أسباب ضعف القوى الثورية(الجزء الثاني)


محمد علي الماوي
2020 / 9 / 25 - 22:40     

أسباب ضعف القوى الثورية

يرجع ضعف الأحزاب والمنظمات الشيوعية الى سببين رئيسيين: أولا الظروف الموضوعية والتحولات التي شهدتها مرحلة العولمة وثانيا طبيعة هذه الأحزاب وبرامجها وسلوكها التكتيكي اليومي الذي أصبح في قطيعة وحركة الجماهير. فلم يبق إذا للقوى الثورية من حل سوى الانكباب على دراسة هذه الأسباب للخروج من عزلتها والتحوّل الى عنصر فاعل في الصراع الطبقي والنضال الوطني.
أ- العوامل الموضوعية
إن أهم سبب في تخلف الحركة الشيوعية وتقهقر اليسار الاجتماعي الديمقراطي(الأحزاب المسماة زيفا اشتراكية ومشتقاتها) هو غياب البلد الاشتراكي الذي كان السند الرئيسي على المستوى النظري والعملي وكذلك المادي بالنسبة لبعض الأحزاب.
كما أن ارتداد الأحزاب الشيوعية وتحوّلها الى أحزاب تحريفية بعد وفاة الرفيق ستالين ثم ماو لعب دورا أساسيا في إضعاف الحركة الشيوعية وتشويهها خاصة بعد أن وقع إعادة تركيز رأسمالية الدولة والحزب وإحلال الديكتاتورية البرجوازية الجديدة وقد استغل المعسكر الامبريالي هذا التحوّل فنظّر لنهاية الصراع بين الرأسمالية والاشتراكية، و"انتصار الديمقراطية الليبرالية وهزيمة المشروع الماركسي، وادعى "أننا في مرحلة نهاية التاريخ، ونهاية صراع الطبقات، وأن المرحلة المقبلة سوف تكون صراع الثقافات كما يذكر منظّر صراع الحضارات "الأمريكي "صامويل هنتغتون."
واتسعت الدعاية الرجعية ضد الشيوعية لتشمل كل مجالات الإعلام السمعي البصري وكل الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي فنظّرت الى أن العصر هو عصر المجتمع الاستهلاكي والفردية والأنانية واندثار القيم التضامنية وعصر "الثورة الرقمية"والشركات العملاقة, مجتمع فيه كل واحد يسعى للحفاظ على مصالحه الخاصة فتمددت الأفكار اليمينية في المجتمعات عامة واكتسبت المزيد من المؤيدين بفضل المال السياسي وتدهور أوضاع الشغالين فسيطرت قوى أقصى اليمين على المشهد السياسي وأصبحت تتحكم في مجرى الصراع مثلما حصل ذلك في فرنسا وهولندا وألمانيا وإيطاليا والمجر وسلوفينيا والنمسا والسويد والدانمرك وفي البلدان العربية وبعد تعدد الهزائم والخيانات التي توّجت بالتطبيع مع كيان الصهيوني من قبل شبه دويلات الخليج معقل العمالة والرجعية انتعشت الحركات الاخوانجية والداعشية المدعومة من قبل الدوائر الامبريالية وأمراء الخليج وتركيا بصفة مباشرة وعن طريق الجمعيات "المدنية" وظلت تخطط عبثا لتأسيس الخلافة السادسة كما أعلن عن ذلك الجبالي في تونس.
وباختصار شديد يمكن تلخيص إستراتيجية الامبريالية فيما يلي: أولا تشويه الاشتراكية باستعمال كل الوسائل وتقديم الشيوعية "كغول" سيفكك العائلة ويحتجز الأطفال ويقضي على الحرية الفردية الخ من التشويه المدروس.وثانيا تخويف الجماهير بتوخي سياسة الترغيب والترهيب فتصرّفت الحكومات بعنف ضد الأحزاب الشيوعية والمتعاطفين معها, وقامت السلطات بسجن وتعذيب أعضاءها وقتل واغتيال لكثير من قياداتها لكبت مساندتهم للثورات التي كانت تحصل في بلدان العربية مثلا. وبذلك فقدت الأحزاب الشيوعية قوتها وتشتت كثير من أعضاءها, وأزداد مخاوف الجماهير في مساندتهم والتعاطف معهم من أن يسجنوا أو يقتلوا أيضا وثالثا احتواء اليسار الليبرالي والانتهازي وترويضه(وهو الذي يكنّ العداء للشيوعية رغم المزايدات الكلامية) وجعله ينخرط استراتيجيا في "إصلاح" منظومة الفساد والقبول بالتوافق الطبقي ووهم التداول السلمي على السلطة وبالتالي التخلي المعلن والصريح عن مبدأ الصراع الطبقي والنضال الوطني .
أثّرت الظروف الموضوعية سلبا على العامل الذاتي رغم اندلاع الانتفاضات وتفجّر الأوضاع في العديد من البلدان وساهمت في زرع اليأس والإحباط لدى
البعض فنجد من التحق باليسار الديمقراطي الاجتماعي ومن تحوّل الى بيدق للبيروقراطية النقابية أو اكتفى بالتواجد في الجمعيات المدنية وهناك طبعا من دمّره الإحباط فأصبح كأيها الناس غير معني بالشأن العام.

لم يستوعب المنهار أو المستقيل الظروف الموضوعية والتحولات التي شهدتها مرحلة العولمة وتعامل معها بصفة ذاتية ومصلحيه تعكس درجة التزامه الحقيقي فتناسى أن طبيعة العصر لم تتغير كما يدعي منظرو البرجوازية بما أن التناقضات التي تحكم العالم لم تحسم بعد :أ-التناقض بين الامبريالية والشعوب المضطهدة(وخير دليل على ذلك الانتفاضات والأوضاع المتفجرة في العديد من بقاع العالم)
ب- التناقض بين البرجوازية والبرولتاريا في البلدان الرأسمالية بما في ذلك الصين وروسيا وكوريا الشمالية ...(انظر الاحتجاجات المتتالية: الصدريات الصفراء في فرنسا مثلا)
ج- التناقض فيما بين الامبرياليات وصلب الاحتكارات (راجع الصراع في سوريا وليبيا...)
يبين هذا الواقع دون لبس ان الامبريالية هي الطرف الرئيسي في التناقض لذلك فهي قادرة على التحكّم في مجرى الصراع وقد نجحت في تحويل التناقض امبريالية – شعب الى تناقضات صلب العملاء كما حصل ذلك في تونس وسوريا وليبيا ...فتحوّل شعار "الشعب يريد إسقاط النظام الى "الامبريالية تريد ترميم الأنظمة الفاسدة" وإنقاذ عملائها من خلال "الانتقال الديمقراطي والديمقراطية التشاركية واستكمال المسار الثوري" وانتخابات المال السياسي الفاسد.

ب- العامل الذاتي.
لقد صمدت العديد من العناصر وبعض المجموعات في ظل اختلال موازين القوى ورغم الحصار الفكري والملاحقة البوليسية ومحاولات تفكيك المجموعات من الداخل واتهامها بالدغمائية والانعزالية من قبل الأطراف الديمقراطية الاجتماعية واليسار الانتهازي الذي باع ضميره لهثا وراء الامتيازات الوهمية,
لم تتنكر هذه العناصر لجوهر الماركسية وأعلنت عن أنها "شيوعية الى حد النخاع" وهو أمر ايجابي غير أن محاولات الصراع والوحدة المتعددة في تونس
آلت الى الفشل وتمثلت أسبابها فيما يلي:- مجموعة لازالت تشكو من انحراف اسلاموي قومجي يقود سلوكها لاعلاقة له بمهام الشيوعيين في المرحلة الحالية
- مجموعة اتجهت نحو العمل القانوني واكتفت بالدعاية في الإذاعات والمواقع الرسمية بل انها تطرح قضية توحيد الشيوعيين عبر "نقاش واسع يمهد لوحدته وذلك النقاش يحتاج منابر مثل قناة تلفزيونية أو حتى إذاعة أو مجلة فكرية تكون في الوقت ذاته وسيلة يشرح من خلالها أفكاره وسياساته لعموم الشعب وهذا يحتاج مالا ولكن اليسار دوما فقير وربما لو تعلقت همته بهذه المهمة الأولى وأمسك بهذه الحلقة لتقدم في اتجاه وحدته واتحد حوله الشعب بأسره"(فريد العليبي تشتت اليسار في تونس ووحدته.-الحوار المتمدن) حزب الكادحين-

- مجموعة تريد تاسيس حزب شيوعي جديد قيادتها بوليسية منتحلة صفة شيوعي وهي مخترقة تحاول تفكيك وحدة الشيوعيين من خلال الاندساس وتطبيق سياسة فرق تسد.
إن وضع الشيوعي في تونس لايحسد عليه إذ اتضح بعد النقاشات لمدة سنوات انه لا يمكن التفاهم مع الانحراف الاسلاموي القومجي كما انه لامجال للتعامل مع مجموعة مخترقة ومنتحلة صفة شيوعي تحاول عبثا مغالطة بعض الشباب لذلك لم يبق امام العناصر الشيوعية الحقيقية سوى الحسم في هذه القيادات وفضحها ومحاولة التعويل على النفس من اجل توحيد كل العناصر التي ترفع علم الشيوعية وراية برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية ونعتقد ان المجالات مفتوحة في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها.
ان البرنامج السياسي للثورة الوطنية الديمقراطية الذي يمثل لبنة تجربة انطلقت منذ بداية سبعينات القرن الماضي, منشور في العديد من المواقع ودعوات ضرورة تنقيحه ونقده وتحيينه متعددة لكنه ظل على الرف وذلك يعني ان القوى التي تدّعي الشيوعية غير معنية بمثل هذا البرنامج لان لها برامج غير قادرة على الاصداع بها علنا.
ضرورة تجاوز أهم النقائص
الملاحظة الأولى: ليس كل من قرأ في يوم ما بعض الكتب الماركسية يصبح ماركسيا.ان الشيوعي في تونس لايقرأ وقد يرجع ذلك الى الكسل الفكري وعدم التطلع الى تطوير معرفته أو الى الظروف الصعبة التي يمر بها نظرا لتدهور أوضاعه أو للحصار الذي يشهده الفكر الثوري عامة.
وفي كل الحالات,لايمكن تبرير مثل هذا السلوك لان الشيوعي رغم الظروف الصعبة مطالب بالإلمام بكل الملفات عالميا وعربيا ومحليا وعدم الاكتفاء ببعض التعليقات في مواقع التواصل كما انه مطالب ببذل مجهود جبار لافقط في مجال متابعة الاوضاع والتمكن من كل الملفات عن طريق الدراسات الرسمية المنشورة بل كذلك بلورة الموقف الشيوعي والمساهمة في اعادة اصدار الكتب والنشريات الماركسية وترويجها لدى المعنيين بالثورة.
الملاحظة الثانية: الشيوعي في تونس لايدرس ولايقوم بالتحقيقات الميدانية وهو بالتالي لايساهم في تجسيد الفكر على الواقع اذ لم تنشر الى حد علمنا دراسات شيوعية حول أوضاع الشغيلة في المصانع وحول قضية الأرض وعلاقات الإنتاج في الأرياف وحول الأحياء الشعبية ومن يجهل الواقع لايمكن له ان يبدع في تقديم الحلول لأبناء الشعب.فهل اقلع الشيوعي عن دراسة الواقع واكتفى بما حفظه سابقا والذي تحوّل الى مجرد شعارات وقوالب جامدة؟
المهام الملحة
ان الشيوعية مستقبل البشرية وكل من استوعب المادية الجدلية والتاريخية لايمكن ان يصيبه الإحباط او اليأس لان "الارض تدور والمستقبل نور" ومن شيم الشيوعي التفاؤل والتفاؤل رغم اختلال موازين القوى حاليا.فالمطروح على كل العناصر الشيوعية بمعزل عن القيادات(التي اثبتت تعنتها وعدم التزامها بتوحيد القوى) اولا ان تفكر جديا وان تعقد العزم على دراسة الوضع وبلورة البرنامج الاستراتيجي للثورة الوطنية الديمقراطية ذات البعد الاشتراكي ويمكن لها الاستعانة بما هو موجود في مواقع التواصل الاجتماعي وثانيا ان تقترح النظام الداخلي للحزب المنشود وطرحه للنقاش سواء في مواقع التواصل او في نشرية داخلية يشترك فيها كل من يسعى فعليا الى توحيد الشيوعيين في تونس والوطن ولا يمكن لهذا النقاش ان يتم في المنابر الاعلامية كما يقترح البعض لان قنوات التلفزة او الاذاعات مرتبطة بقانون الاحزاب ولا يمكنها السماح لافراد يعتمدون مبدأ الصراع الطبقي لانه ممنوع في قانون الاحزاب.ابله من يعتقد انه يمكن نقاش المهام الثورية في الإذاعات والتلفازات. وثالثا فدون حسم قضية البرنامج والنظام الداخلي لامجال للحديث عن التكتيك والسلوك اليومي والانتاج النظري المطلوب...
لننبذ الاوهام الشرعوية والتذيل لقوى اخرى ولنفضح الاطراف الوطنية الديمقراطية المنخرطة في اصلاح منظومة الفساد ولنساهم في كشف البوليس المندس في احد المجموعة التي تدعي الشيوعية
والى الامام من أجل توحيد كل العناصر الشيوعية على اساس مكاسب التجربة الروسية والصينية قبل الانقلاب التحريفي.
قابس 10 سبتمبر 2020