بمناسبة الذكرى السنوية الاولى لانتفاضة تشرين / اكتوبر في 1 /10 /2020 (البطالة المزمنة في العراق وانتفاضة تشرين الباسلة )


عادل عبد الزهرة شبيب
2020 / 9 / 30 - 10:05     

تعتبر البطالة احد الأسباب التي دفعت الشباب للاحتجاج والانتفاض السلمي ضد عجز السلطة وفسادها في الأول من تشرين الأول / اكتوبر 2019 وهذه الانتفاضة هي امتداد للسنوات السابقة حيث بدأت الاحتجاجات في 2004 و2005 تم توسعت في عامي 2011 و2015 والى اليوم . بسبب سوء الادارة والفساد المستشري حيث ان معالجة اوضاع البلاد الاقتصادية والاجتماعية ليست من اولويات القوى المتنفذة القابضة على السلطة . لذلك تتعمق الأزمات وتتراكم يوما بعد يوم في ظل غياب الحلول الجذرية ونهب المال العام وغياب الرؤى الاستراتيجية الاقتصادية.
يعاني العراق من بطالة مزمنة ورثها من تراكمات الماضي واستفحلت في ظل الحكومات المتعاقبة بعد 2003, وحسب احصائيات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية فإن معدلات البطالة في العراق بلغت مليون و 200 ألف عاطل عن العمل ( والرقم اكبر من ذلك) , والكثير منهم من حملة الشهادات الجامعية, وقد ازدادت البطالة بشكل ملحوظ في العراق بعد 2003 , ولم تضع كل الحكومات المتعاقبة بعد 2003 المعالجات والحلول لهذه الظاهرة حيث وقفت عاجزة امامها , بل بالعكس ازدادت معدلاتها . ومما زاد في نسبة البطالة في العراق الإغراق السلعي بسبب دخول كميات كبيرة من السلع والمنتجات المختلفة الرخيصة السعر والتي تنافس المنتجات المحلية حيث عملت على تجميد المصانع والمعامل واغلاقها وتسريح عمالها لعدم قدرة منتجاتها على منافسة البضاعة المستوردة الرخيصة. وتشير التقديرات الى بلوغ البطالة اكثر من 35 %.
ومن الأسباب الأخرى التي ادت الى ارتفاع نسبة البطالة في العراق هو تدفق العمالة الأجنبية بأعداد كبيرة حيث لجأ الكثير من اصحاب الأسواق والمطاعم والفنادق ومحطات الوقود الى تشغيلهم وتفضيلهم على العمال العراقيين ولعدة أسباب اهمها :-
1) تدني اجور العاملين الأجانب حيث ان العامل الأجنبي يعمل اكثر من العراقي ويعمل ليلا ونهارا وبدون اجازة ويعمل لساعات طويلة مقابل اجر العامل العراقي .
2) تفرغ العامل الأجنبي للعمل بشكل كامل دون أي التزامات مجتمعية اخرى .
3) عزوف العمالة العراقية عن ممارسة بعض الأعمال وقبولها من قبل العمال الأجانب .
4) ان العامل الأجنبي وبحكم وضعه المادي المتدني والمسافة التي قطعها من بلده الى العراق يكون اكثر حرصا على اتقان عمله وبأفضل صورة والتمسك به .
5) زيادة ساعات العمل التي يعملها العامل الأجنبي مقارنة بساعات عمل العراقي الذي يتذمر كثيرا وينتابه نوع من البطر في بعض الأحيان او يقوم بإضاعة وقت العمل وبحجج مختلفة.
6) امتلاك العمالة الأجنبية الوافدة للعراق مهارات اعلى من نظيرتها العراقية .
7) مطالبة العمال العراقيين باستمرار بزيادة الاجور اضافة الى انهم غير منضبطين في العمل وكثيري التغيب .
ان زيادة الاعتماد على اليد العاملة الأجنبية وهي في الغالب من دول آسيوية كالهند وسريلانكا وبنغلاديش والنيبال والفلبين اضافة الى المصريين والسوريين واللبنانيين والسودانيين وغيرهم قد ترتب عليها جملة من الآثار الاقتصادية السلبية ابرزها ارتفاع معدل البطالة بين الأيدي العاملة العراقية خاصة فئة الشباب. ويشير تقرير لصندوق النقد الدولي ان معدلات البطالة لدى شريحة الشباب في العراق بلغ اكثر من 40% وان معدل النساء خارج القوى العاملة في العراق يبلغ قرابة 85% .
ان تزايد اعداد العمالة الأجنبية الرخيصة في العراق سيؤدي الى منافسة المواطنين في سوق العمل المحلية بأشكال مختلفة , واصبح البنغاليون مطلوبين بقوة في اعمال تنظيف المؤسسات الحكومية والخاصة , بينما تفضل الشركات التجارية والمطاعم السوريين واللبنانيين اصحاب الخبرة وخاصة في المطاعم .
تقدر الاحصائيات الرسمية لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية تسجيل اكثر من مائة الف عامل اجنبي في العراق صادرة لهم سمات دخول خلال عامي 2017 و2018 غالبيتهم يعملون في القطاع الخاص مقابل 13 ألف عامل عراقي فقط ضمن الشركات التي منحت اجازة عمل. ويرى البعض ان هذا الرقم الرسمي غير دقيق فهم اكثر من ذلك وبحدود 200 ألف شخص من جنسيات مختلفة عربية وغير عربية في ظل غياب الضوابط القانونية التي تنظم دخولهم الى العراق .
وبسبب تفشي البطالة بين العراقيين وخاصة بين الشباب الخريجين , فقد شهدت العاصمة ومراكز المدن العراقية المختلفة تظاهرات احتجاجية غاضبة مطالبة بتوفير فرص العمل للعاطلين وتحقيق العدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد بكافة اشكاله واجراء الاصلاحات الاقتصادية الشاملة . ويلاحظ القانونيون ان كثيرا من العمال الأجانب في العراق يواجهون مشكلة عدم شرعية اقامتهم في العراق ما يجعل حركتهم خارج مكان العمل معدومة , حيث دخل جميعهم البلاد من دون تصاريح عمل ومن خلال تأشيرات سياحية فقط وهم يعملون خارج الضوابط وليس لديهم اجازات او تصاريح عمل علما ان الاجازة تصدر من وزير العمل حصرا وبالتالي فإن كافة العمال الأجانب في العراق واصحاب العمل هم مخالفين للقانون ولا شرعية لهم . وقد سبق لمجلس الوزراء ان اصدر قرارا خاصا بتنظيم العمل للأجانب في البلاد حمل الرقم ( 130) يلزم اصحاب الشركات وارباب العمل بأن تكون نسبة العراقيين 50% بين العاملين على الأقل من اجل توفير فرص عمل للشباب وان القرار يعطي الحق للشركات الأجنبية العاملة في العراق بأن تستجلب الف عامل كحد اقصى لكن بعضها اصبحت تتحايل على القانون وتجلب اعدادا كبيرة قد تصل الى خمسة الاف عامل اجنبي وتقوم بتوزيعهم في السوق العراقي بالاتفاق مع بعض اصحاب المكاتب الخاصة ,وهو ما يعرض المسؤولين عن ذلك للغرامة المالية وترحيل العمالة الفائضة .
ويعتبر ترحيل العمالة الأجنبية الفائضة خطوة تصب في مصلحة العامل العراقي وتساعد على خلق فرص عمل جديدة بين الالاف من العاطلين العراقيين. ومن الضروري في هذا المجال قيام النقابات العمالية بضمان حقوق العمال العراقيين مع وضع ضوابط لتنظيم عمل العمال الأجانب في العراق ومراقبتها والزام ارباب العمل بعدم تشغيل العمال الأجانب الا بعد استكمال اوراقهم الرسمية الخاصة بالإقامة واجازة العمل داخل العراق وكذلك ضرورة تحديد ساعات عملهم وايام العطل وضمان حقوقهم . وكذلك الزام الشركات الاستثمارية العاملة في العراق على تشغيل نصف الأيدي العاملة العراقية في مشاريعها.
ان البطالة المزمنة التي يعاني منها العراق من الصعب حلها دون تدخل الدولة وبشكل مباشر وفعال عن طريق تقنين ادخال العمالة الأجنبية الى العراق ووضع حد لسياسة اغراق السوق بالمنتجات المستوردة , وتفعيل القطاعات الاقتصادية من صناعة وزراعة ونقل وسياحة وتعدين وغيرها من اجل امتصاص الأيدي العاملة العاطلة عن العمل مع ضرورة التعاون بين القطاعين العام والخاص ودعم القطاع الخاص للقضاء على البطالة التي ارتفعت نسبتها فمن المستحيل على القطاع العام وحده استيعاب العدد الكبير من العاطلين, وضرورة مكافحة البطالة باعتبارها من الأهداف الرئيسة للسياسة الاقتصادية واعطاء الأولوية الى البرامج الاستثمارية والى خلق الحوافز للمناطق والقطاعات التي عانت التمييز والعمل على تنمية الموارد البشرية ورفع كفاءة العاملين عبر الارتقاء بالنظام التعليمي ووضع برامج لإعادة التأهيل والتدريب المستمرة واشاعة استخدام التقنيات الحديثة وتشجيع البحث العلمي والابتكار وتخصيص الموارد المالية اللازمة لذلك مع ضرورة توظيف العوائد النفطية لأغراض الاستثمار والتنمية , ومكافحة الفساد المالي والاداري وبيع الوظائف وعقود العمل المنتشرة بشكل فاضح. لقد واجهت السلطات وميليشياتها المسلحة المدعومة من الخارج المتظاهرين السلميين بالقوة المفرطة واستخدام الرصاص الحي خلافا للدستور العراقي الذي تم ركنه على الرفوف وراح ضحية ذلك اكثر من 700 شهيد واكثر من 25 ألف جريح ومصاب كل ذنبهم انهم يطالبون بتوفير فرص العمل التي اصبحت حكرا لأبناء المسؤولين واقاربهم بغض النظر عن توفر شروط التعيين التي نص عليها قانون الخدمة . وفي الأول من تشرين الأول تكون قد مرت سنة كاملة على بداية الانتفاضة الشعبية الباسلة ضد الظلم والفساد ولم تقدم السلطة قتلة المتظاهرين الى المحاكمة ولم تكشف ( الطرف الثالث ) الذي يقتل المتظاهرين ولم يقدم كبار الفاسدين المعروفة هوياتهم ومناصبهم الى المحاكمة . مع الوقف الفوري لحملات الاغتيالات والاعتقالات والمضايقات ضد الناشطين المدنيين السلميين وتوفير فرص العمل للشباب والخريجين واصحاب الشهادات العليا . ولابد من حصر السلاح بيد الدولة ومحاسبة المخالفين بشكل حازم وجاد .