المعرفية والتحصيل التعليمي العالمي الى اخراج العراق وخمس دول عربية من نطاق تقييمها ولعدة سنوات وذلك بسبب الافتقار لمعايير جودة التعليم في تلك الدول والتي لا تتوفر فيها ابسط المعايير . كما يؤشر ايضا الى ان الحكومة العراقية قد سجلت اسوء سلوك لها تجاه التعليم حينما عجزت عن طبع المناهج الدراسية للعام الدراسي 2015 -2016 وحملت الطلبة واسرهم مسؤولية توفيرها اضافة الى عدم توفير المباني المدرسية المناسبة وتبديد الأموال التي كانت مخصصة لذلك في ملفات الفساد بلغت فضائحها مديات بعيدة.
لقد وقع نظام التربية والتعليم في العراق بعد 2003 إسوة بغيره من القطاعات الانتاجية اسير المحاصصة الطائفية والأثنية مما اخل بمهمة هذا القطاع الحيوي . فالمشاكل والتحديات التي تواجه التعليم في العراق تهدد النظام التعليمي وبالتالي فإن المعالجة يجب ان تكون من خلال معالجة ازمة التربية والتعليم في العراق ابتداء من فلسفته واهدافه الى تغيير المناهج واعداد الكادر التدريسي والعمل على تحديث طرائق التدريس ووضع حد لتعسف التعليم الأهلي ومعالجة خضوعه للربحية والمنافسات غير النزيهة والعمل على ربطه محكما بالتعليم الحكومي .
وبهذا الصدد فقد شخص برنامج الحزب الشيوعي العراقي مهمتين ملحتين :
الاولى : مواصلة الجهود لتصفية آثار المرحلة السابقة .
الثانية : اصلاح المنظومة التربوية والتعليمية في مختلف مراحلها :
ولغرض اصلاح المنظومة التربوية والتعليمية فقد حدد برنامج الحزب الشيوعي العراقي عدة مهام :-
اذ اعتبر قطاع التربية والتعليم من الأولويات المهمة مؤكدا على تخصيص الموارد المالية والمادية والبشرية اللازمة للنهوض بقطاع التعليم , اضافة الى الاهتمام بتوفير الأبنية المدرسية وفق المواصفات العالمية .
ويؤكد البرنامج كذلك على تعزيز الفكر التنويري واعتماد فلسفة تربوية – تعليمية تقوم على قيم المواطنة وليس قيم الطائفية , مع تنمية قدرة الطالب على التفكير النقدي, واعادة النظر في نظام ومناهج التعليم وطرائق التدريس مع تشجيع البحث العلمي والابتكار , اضافة الى اهمية ربط العملية التعليمية بعملية التنمية الشاملة في البلاد واهدافها الكبرى. اذ ان التعليم اليوم في العراق في واد ومهمات التنمية الاقتصادية – الاجتماعية في واد آخر . مؤكدا على ضرورة تأمين مستلزمات التقدم التقني والمادي وادراج المعلوماتية ضمن المناهج بشكل مبكر .
وتطرق برنامج الحزب ايضا في هذا المجال الى مسألة استكمال عملية محو الأمية وضمان مجانية التعليم في المراحل الدراسية كافة وتفعيل الزاميته في الدراسة الابتدائية ومعالجة ظاهرة التوسع المتنامي للتعليم الأهلي المكلف للأسرة العراقية على حساب التعليم الحكومي المجاني . كما اهتم البرنامج ايضا بشمول مرحلة رياض الأطفال بالسلم التعليمي والزامية التعليم وفقا للدستور , اضافة الى تأكيده على اصلاح التعليم العالي والحفاظ على استقلاليته وعدم تقييده بانتماء عقائدي او أي غطاء آخر .
ومن الأمور المهمة التي اكد عليها برنامج الحزب الشيوعي العراقي ربط التعليم بأنواعه وخاصة التعليم العالي والبحث العلمي بحاجات البلاد وآفاق تطورها والاهتمام بشكل خاص بالتعليم التقني والمهني ومتابعة تطبيق القوانين والضوابط الخاصة بالمدارس والجامعات الأهلية , اضافة الى الاهتمام باعتماد اسس الكفاءة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز بين المتقدمين للمنح والبعثات والزمالات وفي القبول بالجامعات والمؤسسات التربوية بشكل عام بعيداً عن اسس الطائفية او القومية او غيرها . الى جانب ذلك اكد البرنامج على السعي لتحويل مجالس الآباء والمدرسين الى هيئات ساندة للعملية التربوية مع الاهتمام بالنشاط اللا صفي لتنمية الروح الجماعية التعاونية للطلاب ووضع الطالب في مركز العملية التربوية واحترام الهيئات التدريسية وتأكيده على الممارسة الديمقراطية في الحياة الدراسية مع الاهتمام بتأهيل وتدريب العاملين في هذا القطاع والتحسين الدائم لمستويات معيشتهم بما يمكنهم من تكريس اهتمامهم لإنجاز مهامهم التربوية في افضل الظروف . وهذا ما دعا المعلمين في انحاء العراق ومن خلال نقابتهم الى الاضراب العام وعلى مدى يومين لتحسين اوضاعهم واصلاح العملية التربوية التعليمية .
ان الحكومة مطالبة اليوم بالإصلاح الجذري لقطاع التربية والتعليم وتحسين البنى التحتية وزيادة التخصيصات المالية لهذا القطاع ومحاربة الأمية والفساد والطائفية وربط التعليم بحاجات البلاد التنموية وآفاق تطورها .
وبسبب اهمية المعلم ودوره الكبير في المجتمع , فقد قال فيه الشاعر احمد شوقي : قم للمعلم وفه التبجيـــــــــــلا ...... كاد المعلم ان يكون رسولا
اعلمت اشرف او أجل من الذي ...... يبني وينشئ أنفسا وعقولا
سبحانك اللهم خير معلــــــــــــم ....... علمت بالقلم القرون الأولى
أخرجت هذا العقل من ظلماتـــــــه ...... وهديته النور المبين سبيلا
واذا النساء نشأن في اميـــــــــــة ...... وضع الرجال جهالة وخمولا
اما الشاعر محمد رشاد الشريف فقافي المعلم :-
يا شمعة في زوايا الصف تأتلق ......... تنير درب المعالي وهي تحترق
لا اطفأ الله نورا انت مصدره .......... يا صادق الفجر انت الصبح والفلق
أيا معلم يا رمز الوفا سلمت .......... يمين اهل الوفا يا خير من صدقوا