الأديب والمثقف الراحل نواف عبد حسن غوغل عصره وزمانه


شاكر فريد حسن
2020 / 9 / 23 - 12:06     

في الثالث والعشرين من أيلول العام 2003 فقدت الحركة الثقافية الفلسطينية أخي الأديب المثقف نواف عبد حسن، الذي أغمض عينيه للأبد، بعد أن داهمته على حين غرة جلطة دماغية حادة دخل على أثرها في غيبوبة، وبقي في المستشفى حتى لفظ أنفاسه الأخيرة تاركًا أوراقه وأسفاره النفيسة.
وهو كما وصفه صديقه ورفيق دربه الشاعر والأديب المرحوم فاروق مواسي" شخصية فذة في حافظته وسعة اطلاعه وفي آرائه المميزة".
نواف عبد حسن الكنعاني الرافض لكل التسويات والصارخ ضد رموز التطبيع والمطبعين، وضد شخوص المرحلة و"المثقفين النخبويين المزيفين".
هو الصدق الساطع إزاء الزيف، وهو الكرامة والموقف الوطني الجذري إزاء تحويل الخيانة إلى وجهة نظر.
وهو الفعل الثوري المقاوم والمرارة الرهيبة في حدتها ورفضها، وتمسكها برأيها.
إنه الفلسطيني الأصيل المعتز بانتمائه وهويته، والفقير الصابر الناقم الثوري، الذي حمل في قلبه الطيب كراهية للظلم والظالمين والجشع الرأسمالي الاستغلالي، بحجم العذاب الذي حمله.
ونواف هو المثقف المشتبك المشاكس، والقارئ النهم، والصوت النقي، وغوغل عصره وزمانه، الذي تمتع بالوعي الثاقب والمعرفة الفلسفية العميقة، مسلحًا بثقافة عميقة واسعة، ثقافة قرآنية وتوراتية وتراثية، الثقافة العقلانية التنويرية المضيئة.
كان حاد الطباع، وصاحب ذائقة أدبية متفردة ومميزة، لا يعجبه أي شيء، ولا أي عنوان من الكتب، بل كان يبحث في المكتبات عن الكتاب المختلف، الذي يزيده معرفة وثقافة أكثر، ويجذبه كالمغناطيس.
وكان محررًا ليس سهلًا، صعبًا للغاية، حادًا إلى أبعد الحدود، لمجلة " كنعان " التي كانت تصدر عن مركز إحياء التراث العربي في الطيبة، الذي كان يديره الإنسان الوطني المرحوم الأستاذ صالح برانسي، وأشتغل فيه فترة من الزمن، وفي الوقت نفسه كان بليطًا ماهرًا من الدرجة الأولى.
نواف عبد حسن مبدع وصاحب الكلمة الغاضبة الحادة غير المستهلكة، التي تتجلى في كتاباته الشعرية وفي افتتاحيات مجلة كنعان ومقدمات الكتب التي صدرت عن مركز إحياء التراث العربي.
نواف عبد حسن شكل مدرسة خاصة، لم يبحث لا عن وجاهات ولا جاهات، ولم يلهث وراء الميكروفونات والشهرة المزيفة الرخيصة، بل كان جنديًا مجهولًا في إثراء الثقافة الوطنية الفلسطينية المقاومة، ورجلًا استثنائيًا صاحب مواقف وطروحات مغايرة ومختلفة.
فطاب ثراه، وعاشت ذكراه، وسيبقى خالدًا في قلوب وأذهان ممن تبقى من أصدقائه ومعارفه ومجايليه من أهل الثقافة والفكر والأدب، الذي تأثروا بفقدانه وغيابه، فقد كان بالنسبة للكثيرين الموجه والناقد والناصح والمدقق اللغوي.