الدولة، والثورة، والأزمة [مقتطفات] لوي آلتوسير


هشام عقيل
2020 / 9 / 25 - 18:54     


ترجمة وإعداد: هشام عقيل

[ هذا النص هو مقتطف من الحوار التلفزيوني الذي أجراه الصحفي والمحاضر ريناتو باراسكاندولو مع لوي آلتوسير في روما في أبريل 1980؛ أذيع هذا الحوار في التلفزيون الإذاعي الإيطالي في فقرة (الموسوعة الإعلامية للعلوم الفلسفية).]

* ما هي الظروف التاريخية المستلزمة لظهور عملية ثورية في الغرب اليوم؟

– إنها مسألة معقدة جداً وتتجاوز نطاق بحثنا؛ إنها معقدة جداً. على سبيل المثال، لنأخذ الوضع الإيطالي المسدود، كما هو الحال في فرنسا؛ رغم أنني أعتقد أنه مسدود في إيطاليا أكثر مما هو في فرنسا، لكن يبقى هذا مجرد رأي. وفرّ لينين الظروف العامة: حقيقة أن الذين يحكمون غير قادرين على الحكم هي صحيحة دائماً، وأن هؤلاء الذين في الأسفل لا يمكنهم الإستمرار في أن يبقوا محكومين هكذا؛ هذا هو ظرف واحد، لكنه لم يوجد بعد. صحيح أن الذين يحكمون غير قادرين على الحكم، لكن المحكومين – العمال، والفلاحين، والمثقفين، إلخ- لا يزالون قادرين على دعم وتأييد النظام القائم؛ أنهم لا يزالون يؤيدونه. يكفي أن نقول حين يرفض المحكومون نظام ما ستنشب الثورة.

*أنت تقول، إذن، إن الثورة الاشتراكية ستحدث فقط بفضل أزمات أنماط إعادة الإنتاج الرأسمالية؟

– أنماط إعادة الإنتاج الرأسمالية هي دائماً في أزمة؛ هذا هو تعريف ماركس للرأسمالية، أيّ الرأسمالية هي دائماً في أزمة، أو بكلمات أخرى: الأزمات هي أمر طبيعي بالنسبة للرأسمالية.

* أنت أيضاً قلت إن الأجهزة الأيديولوجية للدولة هي أبنية مهمة جداً لسيطرة طبقة معينة.

-نعم. لكنني أؤكد على “الدولة” وهذه هي المشكلة، لأن الكل أعتاد على أن يقول “الأجهزة الأيديولوجية“ وحسب. أنا لم أكن على علم بأن غرامشي إستخدم مصطلح “أجهزة الهيمنة”؛ لا يتغير أي شيء هنا، حيث تختفي فيه “الدولة” في كل الأحوال. أنا أصرّ على الإبقاء على “الدولة” لأنها أهم ما في المسألة: هذه الأجهزة الأيديولوجية هي عائدة للدولة. بلا شك، هذا الأمر أيضاً يعتمد على التعريف الذي تعطيه أنت للدولة؛ عليك أن تعطي تعريفاً آخر للدولة، فضلاً عن التعريف الكلاسيكي الذي قدّمه ماركس. نعم فهم ماركس بأن الدولة هي أداة للطبقة المسيطرة، وهذا أمر صحيح، لكنه لم يفهم أي شيء فيما يخص عمل الدولة، أو دعنا نقول فيما يخص مساحة الدولة.

*على سبيل المثال، تحدث غرامشي عن الصحف أيضاً؛ مؤكداً بأنه لا يهم كثيراً إذا كانت عامة أو خاصة. الصحف في كل الأحوال هي أجهزة هيمنة.

– نعم أتفق تماماً.

* الآن أجهزة إعادة الإنتاج هي ليست محصورة بوسائل الإتصال الجماهيري، مثل الأحزاب، والنقابات، والعائلة. فعلى سبيل المثال، المصانع أيضاً تولد أجهزة معينة لإعادة الإنتاج (على سبيل المثال: الهرمية، والمهنية، إلخ).

– صحيح بلا شك؛ أنا لم أتحدث عن هذا الأمر لكنه صحيح.

* أنت معروف، فوق كل شيء آخر، بإبتكار مفهوم جديد: “التحديد المضاعف”. أيمكنك تفسير هذا المفهوم؟

– لقد طورتُ هذا المفهوم عبر فرويد، وإستخدمته في الحقل النظري الذي ليس له أية علاقة بفرويد. في الوقت الحاضر، لا يمكنك أن تؤسس أية علاقة ما بين فكر ماركس وفرويد، بإستثناء علاقة تتعلق بالفلسفة، أيّ التجانس الفلسفي- المادية إلخ. إستخدمتُ هذا المفهوم لأتحدث عن أشياء متعددة في واقع المجتمع والأحداث التاريخية. هذا المفهوم لا يفهم دائماً كـ “تحديد”، بل أيضاً كـ “تحديد مضاعف” أو “تحديد ناقص”. هذا التحديد ليس بسيطاً، بل يجب أن يفهم بشروط التعدد؛ في هذا المتعدد، هناك تعدد أكثر أو أقل من “التحديد” الذي تفكره، أو الذي تعتقد أنك تفكره، أو الذي تعتقد أنك توصلت إليه عبر بحثك.

*أيمكنك أن تمدّنا بمثال ما؟

– قضية ستالين على سبيل المثال؛ إنها قضية “مضاعفة في تحديدها”. التفسير الذي قدّمه خروتشوف هو أن ستالين كان ببساطة مجنوناً، أنه مجرد أصبح مجنوناً؛ هذا هو تفسير “تحديدي”. لكن هذا التفسير ليس كافياً؛ ليس كافياً لفهم شخصية وعالم ستالين، ولفهم هذا الأمر يستلزم وجود “تحديدات” أخرى – “تحديد مضاعف” و”تحديد ناقص” – لأنك حين تؤمن بأنك قد فهمت أركان “التحديد”، فأنت لا تعرف أين أنت في هذا الواقع، أيّ أمام هذا الواقع؛ فإنك قد تكون متجاوزاً للواقع أو تحته؛ عليك أن تصعد إلى الأعلى أو إلى الأسفل.

* أيعني “فوق-الواقع” أنك متقدماً بالنسبة إلى الواقع؟

– إنه يعني أنك، بشكل عام، متأخراً في هذا الواقع؛ من الممكن أن يحصل في حالات معينة بأن يكون، على سبيل المثال، الشعراء، والموسيقون، والفلاسفة الطوباويون متقدمين على الواقع. في هذه اللحظة بالتحديد، على هذا السطح، نحن متأخرون أمام هذا الواقع؛ بلا شك، لأننا لا ندرك الواقع، نحن مجرد نحاول إدراكه.

* أنحن متحددون بشكل ناقص إذن؟

– نعم.

* قال إرنست بلوخ بإن قدر الإنسان هو أن يكون دائماً خارج الزمن؛ أن يعيش دائماً قبل تاريخه أو يعيش تاريخه عبر التفكير كما كان يفكر قبل عشرين سنة، أو قبل قرن.

– هذا صحيح؛ الإنسان هو دائماً متأخر. هذا صحيح لكن بلوخ لم يساعد على أي شيء، إنه كان يتحدث عن الآخرين لا عن نفسه.