لا دولة ولا دولتان مطروح. .. الخيارات المطروحة اما الخضوع والقبول بانتصار المشروع الصهيوني او خيار استمرار النضال الوطني


ابراهيم حجازين
2020 / 9 / 24 - 20:19     

في ظل الدعوات للحوار حول حل الدولة او الدولتين لنا الحق ان نتسائل هل طرحت هذه الخيارات امام الشعب الفلسطيني وقياداته يشكل جاد وبالتالي بقي عليهم الإختيار بينهما ام ان وضع هذه الخيارات على أجندة الحوار لا يخرج عن كونه زراعة الوهم في الوعي العربي والفلسطيني لشراء المزيد من الوقت لتمرير اجندة مسبقة، وهو أسلوب طبق مرات عديدة للإنهماك في حوار لا طائل خلفه، بينما المشروع الحقيقي الذي يطبق هو تصفية قضية فلسطين وتهجير اهلها الذي يتم تنفيذه ويراد له ان يمرر بالخضوع والقبول به دون مقابل او اعتراض.
منذ إعلان تصريح بلفور وحتى الان لم يطرح على جدول أعمال حل القضية الفلسطينية بند تشكيل دولة فلسطينية إلا بقرار التقسيم عام 1947 لتمرير الموافقة على إقامة دولة يهودية والالتفاف على الدولة الفلسطينية ومنع تشكيلها والمرة الثانية طرحها بوش الابن لاحتواء المعارضة لعدوانه على العراق عام 2003 وحفظ ماء وجه الأنظمة العربية التي فتحت أراضيها لاحتلال العراق وماطل بطرح هذه المسألة في فترتي حكمه. لم يكن بوارد الغرب الاستعماري طوال المئة عام المنصرمة إقامة دولة فلسطينية، وحتى بعد اعلانها لم يوافق حكام الدولة اليهودية على تاسيس الدولة العربية الفلسطينية ولو في الضفة الغربية وقطاع غزة التي تشكل 22% من أراضي فلسطين، فقد سبق لبيرس ان قال لا يمكن لأي إسرائيلي ان يقبل بدولة فلسطينية وباحسن الأحوال حكم ذاتي تحت السيادة الإسرائيلية، وهذا الموقف لم يعارضه الغرب بل كان يتبناه ضمنا كما هو معروف حيث لم يلتزم أحد من زعمائه بمواقفه او توقيعه على اية اتفاقيات عقدت مع الجانب الفلسطيني او العربي.
منذ البداية تصريح بلفور كان واضحا بهذا الصدد، حيث أكد على إقامة وطن قومي لشعب يهودي في فلسطين وصاغ بغموض المطلب الذي يتعلق بأصحاب الأرض العرب الفلسطينيين فقد ذكرهم بلفور في تصريحه كمقيمين وطوائف يدعو للمحافظة على حقوقهم.
لا توجد أية وثيقة تاريخية تعطي حق قانوني لليهود لإقامة دولة لهم في فلسطين، وجاءت ورقة بلفور وهي رسالة إلى اللورد البريطاني روتشيلد احتوت على تصريح اعتبر ورقة تمليك فلسطين لشعب "يهودي " لم يكن موجودا من قبل وتتغاضى عن وجود وحقوق أصحاب الأرض الفلسطينين.
في صغري عندما كنا نقرا تصريح بلفور في الكتب المدرسية، كانت تنتابني مشاعر متناقضة، فكيف كان يحق لحكومة جلالته ولاحقا فهمت ان المقصود بجلالته ملك بريطانيا ان تعطي فلسطين لليهود، وفي نفس الوقت كنت أشعر بالاطمئنان لان حكومة جلالته ضمنت حقوق الطوائف المقيمة والتي يقصد بهم التصريح العرب الفلسطينيين، بينما انتشر الفلسطينيون كلاجئين في الدول المجاورة وغير المجاورة لفلسطين بحماية بريطانيا العظمى، هذه الدولة العظمى لم تحافظ على وعدها للفلسطينيين وتركت " الشعب اليهودي" مدعوما باسلحتها يعمل على اقتلاعهم من ارضهم.
كبرت واكتشفت الحقيقة المرة، أن ذلك التصريح، كان أكبر عملية تزوير ورقة تمليك عقاري في التاريخ، شكلت الاساس لجريمة يستمر ارتكابها امام البشرية حتى الأن، ففد طرد ولا يزال شعب من أرضه ليحل محله مجموعات بشرية غرس في وعيهم ان إله ما قبل الميلاد بالف وثمانمائة عام قد أعطاهم تلك الأرض.
في مرحلة ما من تاريخ أوروبا عند الانقلاب التجاري مع انتقالها من الإقطاع إلى الرلسمالية وبالتحديد في انجلترا في زمن التحولات الدينية، زمن التعصب والإقصاء وويلاته تم استحضار أسطورة التمليك العقاري هذه في الأوساط غير اليهودية وتم الترويج لها، وأصبح التجار يلعبون دورا مهما في توجيه السياسات والتوسع الخارجي والاستيطان والاكتشافات الجغرافية، وتوافق ذلك مع تحول إنجلترا عن الكاثوليكية إلى البروتستانتية وأصبح العهد القديم من أركان الدين الجديد والمذهب البيوريتاني المتطرف، تلاقحت إذن المصالح الاستعمارية مع الخلفية الدينية لتوليف رواية عودة المسيح بإقامة الدولة اليهودية في فلسطين واستعادة مسيرة موسى وسفر الخروج إلى فلسطين ولتحويل اليهود إلى المسيحية. وهكذا نشأت جماعات كما يؤكد المؤرخ اليهودي التقدمي ايلان بابيه تربط بين تأسيس دولة لليهود وعودة المسيح، هذه الثقافة ذاتها منتشرة في الولايات المتحدة وتشكل القاعدة الفكرية لليمين المسيحي الصهيوني المتطرف.
نشأت الصهيونية في الأوساط غير اليهودية من اتباع المذاهب البروتستانتية في البدايات ولكن مع الثورة الصناعية وزيادة دور البرجوازية تراجع الخطاب الصهيوني الديني وغير اليهودي إلى نوع جديد من الصهيونية العلمانية مع بقاء تأثير الخطاب الديني في خلفية المشهد، في هذه المرحلة في القرن التاسع عشر ضعفت الدولة العثمانية وسعت أوروبا للتوسع على حسابها خاصة بعد حملة حاكم مصر محمد علي عليها وتوجهه لإقامة دولة عربية قاعدتها مصر وسوريا مما سرع من البرامج والخطط الأوروبية لوضع حد لطموحات محمد علي وإقامة الدولة اليهودية في فلسطين.
لعب عامل الهجرات اليهودية من شرق أوروبا إلى غربها دورا في تطور الأحداث وعمل السياسيين الأوروبيين للتخلص من المهاجربن اليهود على تدعيم فكرة توطينهم في فلسطين يالاضافة ان تلك الهجرات قد عززت القلق في الأوساط اليهودية الثرية المندمجة في غرب أوروبا وهكذا التقت مصالح كافة الأطراف للتخلص من المهاجرين اليهود ونقلهم إلى فلسطين وإقامة دولة لهم فيها.
كمنظومة سياسية ومجتمعية وظيفية مناط بها خدمة المصالح الغربية في شرق المتوسط وبالتحديد في البلاد العربية لمنع توحيدها في دولة واحدة كما بينت طموحات محمد علي التوحيدية.
وهكذا نشأ المشروع الصهيوني، وهو بهذا المعنى تجسيد للنزعة الاستعمارية الغربية بإقامة جسم غريب على شكل دولة استعمل بها اليهود لخدمة الهدف الذي عبر عنه الخطاب الاستعماري الغربي بمنع إقامة دولة عربية طبيعية تضم الجغرافيا والسكان العرب وإبقاء هذه الجغرافيا مفتته وحالة احتماعية متاخرة بقرون عن مستويات التطور والتقدم العالمي.
تقرير كامبل بانرمان رئيس الوزراء البريطاني الصادر عام 1907 في لندن يؤكد ذلك ويدعو الدول الأوروبية لدعم مشروع إقامة جسم غريب في فلسطين لتفتيت المنطقة العربية والعمل على ابقائها متخلفة، هذه هي خلفية تصريح بلغور السياسية والثقافية والدينية الذي يعتبر الخطوة العملية على المستوى السياسي لغرس ذلك الجسم الغريب في منتصف الوطن العربي في فلسطين التي تربط بين الشقين العريي الآسيوي والأفريقي.
تصريح بلفور الذي أقام الغرب "دولة اسرائيل" على أساسه في فلسطين يعطي شرعية مفبركة لهذا المشروع واستندت إليه الصهيونية في شعاراتها وسياساتها ومكرها وخداعها في رفض وعدم قبول دولة فلسطينية على أي جزء من أراضي فلسطين وسعيها بكافة الطرق والوسائل للتخلص من الوجود الفلسطيني مدعومة من الدول الغربية والولايات المتحدة بالتحديد والتي تعتبر الراعي الأول لهذه الدولة ومشروعاتها المستقبلية للتمدد والتوسع في البلاد العربية وصفقة القرن التي تدعو إلى ضم ما تبقى من أرض فلسطين والتمهيد لتهجير الفلسطينيين من وطنهم، وما مد وبسط النغوذ في الخليج الجاري حاليا إلا دليل انه لا أفاق حقيقية لدولتين او لدولة واحدة وما يطرح في هذا الصدد إلا ظلال أوهام على حائط كهف افلاطون.
حل الدولتان يعني اقتسام فلسطين بين أصحابها وبين المهاجرين اليهود بما يعنيه من عدم شرعية الوجود اليهودي وبالتالي انكغاء المشروع الصهيوني وتراجعه وانتفاء خدماته للغرب ولهذا فإن مقترح الدولتين مرفوض من مجتمع المهاجرين، كما ان الدولة الواحدة ستعطي التفوق الديمغرافي للفلسطينين مما يجعلهم اصحاب القرار في المدى القريب، وهذا الاقتراح مرفوض ايضا لانه يعني انهيار المشروع الصهيوني في المنطقة الأمر الذي يقوض المصالح الغربية في الاقليم والعالم.
أوهام الحل السلمي والتأسيس لوجود فلسطيني مترابط وقابل للحياة تم ترويجها وغرسها في أوساط الشعب الفلسطيني للاستفادة من الفترة الزمنية لإجراء التمهيد المناسب في المنطقة لتعزيز الدور الوظيفي "لاسرائيل" كدولة ومجتمع طرأت عليه تغيرات مع انتهاء الحرب الباردة وفي مجرى الحروب التي شنتها الولايات المتحدة على شعوب وبلدان المنطقة في ظل تحولات دولية كبرى، في هذه الظروف طرأت تغيرات على النظرة لدور الدولة العبرية في مراكز الأبحاث الإستراتيجية الغربية تقاطعت هذا التغيرات مع الطموحات التي تعززت لدى قادتها وفي ظل ترسيخ استقلال نسبي لهذه الدولة في صياغة سياساتها وعلاقاتها الإقليمية والدولية، هذه الطموحات التي تسعى للمحافظة على بقائها ومد نفوذها وتوسعها كوكيل إقليمي منفرد للمصالح الغرببة يبيع خدماته وفقا لهذه الطموحات. من هنا ترسخت فكرة صفقة القرن بما تعنيه من تصفية للقضية الفلسطينية والتهجير القسري الغليظ والناعم للفلسطينيين من وطنهم وإنهاء أية علاقة لهم به، (ولعل إخفاء غوغل معالم فلسطين من خرائطه هو واحد من هذه الأهداف) وكذلك مد نفوذ هذه الدولة وبسطه في الأنحاء العربية بتمزيقها وتفتيتها إلى مناطق على اساس طائفي وقبائلي تفتقد للترابط والانتماء والهوية.
أثناء طرح السؤال لماذا الحوار حول عناوين موهومة مثل دولة او دولتان. تذكرت وهم الاطمئنان الذي غرسه تصريح بلفور في نفس ذلك الطفل الذي هو انا من انهم سيحافظون على حقوق الطوائف غير اليهودية بينما هم في الواقع اقتلعوها وهجروها وقتلوا أفرادها وضيقوا عليهم ليس فقط في فلسطين بل في عموم المنطقة.
انها خيارات الوهم في ظل الهزائم الكبرى وشروط موازين القوى الحالية، إن تغيير الموازين الحالية يستلزم نهج وطني تحرري جديد يلقي باوهام السلام والحل السلمي نهج كامب ديفيد واوسلو ووادي عربة بعيدا وتعمل الشعوب وقواها الوطنية التحررية من خلاله على تغيير موازين القوى على أرضية التمسك بالأرض وبكل الحقوق دون نقصان.
الخيار الوحيد امام شعب فلسطين وكل الشعوب العربية هو النضال من أجل الوحدة في وجه المشروع الصهيوني وفك عرى التبعية الاقتصادية والسياسية وإقامة تحالفات عالمية مع الدول والقوى الصاعدة وقيادات جديدة تقدر على السير بهذا النهج الجديد. قد يبدو ذلك خيالا لكنه أفضل من حقوق وهمية سيحافظ عليها بلفور.