هل يوجد فساد مالي واداري في العراق في عهد الاسلام السياسي الحاكم في العراق منذ 2003 أم تم القضاء عليه ؟


عادل عبد الزهرة شبيب
2020 / 9 / 24 - 10:00     

بلغ الفساد في العراق مديات خطيرة حيث تصدر قائمة الدول الاكثر فسادا في العالم محتلا المرتبة الاولى في قائمة منظمة الشفافية الدولية لعام 2007 من اصل 163 دولة وما يزال . وفي حديث للرئيس العراقي السابق الراحل جلال الطالباني في معرض تعليقه على تفشي الفساد وتضخم الثروات قوله : (( كان لدينا في كردستان قبل 2003 نحو 15 مليونير , أما الان فلدينا 3000 مليونير .)). والفساد في العراق ليس وليد اللحظة الانية بل أنه متجذر من أيام الدولة العثمانية ومن ثم تشكيل الدولة العراقية الحديثة وتشجيع النظام الملكي الاقطاع كنظام اجتماعي حيث أدت تلك السياسة الى نزوح الفلاحين الى ضواحي المدن هربا من الاستغلال. واستمرت حالات الفساد مستشريه في جميع مفاصل الدولة حتى تفاقمت ابان حكم النظام الدكتاتوري المقبور. و( فرهد ) رجالات السلطة من كبار العسكريين والحاشية المقربة من النظام البعثي الاراضي والممتلكات العامة والمشاريع الاقتصادية وكأنها اصبحت مشاعيه خاصة بهم . ولكن يتبادر للذهن التساؤل :هل أن الفساد الحالي الذي تفشى في اروقة الدولة المختلفة اليوم هو فساد موروث عن النظام الدكتاتوري المقبور؟ أم أن لكل نوع بنيته بما يجعله خاصا بكل نظام على حدة ؟
لقد اعتمد النظام الدكتاتوري السابق على القمع والتخويف والقتل ولم يترك للفساد حرية التجول دون رقيب فلم يسمح لرجالات صدام والوزراء والقادة العسكريين حرية التصرف بأموال الدولة كما يجري اليوم للـ (السادة ), وانما كانت أموال الدولة بيد صدام وحده وصارت الدولة ملكا صرفا له , فهو حاكم الدولة ومالكا لها في نفس الوقت , ومن يتلاعب بالمال العام في عهد صدام من قبل كبار موظفي الدولة فانه يحاسب وكأنه خارج على ارادة الرئيس ومتامر على سلطته وليس مجرد سارق من المال العام لأن الدولة صارت دولة للرئيس . لذلك استخدم صدام الاعدام لأمين عاصمته والسجن المؤبد لعدد من المدراء العامين. وكان من المحرمات التي تصل عقوبتها الى الاعدام وجود حسابات للموظفين العراقيين في المصارف الاجنبية كما منعت الهجرة وجرت متابعة المهاجرين من خلال اهاليهم ووضعت الملكيات العقارية لموظفي الدولة خارج العراق في خانة المحرمات.
أما اليوم فلا يوجد رادع قوي أمام كبار الفاسدين فهم يسرقون المال العام بكل سهولة وحرية ويقومون بتهريبه للخارج لإنشاء المشاريع وشراء العقارات. بل أن تسفيرهم للخارج يكون بمساعدة الحكومة قبل خضوعهم للمحاكمة وهناك امثلة كثيرة لوزراء وكبار الموظفين اغتنوا من المال العام دون حساب وحتى لو تمت محاكمتهم فسيتم تبرئتهم بدقائق وذلك لكون القضاء مسيس وغير حيادي. اليوم بلغ الفساد في العراق أشده حيث تعاني معظم مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والحكومات المحلية من تفشي ظاهرة المحسوبية والفساد المالي والاداري, وتشير التقارير الرسمية الى تحكم مافيات ( حيتان كبيرة) تشغل مستويات رفيعة في الدولة بالعقود والمشاريع الحكومية وتحولت مظاهر الفساد المالي والاداري الى ثقافة شائعة في البلد تمارس من أصغر موظف الى أعلى الهرم , مما يشكل تهديدا خطيرا ويعوق الاقتصاد العراقي عن التنمية ويزيد من صعوبة الاصلاح .
وتنطبق أسباب نشوء الفساد المذكورة آنفا على حالة العراق أيضا , كما ساهم الاحتلال الامريكي للعراق في 2003 في تفشي الفساد من خلال الاعمال والممارسات التي قامت بها قوات الاحتلال وتسببهم بهدر جزء كبير من المال المخصص لإعادة الاعمار . وشهدت فترة الاحتلال حالات القتل والاغتصاب والخطف والسرقة. والمجتمع العراقي الذي خرج من توجهات النظام الشمولي للحزب الواحد واجه نمطا آخر من الولاءات السياسية أبعدته عن الكفاءة الوظيفية . وفي ظل الاوضاع المستشرية من الفساد نتساءل هل يمكن اصلاح الفساد في العراق ؟ أ وكما قالت جريدة الغارديان : لا أمل بإصلاح الفساد في العراق ؟ نظرتنا متفائلة فالفساد المستشري في العراق يمكن اصلاحه اذا توفرت الارادة السياسية والمعالجات الشاملة وليست الجزئية تتناول جميع مرتكزات الادارة من بنيتها وهيكليتها الى العنصر البشري العامل فيها الى اساليب العمل السائدة فيها . ويمكن وضع الخطط لمعالجة الفساد منها :
(1) تبسيط وسائل العمل وتحديد مهل انجاز المعاملات بأقل نفقة وبأسرع وقت ممكن واعادة النظر فيها باستمرار.
(2) اجراء تنقلات دورية بين الموظفين .
(3) تشكيل لجان خاصة لوضع نظام متكامل لأداء الموظفين وتقوم بإجراء تفتيش دوري بين الدوائر والوزارات واعداد التقارير الخاصة بذلك .
(4) وضع مصنف لتقسيم الوظائف العامة واعتماد معيار الكفاءة والخبرة في شغلها وتحديد الرواتب لكل من الفئات الواردة في المصنف .
(5) انشاء نظام رقابي فعال مستقل مهمته الاشراف ومتابعة الممارسات التي تتم من قبل الوزراء والموظفين العاملين في كل وزارة ومؤسسة .
(6) تفعيل ادارة الخدمات واعطاء الخدمات ذات العلاقة بالجمهور الاولوية الاولى.
(7) العمل بمبدأ الشفافية في جميع مرافق ومؤسسات الدولة .
(8) اشاعة المدركات الاخلاقية والثقافية – الحضارية بين عموم المواطنين .
(9) نشر التعليم الذي سيساعد على تطوير الطرق العلمية لمعالجة المشاكل الحكومية والادارية.
(10) التنمية الاقتصادية الشاملة مع تعزيز تكافؤ الفرص وتكريس العدالة .
(11) ترسيخ الديمقراطية التي اذا نضجت فإنها ستلغي المركزية والفساد الناتج عنها .
(12) التطبيق الحكيم والحازم للقوانين الخاصة بالتفتيش الاداري والمالي .
(13) ترويج القيم الاخلاقية .
(14) اعتماد مبدأ الثواب والعقاب للموظفين .
(15) السيطرة الصارمة على الحدود مع دول الجوار حيث تتم المعاملات المشبوهة لتجارة المخدرات والاسلحة . والتهريب..
(16) مكافحة غسل الاموال وملاحقتها قانونيا.
(17) وضع استراتيجيات تكافح البطالة والتضخم.
(18) مكافحة البيروقراطية الادارية بتكريس اللامركزية الادارية والمرونة في القوانين.
(19) تفعيل دور هيئة النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين والرقابة المالية وتوسيع صلاحياتها .
(20) جعل القضاء مستقلا وحياديا في احكامه وتمكينه من النهوض بواجباته في اصدار الاحكام القضائية بحق المفسدين المحالين للقضاء بقضايا الفساد الوظيفي.
(21) الاستمرار بفعالية الحراك الجماهيري وتطويرها من أجل تحقيق الاصلاح المنشود والقضاء على الفساد.
(22 ) اجتثاث ومحاربة الفساد باعتباره مظهر من مظاهر الفساد الكبير.
(23 ) معرفة أشكال وأصناف الفساد وأسبابه لغرض وضع المعالجة الناجحة له .
(24) العمل على سد الثغرات القانونية التي يمكن أن يستغلها المفسدون .
(25) فرض العقوبات القاسية لمرتكبي الفساد بأشكاله المختلفة. وبحق كبار الفاسدين وصغارهم مهما كانت مناصبهم واحزابهم .
(26) تبسيط الاجراءات الادارية ووضع حد للبيروقراطية واللجوء الى الشفافية في كل الجهات الحكومية التي تتعامل مع الجمهور.
(27 ) ويبقى لمجلس النواب العراقي الدور المهم في تعزيز قيم النزاهة والشفافية, فالبرلمانات هي احدى الدعامات الاساسية في أي نظام نزاهة حيث تشكل جسرا بين الشعب والحكومة. ولكن هل برلماننا يؤدي دوره الرقابي الفعال ؟ وهل فعلا يحارب الفساد داخل أروقة الدولة ؟
(28) يمكن الاستفادة من تجارب الدول في مكافحة الفساد بما يلائم واقعنا, فالصين مثلا كافحت الفساد من خلال فرض العقوبات الشديدة على الموظفين مرتكبي الفساد وتم الحكم بالإعدام على بعض المرتشين, كما اعتمدت تقديم الحوافز التي تدفع للأفراد للابتعاد عن الرشوة والفساد .
أما بالنسبة الى سنغافورة فكانت من أكبر الدول التي ينتشر فيها الفساد واليوم أصبحت من أقل الدول فسادا وحصل ذلك عندما قامت بتخفيض عدد القوانين والاجراءات وتبسيطها ولم تسمح بخرق القوانين كما رفعت الدولة رواتب واجور موظفي الدولة حتى لا يلجأوا الى الفساد .
فلنحطم معاً سلسلة الفساد..... ونحقق التقدم الاقتصادي – الاجتماعي لشعبنا..