نقاش مع هشام البستاني عن المثقف الممارس و الانتهازي و الحداثي المخلص


مازن كم الماز
2020 / 9 / 23 - 18:32     

لازم اعترف هشام إني عم اكتب لحاول افهمك , افهم كيف بتشوف الجماهير العربية و الأوطان العربية , تحديدا .. الحقيقة أن كلامك عن السلطة و الدين و المثقف هو بشكل من الأشكال نموذج عن الوعي و طريقة التفكير التي نواجهها عمليا في كل مكان من النقاشات النخبوية إلى السوشيال ميديا إلى الكليشهات المتداولة و السائدة في شوارعنا العربية بما فيها ما نميل إلى تسميته بالمنافي أو المهاجر .. الشعوب العربية و أوطانها فقط لأن الآخر لا يظهر أبدا في هذه التحليلات أو أنه يحضر فقط بشكل سلبي أو هامشي , مجرد وسيلة أو غريب أو معتدي و بكل تأكيد شيء يحتل مكانة ثانوية مقابل الإنسان العربي الذي يوجد في مركز الصورة و التحليل و العالم , أي كما يحضر المحكومون في تحليلات و خطابات الأنظمة العربية .. أولا هشام عجزت عن اكتشاف الرابط بين نقد السلطة و نقد الدين , إذا كان حكامنا أولاد ستين بسبعين , شو علاقة هذا بأن ننتقد أو لا ننتقد دين آبائنا و أجدادنا ؟ ما المانع من أن ننتقد كلاهما إذا كان كلاهما يستحقان النقد ؟ يفترض أن ننتقد كل ما يستحق أن ينتقد و أن لا شيء فوق النقد , يفترض أن يكون هذا دون مواقف مسبقة لا تجاه السلطة و لا الدين , لا الغرب و لا دين أجدادنا و لا تجاه أي شيء آخر .. أكيد إنك بتعرف إنو السلطة نفسها لم تنتقد الدين و لم تجعل من انتقاد الدين ايديولوجيا لها , مين بدك : القذافي , بشار و أبوه , السيسي , الخ الخ , إذا استثنينا بورقيبة و أتاتورك لم يؤسس أي حاكم هيمنته و حكمه على معاداة الدين ... سؤالي التالي هو إذا كنت بالفعل تعول هشام على ظهور مثقفين عرب على شاكلة لينين و فانون .. الأول سقطت تماثيله أو أسقطت وسط غضب أو لا مبالاة الجماهير و يتهم الآن هو و تلامذته بجرائم لا تقل فظاعة عن جرائم حكامنا و الآخر بشر بحرية و تحرر انتهى إلى مجموعة من الجنرالات يجلسون و يتنافسون على الكراسي , .. إذا هيك , لا تخاف هشام , بحب طمنك من معرفتي بالمعارضة السورية و المعارضات العربية أنها و كل شيء حوالينا ماشي بهالخط ..
هشام , بالنسبة لاحتقار المحلية المتخلفة و تمجيد الغرب المتقدم , فيك تحاول تخاطب الشباب و الأطفال و الرجال و النساء اللي عم يركبوا زوارق الموت للوصول إلى الغرب هاربين من محلياتهم المتخلفة و هم يفعلون ذلك ليس عبر المثقف المستغرب الحداثي بل عبر وسيط آخر .. لا أعرف على من ينطبق وصف الفردوس : الغرب أم محلياتنا لكن متل ما لك شايف إذا وجد مثقف يتحدث عن فردوس الغرب فهو ليس إلا واحدا من هذه الجماهير العريضة التي تسعى إلى الغرب بأي ثمن .. بل إن الأماكن الوحيدة التي يمكن أن نعتبرها بحسب تحليلك فردوسا للجماهير العربية حيث يمارس و يفرض فيها الدين أو التعبير الثقافي الشعبي المحلي , أي إمارتي ادلب و غزة , هذه الأماكن تعتمد اعتمادا كليا على التسول أو على المساعدات القادمة من الغرب الذي لا أعرف بماذا أصفه , بالاستعماري أم بالكافر , أم بما هو أسوأ بما لا يمكن تصوره أو تخيله , الما بعد حداثي , و العياذ بالله , أما الأموال التي أنفقت و تنفق للتبشير بهذا التعبير الثقافي الشعبي المحلي أي دين آبائنا و أجدادنا , السعودية في الماضي و القطرية اليوم , فإنها جاءت من بيع النفط الذي لا يمكن بكل أسف أن نعتبره منجزا حضاريا عربيا أو إسلاميا أو محليا و لا علاقة له لا من قريب و لا بعيد بالتعبير الثقافي الشعبي المحلي الأمثل .. أما أكثر بقاع العالم استقلالا اليوم عن ذلك الغرب , لينتبه الجميع و يأخذوا ساتر و يحذروا من هذا القادم : الما بعد حداثي , فهما إمارة طالبان حيث يفرض التعبير الثقافي الشعبي المحلي الأمثل على الجميع و تمنع أية مظاهر الاستغراب أو تقليد الغرب الكافر الاستعماري أو , و العياذ بالله , ما بعد الحداثي , و إمارة كيم جونغ أون حيث يمكن اتهام الرجل بأي شيء إلا أنه يعتمد شكلا اقتصاديا ثقافيا استغلاليا تابعا للغرب أو أن علاقات الإنتاج السائدة في ظل حكمه استغلالية أو تابعة للغرب الاستعماري و الما بعد ... و لا تنسى نظام الملالي في قم و طهران أما جيرانه الذين ينافسونه على بيع النفط و التبشير بالتعبير الثقافي الشعبي المحلي و الذين لا يقلون ورعا و تقوى عنه فهم من أقصاهم إلى أقصاهم مندمجون بالنظام الاقتصادي و السياسي العالمي حتى العظم
كم يمكن اعتبار أبو محمد المقدسي مثقفا فهذا ما لا أستطيع الإجابة عنه , و لا أستطيع أيضا أن أجيب عن سؤال كم كان تلميذه الزرقاوي مثقفا سياسيا .. ما يمكنني أن أقوله أن الرجل ليس بسوية سيد قطب الذي جاء إلى الإسلام السياسي من بدايات نصف علمانية ...
بالمناسبة أنا معك تماما و بالمطلق : أنا ضد فكرة المخلص , سواء كان علمانيا أو إسلاميا , ما بعتقد إنه حدا بيقدر و لا مهمته يحرر حدا .. كل من يقول و يزعم هذا يعني أنه ينظر إلى الجماهير أو الناس العاديين أو الشعوب الخ الخ على أنهم بحاجة إلى وصاية أو علاج لا يملكه إلا هو , مجرد ضحايا يلعب بهم , طبعا ضحايا للأنظمة و الغرب , عاجزين عن تحرير أنفسهم , مجرد أطفال أو معاقين أو مرضى نفسيين بحاجة لوصاية و توجيه من زعيم أو مخلص , أجنبي أو محلي ...
أخيرا إذا مضينا بتحليلك إلى نهايته المنطقية , فإن البديل عن الأنظمة القائمة هو أيضا دولة ما دام لا فاعل حقيقي في هذا العالم إلا الدول , لكنها دولة تقوم على إيديولوجيا و ممارسة تعتمد التعبير الثقافي الشعبي المحلي ألا و هو الدين و الدين عند الله الإسلام , لا أعرف إن كان هذا يمكن تسميته بالدولة الدينية أم لا , لكن اسمح لي أن أختلف معك أن هذه الدولة الدينية لم تقم حتى الآن , إنك بذلك تهين و تنكر جهاد آلاف مؤلفة من المجاهدين الإسلاميين و المسيحيين و سواهم منذ فجر التاريخ , آلاف محاكم التفتيش و المذابح و الحروب و الفتوح باسم السماء أو دين الآباء و الأجداد ... على الأقل المجاهدين في حماة و قندهار و تورابورا وصولا إلى العراق و بلاد الشام و الجزائر و ليبيا و الفلبين الخ الخ ...
حان الوقت الآن لأفول ما يهمني من هذا كله , إن كل ما سبق هو مجرد رأي , نقاش , لأنه يتعلق بمصير شعوب و لأني أعتقد أن من حق الشعوب و القبائل و ما يساويها أن تفعل ما تشاء في النهاية , تحاول العيش أو الانتحار , أن تسير إلى الأمام أو الوراء , أما أنا فسأفعل في كل الأحوال ما أعتقد به و لا يلزمني سوى ما يقر به عقلي و ما أريده .. لي ثورتي و لا يحق لأحد أن يفرض علي أي شيء لا باسم السلطة أو الدين أو أي ثقافة أو اية جماهير , للأسف عليهم أن يقنعوني أما كل من يريد أن يفرض علي ما يقرره هو فإنهم جميعا نفس الشيء , نفس المستبد , بالنسبة لي .. سأعترف لك أخيرا عما يهمني من هذا كله , إنهم فرق الاغتيال , المئات السود الذين يسعون وراء كل خارج على السائد ليذبحوه و يسحلوه , ذبح حلال هذه الأيام و على الطريقة الإسلامية .. أولئك الذين استمروا في ملاحقة سارة حجازي و نعيمة البزاز حتى بعد موتهما و رقصوا على جثتيهما مستمتعين بانتصارهم و انتصار التعبير الثقافي الشعبي المحلي , دين آبائهم و أجدادهم .. هشام : لم تكن سارة حجازي و لا نعيمة البزاز مثقفات حداثيات و لا مخلصات , كانتا إنسانتين عاشتا تناقضات واقعنا و عصرنا و انتماءاتنا المتناقضة و أصرتا على إنسانيتهما و حريتهما , لم تهربا إلى أوهام سهلة و لا خلاص قطيعي مزعوم بعد الموت في سبيل القطيع و لا رضختا لما هو سلطوي و قمعي في حياتنا و وعينا .. و لأنهما بلا ظهر سلطوي أو مخابراتي أو عشائري أو طائفي و وازن تم سحلهما و ذبحهما مرة تلو أخرى .. هشام , في هذا العالم ما يكفي من قتلة و من الذي يبررون مذابحهم و جرائمهم , كل ما أرجوه ألا يوجد في تحليلك ما يمكن أن يبرر تلك المذابح , ألا تكون إلى جانب الجلادين ... فقط

رابط مقال هشام البستاني
https://ar.qantara.de/content/%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%91%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D9%84%D9%8B%D8%A7-%D8%B9%D9%86-%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%91%D9%84%D8%B7%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%87%D8%A7%D8%B2%D9%8A%D9%91%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9%82%D9%91%D9%81-%D9%88%D8%B6%D8%B1%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8F%D9%81%D9%83%D9%91%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8F%D9%85%D9%8E%D8%A7%D8%B1%D8%B3