إنتهى التاريخ مع نهاية حياة ستالين


فؤاد النمري
2020 / 9 / 27 - 20:50     

بعيداً عن أي منحىً استفزازي لأعداء ستالين وللمؤرخين ربما إلا أن العنوان هو الحقيقة كما تؤكد وقائع التاريخ الأمر الذي يستدعي القراء لأن يقرأوا المقال بموضوعية دون أدنى غوز سياسي .

أفادنا ماركس بأن التاريخ إنما هو سيرة الصراع الطبقي وعليه فإن نهاية الصراع الطبقي ستكون نهاية التاريخ، وسينتهي الصراع الطبقي بعد أن ينتصر العمال على الرأسماليين وتمّحي الطبقات في مرحلة الإشتراكية القصيرة نسبياً، مرحلة الإعداد للحياة الشيوعية، وستكون عندئذٍ نهاية الصراع الطبقي ونهاية التاريخ .

لنعد بناءً عليه لوقائع التاريخ مقارنة بالقراءة الماركسية .
في 7 نوفمبر 41 كانت موسكو محاطة بثلاثة ملايين جندياً نازياً مدججين بأحدث الأسلحة والمسكوبيون يلملمون حوائجهم خفيفة الحمل ويهربون من موسكو خشية سقوطها بأيدي النازيين، وقف ستالين في الساحة الحمراء يحيي الذكرى الرابعة والعشرين لثورة اكتوبر البلشفية ويؤكد للسوفياتيين أن الإتحاد السوفياتي ما زال يمتلك القوى القادرة على سحق قطعان النازية بالرغم من كل الخسائر التي لحقت به .
وفي مطالع يناير 42 قرعت أجراس كنائس انجلترا فرحا بأول هزيمة تلحق بهتلر في معركة موسكو . وفي مطالع العام 43 لحقت الهزيمة الكبرى بهتلر في ستالينجراد التي ما زالت معلما في تاريخ الحروب . وفي يونيو 43 وقد استكمل الاتحاد السوفياتي الاستعدادات التامة لمعركة كورسك (Kursk) التي كسرت العمود الفقري للعسكرية النازبة إذاك تيقن ستالين القائد العَلَم للثورة الإشتراكية العالمية التي أعلنها لينين في العام 1919 أن الثورة وصلت إلى خواتيم انتصارها العالمي الذي كان لينين قد أكده في خطابه الافتتاحي لتأسيس الأممية الشيوعية مارس 1919 . إذاك قرر ستالين حل الأممية الشيوعية التي لم يعد لها أي وظيفة تقوم بها طالما أن الحرب هي التي قررت مصائر العالم، الحرب بقيادة "الجنراليسمو" ستالين قائد الثورة الإشتراكية العالمية . لست أنا من يقول ذلك بل سبقني إليه الرئيس الأميركي الأعظم فرانكلين روزفلت وكان آخر ما كتب في مفكرته قبل رحيله في ابريل 45 هو .. "أن ستالين وليس تشيرتشل هو من سيبني عالماً يسوده السلام والديموقراطية" ؛ وذات المعنى جاء في خطاب تشيرتشل أمام مجلس اللوردات في 23 ديسمبر 59 يحيي ذكرى ميلاد ستالين الثمانينية إذ قال .. "حاربنا ستالين كاستعماريين بأدواتنا وانتصر علينا".
كتبة البورجوازية الوضيعة المنحطة إلى ما دون أدنى معايير الانحطاط يجهدون غاية الجهد لطمس أفضلية الإشتراكية وعَلَم ستالين المعمدين بدماء 27 مليون مواطناً سوفياتياً . لذلك يفسرون حل الأممية الشيوعية على أنه استرضاء للدول الغربية من أجل فتح جبهة غربية تساعد القوات السوفياتية . في مؤتمر طهران ديسمبر 43 لم يكن الاتحاد السوفياتي بحاجة إلى مساعدة حربية حيث كان الجيشالأحمر قد نجح في كسر العمود الفقري للعسكرية الألمانية في معركة كورسك في الصيف المنصرم، ومع ذلك ألح ستالين على تشيرتشل وروزفلت لفتح جبهة غربية في الحرب على النازية . طيلة عامي 42 و 43 كان ستالين يلح على تشيرتشل لفتح جبهة غربية لكن تشيرتشل كان يؤكد لستالين أن أي جبهة غربية يمكن أن تفتحها الدول الغربية ستكون لقمة سائغة للنازية ودون تقديم أدنى مساعدة للإتحاد السوفياتي وهو ما أثبتت الوقائع صحته . كان ستالين يدرك ذلك فالدول الغربية الرأـسمالية لا تستطيع تشكيل جيوش مليونية طالما أن جيوشها هي دائماً جيوش مأجورة وخاصة إذا كانت تحارب خارج الوطن ؛ لكن شعوب بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا لم تكن تشعر قط أن ايطاليا كانت تتهدد مستقبلها حيث اقتصرت حرب جيوش الدول الغربية الثلاث على محاربة إيطاليا على شواطئ الأبيض المتوسط، أما انتقال الدول الغربية الثلاث إلى محاربة النازية في أوروبا فذلك يعني تعميد تحالف شعوب الدول الغربية مع الشعوب السوفياتية وهو ما يخدم هدف ستالين وهو أن تحسم الحرب النصر النهائي للثورة الإشتراكية على مساحة العالم .
أفتتحت الجبهة الغربية بعد أن هدد قائدها الجنرال آيزنهاور بالإستقالة كما كتب إلى الرئيس روزفلت لأنه ليس مقبولاً عليه خيانة الحلفاء السوفيات . بدأ إنزال النورماندي بقوة صغيرة نسبياً (197 ألف) في 6 يونيو 44 بعد أن لاحت هزيمة ألمانيا قريبة في الأفق، وما كانت جيوش الدول الغربية الثلاث – 700 ألف بنسبة كبيرة منهم من المستعمرات – لتصل قريباً من برلين بغير مساعدة السوفيات .

المفاجأة المذهلة في الحرب العالمية الثانية كانت القوى الحربية الهائلة التي أبدتها الدولة الاشتراكية الوليدة بعمر عشرين عاماً فقط دون أن تنعم خلالها بسلام تام وحقيقي، وتحتل برلين بثلاث جبهات حربية تضم 3 ملايين جنديا وخلفهم في الخطوط الخلفية 3.5 مليون وهذا بعد أن فقدت في مواجهة العدوان النازي الغادر 9 ملاين جندياً و 106400 طائرة و 83500 دبابة بالإضافة إلى حوالي 18 مليوناً من المواطنين المدنيين . ليس من تفسر لكل ذلك الجبروت العملاق بوصف تشيرتشل كما أجمع المحللون الاستراتيجيون بمن فيهم أعداء للشيوعية هو أن الاتحاد السوفياتي وريث روسيا القيصرية ما كان ليقوم بكل هذه القدرات الحربية الهائلة لو لم يكن اشتراكياً . ولي أن أضيف هنا مستنداً إلى شهادات من تشيرتشل وروزفلت أن بناء كل تلك القوى الهائلة التي ضمنت النصر الأعظم للإتحاد السوفياتي كان يعني النصر النهائي للثورة الاشتراكية العالمية .

وقائع التاريخ أكدت أن الحرب العدوانية الهتلرية فككت أكبر إمبراطوريتين إمبرياليتين وقد تجلى ذلك باستقلال كافة مستعمرات هاتين الإمبراطوريتين . ولما كان المتروبوليت أو المركز الرأسمالي يتعذر عليه أن يستمر في الإنتاج الرأسمالي بدون أطراف فقد انهار النظام الرأسمالي في كل من فرنسا وبريطانيا وفي الدول المهزومة في الحرب وعلى رأسها ألمانيا واليابان . أما الولاات المتحدة فكان أن تطور نظامها الرأسمالي خلال الحرب بعد أن كان الرئيس روزفلت قد انتشله من القبر خلال السنوات الأربعة الأولى لولايته . في ديسمبر 41 قامت اليابان بهجوم مباغت على القاعدة الأميركية في بيرل هاربر دون مبرر ونجم عنه خسائر جسيمة مما دفع بالولايات المتحدة لأن تعلن الحرب على اليابان بل وتدخل في تحالف الحرب على النازية بعد أن كانت ترفض ذلك قبلئذٍ . خلال الحرب 41 – 45 تطور النظام الرأسمالي بشكل ملموس فيها مما مكن كبار الرأسماليين من فرض اليميني الفاشي هاري ترومان كنائب للرئيس روزفلت مرشحا للدورة الرابعة في نوفمبر 44 . كان من سوء حظ البشرية جمعاء وبالأخص مواطني مدينتي هيروشيما وناغازاكي أن يتوفي روزفلت الديموقراطي الحقيقي في 12 ابريل 45 ويعقبه في سدة الرئاسة مجرم الحرب الفاشي هاري ترومان . كان ستالين قد تعهد لروزفلت في يالطا فبراير 45 أن يساعد الولايات المتحدة في الحرب على اليابان وأن يضمن استسلام اليابان للولايات المتحدة وليس للإتحاد السوفياتي . مقابل ذلك تعهد روزفلت أن يساعد الاتحاد السوفياتي في إعاة الإعمار بمبلغ 10 مليار دولار .
نشرت الصحف الأميركية قبل أسابيع أن ترومان تذلل كثيرا أمام ستالين في مؤتمر بوتسدام يوليو 45 ليبر ستالين بوعده بمساعدة أميركا في حربها على اليابان . كانت الولايات المتحدة قد أنجزت بناء القنبلة الذرية في مطلع أوغست قبل انتهاء مؤتمر بوتسدام وكانت إذاك الحادثة الشهيرة عندما هم ترومان أن يعلم ستالين عن القنبلة الذرية وتجاهل ستالين ذلك ولم يصغ لترومان وتركه واقفا وحده حيث كان ستالين على الأرجح يعلم بالأمر قبل ترومان حيث كان معظم العاملين في بناء القنبلة الذرية من الشيوعيين، بل زوجة أوبنهايمر رئيس المشروع كانت عضوة في الحزب الشيوعي .
استخدم ترومان القنبلة الذرية في هيروشيا وناغازاكي في 6 و 9 أوغست على التوالي وقتل 150 ألف مواطناً مدنياً في المدينتين وعندما اقترح الامبراطور استسلام اليابان في 16 أوغست رفض المجلس العسكري ذلك مؤكدا أن الضربتين الذريتين لم يؤثرا على القدرة الحربية لليابان، بل إن قائد حامية ناغازاكي تواجد آنذاك في القيادة الحربية .
بدأ الجيش الأحمر يهاجم جيوش اليابان في منشوريا في العاشر من أوغست وخلال الأسابيع الثلاثة التالية كان الجيش الأحمر قد صفّى كامل القوى البرية لليابان، آكثر من مليون جندياً واحتل الجزر الشمالية من اليابان . وفي الثاني من سبتمبر استسلمت اليابان للولايات المتحدة قبل أن تطأ قدم أميركية أرض اليابان .