مقالات صديقه. العراق: الحراك الجماهيري والتحديات الجديدة .بقلم الرفيق: صادق عزيز


تيار الكفاح العمالى - مصر
2020 / 9 / 26 - 10:19     

.علقت السلطات الحاكمة في بغداد والاقليم امالا كبيرة على الاجراءات الاحترازية والتباعد الاجتماعي الخاصة بالتصدي لوباء جائحة كورونا في اضعاف الحراك الجماهيري وانتفاضة اوكتوبر العظيمة. ظنا منها بان التباعد الاجتماعي ستحميها من غضب ونقمة الجماهير ولهيب الحراك الثوري، وتعطيها الفرصة لاسكات صوت المواطن الثائر باعتباره تبرير سياسي-صحي مناسب لامتصاص استياء الجماهير.
ان فشل السلطات الحاكمة في الاقليم والمركز على حد سواء في اتخاذ سياسة صحية صائبة وخدمية واضحة ودقيقة في مواجهة الوباء من تامين الخدمات الصحية و الوقائية عملت على تصعيد النقمة والسخط الجماهيري بشكل اوسع واكثر وجعل من فقدان الثقة والامل بالنظام في اجراء اية تحسينات في وضع المواطن امرا واقعيا وحقيقة موضوعية. حيث تعريض عشرات الالوف للاصابة بالوباء ومخاطر الموت. كان من تداعيات سياسة الحجز الصحي التي اتخذتها السلطة الحاكمة، ترك المواطن في مواجة الوباء من دون تامين ابسط المستلزمات الخدمية والوقائية، اغلاق المتاجر والاسواق، ايقاف المعامل والانتاج والذي نجم عنه فقد الملايين العمل و مصدر المعيشة. اضحت من الصعب تامين الخبز والعيش . وعليه وتحت ضغط الجماهير لتامين الحياة والعيش، اضطرت السلطات الحاكمة لتخفيف من الاجراءات الاحترازية خشية اندلاع موجات احتجاجية اشد واوسع وتجنب مواجهة السخط والتذمر الشديدين.
ومع بوادر تخفيف الاجراءات عاد المتظاهرون الى الشوارع والساحات مجددا في موجة جديدة من الاحتجاجات الجماهيرية في بغداد وعددا من مدن الوسط والجنوب ومدن واقضية الاقليم ( ساحة التحرير والحبوبي والبصرة وميسان جنوبا والسليمانية وكلار وحلبجة وغيرها شمالا ). وتضاعفت تلك الاحتجاجات بعد ان تعرض عشرات النشطاء لموجة اغتيالات منظمة تقودها شبكات ارهابية مسلحة تابع للميليشات المسلحة.
من المؤكد والمعلوم ان الازمة الاقتصادية والسياسية التي تواجه النظام السياسي القائم تتعمق اكثر يوما بعد يوم واصبحت ينذر باندلاع موجة احتجاجات جديدة.

من الثورة المضادة الى الاغتيالات المنظمة !

منذ ازمة 2008 الاقتصادية تسعى القوى البرجوازية بشتى الوسائل لاخماد احتجاج المواطن البائس والمحروم من اجل ابسط الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها بشتى الوسائل بدءا من اشاعة الاكاذيب ونشر الاوهام حول اجتياز مرحلة الازمة والركود مرورا باتهام المتظاهرين بالولاء لدول اجنبية اودول الجوار اوالحصول على تمويل خارجي.
وبعد ان فشلت شتى المحاولات في امتصاص واحتواء السخط الشعبي والغضب الجماهيري، سعت بعض القوى والاحزاب البرجوازية في احتواء الحراك ووابداء بعض التعاطف الكاذب مع المتظاهرين في مسعى لركوب الموجة ( التيار الصدري على سبيل المثال ). ومع تقدم وتطور الاحتجاجات الجماهيرية يوما بعد اخر والتحرر من اوهام وهيمنة القوى البرجوازية شيئا فشيئا، اصبح الحراك اكثر تجربة وخبرة واكثر وضوحا في الرؤيا. لم يبقى للسلطة والقوى البرجوازية الدينية والقومية سوى الانخراط داخل الحراك والعمل على تغير المسار الثوري للحراك والعمل كقوة مضادة للثورة داخل الحراك من اجل اجهاض التجربة وانهاء مساره الثوري والحيلولة دون تحقيق اهدافه.
ان الاستقاطاب الحادة الحاصل في التركيب الاجتماعي في العراق والانفصال التام لقوى التغير والثورة مع القوى الرجعية والطائفية والقومية جعل من مسالة ركب الحراك وتعكير صفوفها الثوري امرا صعبا ( محاولة القبعات الزرقاء في اسقاط تجربة ساحة التحرير). ان خصيصة النظام الطائفي الرجعي الفاسد والمدعومة من قبل الميليشيات المسلحة،هذه التركيبة الثنائية المضادة للثورة، اوجد المناخ السياسي لشن حملة الاغتيالات والتنكيل والاختطاف كاسلوب خبيث وقمعي لقمع الانتفاضة والحراك الجماهيري والنيل من نشطاءها. وقد نددت العديد من الدول والانظمة والمنظمات الانسانية والمدافعة عن الحرية وحق التعبير بهذه الحملات التي راحت ضحيتها العديد من النشطاء امثال المناضلة رهيام يعقوب واسامة ….
وقد ساهم نظام الملالي في طهران من خلال نشر اسماء النشطاء والتشهير بهم في الصحف الرسمية الايرانية، في هذه الحملة المسعورة .

الاحتجاج في كردستان
بين اختيار العودة الى احضان المركز ومساعي “الجيل الجديد” المجهضة !

كردستانيا، سعت السلطات الحاكمة والفاسدة في الاقليم لاتباع نفس السياسية المعمولة المتبعة من قبل المركز والقوى البرجوازية العراقية. لقد عملت السلطات الحاكمة علاوة على اخفاء الحقائق حول واردات الاقليم والدخل على اطلاق اكاذيب ومبررات طفولية ومضحكة لا تقنع المواطن الكردستاني الذي عانى من هذه السلطة طوال ما يقارب من 30 عاما. “القاء الذنب على الحكومة المركزية في عدم ايفاء بتعهداتها تجاه الاقليم”، هذا ما تنفيه الحكومة المركزية وتدعي عكس ذلك. وتتهم الاقليم بسرقة قوت المواطن الكردستاني. ان الازمة الاقتصادية التي تعاني منها البرجوازية في الاقليم والمركز لا تخفى على احد وان الجماهير العمالية والمحرومة تدرك جيدا من خلال نضالها وتعاملها مع القوى البرجوية الكردية والعراقية مدى سخف تلك الادعاءات المضللة وبطلانها. ان الايمان والاعتقاد بضرورة العودة للمركز كسبيل لحل الازمة الاقتصادية ليست معدومة الاسس الموضوعية فحسب، بل لاتتعدى امنية رجعية ووهم مقرف من البرجوازية القومية الكردية. ان الامل بايجاد اقليم جديد في ظل الازمة الاقتصادية والسياسية الراهنة التي تضرب البلاد لا تعد سوى ضربا من الخيال لا اكثر وامالا ضالة.
هذه الازمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بالعراق شمالا وجنوبا، تنعكس بشكل موضوعي وحي في كل المجالات الحكومية والمؤسساتية. ازمة الحكومات المتعاقبة، ازمة السلطات القضائية والتنفيذية، ازمة قطاع الصحة التعليم، النفط والوقود والكهرباء وغيرها..
في ظل هذه الاوضاع السياسية والاقتصادية تشير كل الموشرات الى نشوب موجة جديدة من الاحتجاجات الجماهيرية الواسعة.
ان دعوة حركة الجيل الجديد الممثلة والمجسدة للثورة المضادة والدعوة الى احتجاجات مفتعلة وغير ناضجة وحزبية، هدقها الاستفادة من غضب الجماهير وسخطها لدعوة الشباب والاطفال ( على حد تعبيرالمليادر شاسوار زعيم حركة الجيل الجديد)، تاتي سياسيا من اجل اجهاض الحرك الثوري وتشتت الجماهير وتعرضها في ظل عدم وجود الاستعداد الثوري اللازم والمطلوب ومستلزمات التغيير الى القمع والتراجع من قبل السلطات في الاقليم. هذه هي كنه سياسية الجيل الجديد ومساعيها المعادية للثورة. للحراك الشعبي الية ذاتية و موضوعية خاصة تنتج مستلزمات التطور والتقدم.
ان تجربة انتفاضة اكتوبر واحتجاج جماهير كردستان طوال السنوات المنصرمة تجعل من مسالة مواجهة التحدي الراهن ( مواجهة حملة الاغتيالات ودور قوى الثورة المضادة ) امرا ممكنا وعمليا ليس هذا فحسب بل ستجعلها جاهزة لاية تحدي مستقبلي اخر ولاية مناورة جديدة لحكومة الاقليم والمركز في تخفيف التوتر القائم (زيارة الكاظمي للاقليم وامال البرجوازية في اجتياز المرحلة والازمة) التي لا تجد افاق مستقبلية افضل من سابقاتها، ولا تستطيع ان تدفق الدم في جسم النظام المتازم.
اواسط ايلول 2020
(نشر هذا المقال بالغة الكردية في العدد التاسع من صحيفة ” ريجار” و قد ارتاينا للضرورة نشره بالغة العربية )
المصدر:البديل الاشتراكى.العراق