ليس هكذا يُدَافع عن المادية!


جواد البشيتي
2020 / 9 / 28 - 01:09     

بعض "الماديين" يدافع ويحامي عن "المادية" في مواجهة الفساد الفلسفي الذي يعتري نظرية "الانفجار (الكوني) الكبير" Big Bang بما ينال من قوَّة وحيوية "المادية" نفسها؛ فَهُمْ يقولون: إنَّ مقدار (أو كمية) المادة والطاقة في الكون هو مقدار غير محدود؛ وليس ممكناً من ثمَّ وَضْع هذا المقدار اللامحدود في حيِّز محدود، لانهائي الكثافة، هو "النقطة المُفْرَدة (الفريدة)" Singularity التي منها جاء الكون.
أوَّلاً، لا يقع "المادي" في خطأ "تمييز الطاقة من المادة"؛ فإنَّ كل طاقة مادة (لكن ليس كل مادة طاقة).
ثانياً، المادي يجب أنْ يُثْبِت في مَعْرَض دفاعه عن "المادية"، في الفيزياء الكونية والكوزمولوجيا، أنَّه يَفْهَم، ويُحْسِن فَهْم، النظرية التي يَفْتَح عليها النار، أيْ نظرية "الانفجار الكبير"؛ فهذه النظرية لا تتحدَّث، إلاَّ على سبيل تبسيط الفكرة، وتقريبها إلى أذهان العامة من الناس، عن "حيِّز محدود"، تُوْضَع (أو تتركَّز) فيه مادة الكون، التي يَعْتَدُّون مقدارها محدوداً. إنَّها تتحدَّث عن تلك "النقطة" Singularity بصفة كونها "عديمة الحجم"، و"لانهائية الكثافة"، من ثمَّ. هذه "النقطة" ليست "حيِّزاً"، ليست "مكاناً"، ليست "فضاءً"، وليس فيها أي بُعْد من أبعاد المكان (الثلاثة). النظرية تلك تتحدَّث عن "الانفجار الكبير" بصفة كونه الخالِق للحيِّز والمكان والفضاء والحجم..
ثالثاً، المادي لا يَسْتَنْجِد بقانون "حفظ المادة" إلاَّ بَعْد أنْ يعيد صياغته في طريقة مادية سليمة؛ فهذا القانون، بصيغته الشائعة المتداولة، يقول إنَّ كمية المادة في الكون لا تزيد، ولا تنقص. هذه الصيغة، أو الصياغة، خاطئة من وجهة نظر مادية (ماركسية). لماذا؟ لأنَّها تنطوي على فكرة مؤدَّاها أنَّ كمية المادة في الكون (الكون بمعنى "الوجود كله") محدودة؛ وإلاَّ ما معنى العبارة "لا تزيد، ولا تنقص"؟!
لا تزيد، ولا تنقص، عن ماذا؟!
إنَّ معناها هو أنَّ كمية هذه المادة محدودة، وأنَّ المادة، من ثمَّ، لا تزيد، ولا تنقص، كميتها عن "حدٍّ معيَّن"!
إنَّ قانون "حفظ المادة" في صيغته المادية السليمة هو: المادة لا تفنى، ولا تُخْلَق (أيْ لا تأتي مِمَّا يسمَّى "العدم").
رابعاً، خطأ أولئك "الماديين" أنَّهم يَنْفون نظرية "الانفجار الكبير" نفياً ميتافيزيقياً؛ وكان ينبغي لهم نفيها نفياً جدلياً؛ و"النفي الجدلي" هو أنْ تنفي (وتدحض) تلك النظرية، محتَفِظاً، في الوقت نفسه، بكل عناصرها العقلانية والسليمة.
خامساً، إنَّ القول بكمية محدودة من المادة في الكون قد يغدو سليماً، من وجهة نظر مادية، إذا ما أخَذْنا بنظرية (أو فرضية) التعددية الكون (أيْ وجود أكوان أخرى في موازاة كوننا).
إنَّ فَهْم الكون (أيْ كوننا) على أنَّه جزء من كل، أو على أنه كَوْن من أكوان لا عدَّ لها، ولا حصر، يَسْتَلْزِم القول بكمية محدودة من المادة في كوننا.
سادساً، إنَّ "المادة"، بمفهومها الفلسفي، وبمفهومها الكوزمولوجي الذي لم يتبلور بَعْد، أوسع وأشمل وأعم من "الأجسام" و"الجسيمات (بأنواعها كافة)"؛ فالفضاء هو أيضاً جزء لا يتجزأ من مفهوم "المادة". و"الكمية" هنا، أي في الفضاء، لا تُحْسَب بـ "الغرام"، أو بما يشبهه من معايير؛ إنَّها تُحْسَب بمعايير مكانية.