الصراع الرجعي على السلطة واسباب ضعف القوى الثورية


محمد علي الماوي
2020 / 9 / 20 - 13:44     

الجزء الاول))
تعيش تونس منذ سنوات تحت وطأة أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة كما يتبين من خلال تدهور اهم المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية وتفاقمت هذه الازمة مع جائحة كورونا والسياسات اللاوطنية للحكومات المتعاقبة بحيث واصلت هذه الحكومات في نفس الخيارات السابقة والتزمت كل الاطراف المكوّنة لها بتطبيق املاءات صندوق النقد مقابل القروض الممنوحة.
وقد نصّت هذه الاملاءات على مزيد تحرير الاقتصاد وتقليص دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي وتمحورت أساسا حول تجميد الاجور والتقليص في عدد المشتغلين في الوظيفة العمومية والتفويت في المؤسسات العمومية والغاء الدعم الى جانب توسيع دائرة الاعفاءات الجبائية والامتيازات المالية تحت غطاء تشجيع الاستثمار وتحريره خاصة في قطاع الطاقة والتخفيض في قيمة الدينار وتحرير القطاع المالي والبنكي...
فلا حديث اذا عن المطالب الشعبية التي رفعها شباب الانتفاضة واتضح للجميع ان الكتل الرجعية المتصارعة غير معنية بتحقيق الاستقلال الفعلي والنهوض بالصناعة الوطنية وتحقيق الاكتفاء الغذائي عبر القيام باصلاح زراعي جذري يجسّد شعار "الارض لمن يفلحها" والنهوض بالتعليم والصحة وتوفير الشغل والقضاء على البطالة وبالتالي الاستفادة من كل الطاقات المهمشة ...ان همها الوحيد هو التكالب على المناصب والبحث عن أشكال الإسترزاق السياسي والإنتهازي من اجل السيطرة الكلية على السلطة كما تبين ذلك خاصة بعد انتخابات 2019 وخلال تشكيل الحكومات(3 حكومات مابين اكتوبر 2019 واوت 2020)
1-تناحر رجعي غير مسبوق

اتت النهضة في الانتخابات التشريعية(2019) في المرتبة الاولى ب 584474 صوتا ويحق لها حسب الدستور تعيين رئيس حكومة مكلف باختيار وزرائه وقد عيّنت النهضة الحبيب الجملي(تقني سامي في الفلاحة-) لهذه المهمة وادعت انه مستقل في حين يعلم الجميع انه نهضاوي, كان كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة عن النهضة في حكومتي الجبالي وعلي العريض
لكن حكومة الجملي لم تنل الثقة وحسب الدستور يحق للرئيس تكليف شخصا آخر الاقدر على تشكيل الحكومة فاختار الرئيس الياس فخ-فاخ الذي ترشح للانتخابات الرئاسية وتحصل على 0,3 وحزبه التكتل لم ينل أي مقعد في البرلمان
-وبعد مشاورات آخر لحظة قبلت الكتل التالية لمنح الثقة :النهضة الاخوانية(54 مقعدا) والتيار الديمقراطي(22 مقعدا) وحركة الشعب (15 مقعدا) وتحيا تونس(حزب الشاهد رئيس الحكومة السابق14 مقعدا) ونداء تونس(3 مقاعد) وحزب البديل من كتلة الاصلاح(3 مقاعد) وبعض "المستقلين واجبرت هذه الكتل على دعم الحكومة تخوفا من حل البرلمان وامكانية اعادة الانتخابات التي قد تكون في غير صالحها. وهكذا نالت حكومة الفخ-فخ الثقة في 27 فيفري 2020 بعد الحصول على 129 صوتا فيما صوت 77 نائبا ضدها واصبح الحزب الدستوري الحر وائتلاف الكرامة وقلب تونس في المعارضة.
وبالرغم من ان النهضة متواجدة في الحكومة ب6 وزراء دون احتساب كتاب الدولة والمديرين العامين والولاة والمعتمدين الخ فانها لم تكتف بهذه المناصب بل تريد المزيد من التغوّل ولما رفض الفخ-فاخ تعيين مستشارين نهضاويين اصبحت النهضة تتصرّف ككتلة معارضة واصرت على تشريك شريكها قلب تونس(حزب المقرونة كما تقول) بتعلة توسيع الحزام السياسي دون اقصاء في اطار حكومة "الوحدة الوطنيةّ" وارتكزت على شبهة تضارب المصالح لدى الفخ-فاخ لتطرح سحب الثقة وتعيين نهضاوي من جديد غير ان قيس سعيد اجبر الفخ-فاخ على الاستقالة فاستقال الفخ-فاخ واقال وزراء النهضة وهكذا احتفظ سعيّد بحقه في تعيين شخصية ثانية وكالعادة عيّن شخصا من خارج القائمة المقترحة من الكتل البرلمانية فكّلف وزير الداخلية هشام المشيشي لتشكيل الحكومة واعلن هذا الاخير بعد المشاورات ان حكومته ستكون حكومة كفاءات غير متحزبة.
فازداد التناحر حدّة وتصدرت النهضة وقلب تونس حملة تشهير بقيس سعيد وهددا بعدم منحها الثقة وصرّح نبيل القروي المافيوزي (حزب المقرونة) " يجب على قيس سعيد أن يبقى عند صلاحياته، ولا ينتظر أن يتم التشاور معه… نحن مؤسسة دستورية والدستور يُخول لنا تنحية من نريد وتعيين من نريد.. سنمارس صلاحياتنا مع حلفائنا"
وبعد الصياح والعويل والتراشق بالتهم والتطاحن السياسي بدأت الجلسة البرلمانية بحضور 156 نائبا من أصل 217 وصوّت لفائدتها حركة النهضة الإخوانية (54 مقعدا)، وحليفها حزب قلب تونس (27 مقعدا)، وكتلة الإصلاح الوطني (16 مقعدا)، وكتلة تحيا تونس (10 مقاعد)، والكتلة الوطنية (11 مقعدا)، وكتلة المستقبل (9 مقاعد)،علما وان البعض من صوّت صرّح دون خجل انه منح صوته فقط دون منح ثقته وأكد القروي انه "سيعمل على سحب الثقة من وزراء السيادة المعيّنين من قبل مستشارة رئيس الجمهورية نادية عكاشة" وحسب التسريبات والكواليس فان منح الثقة لحكومة المشيشي تم مقابل التعهد بادخال تعديل وزاري في اقرب الاجال.
فهل سيخضع المشيشي للابتزاز وهل سينقلب على قيس سعيد كما فعل من قبله يوسف الشاهد مع السبسي وهل سيختار الاحتماء بالنهضة الاخوانية وحليفها لضمان الحزام السياسي ام سيلتزم بالحفاظ على حكومة كفاءات غير متحزبة؟ وفي الاثناء يظل قيس سعيد في قرطاج يغرّد خارج السرب ويكتفي بالخطب الشعبوية وبالتهديد والوعيد.
اصبح التناحر على اشده خاصة وان النهضة الاخوانية قد تعلن صراحة عن الجبهة المتشكلة منذ وجودها في الحكومة بحيث كانت لها ساق في الحكومة وساق في المعارضة وتتكون هذه الجبهة التي تحركها النهضة عند الحاجة من النهضة الاخوانية وقلب تونس المافيوزي وائتلاف الكرامة الداعشي وبعض الاتباع وقد صرّح احد النواب انه "تحالف الاشرار" وشكلت النهضة هذه الجبهة وتعمل على توسيعها حسب تصريحات بعض النواب من خلال تفكيك بعض الكتل باستعمال كل انواع الاغراءات من اجل ضمان موقع مريح في مكتب البرلمان استعدادا لانتخاب المحكمة الدستورية وسد الطريق امام اتباع قيس سعيّد في تأويل الدستور.وفي المقابل اعلنت الكتلة الديمقراطية انها بصدد تكوين جبهة تضم كل من امضى على عريضة سحب الثقة من الغنوشي(رئيس البرلمان)وبعض "المستقلين" مع استثناء الحزب الدستوري الحر الذي استفاد من هذا التناحر ليصبح الحزب الاول في استطلاعات الراي وهو حزب رجعي يدافع عن المخلوع بن علي الذي حكم البلاد بالحديد والنار.
ان هذه التحالفات المشبوهة (والجميع ينفي وجود تحالفات ويدعي انها مجرد تنسيق) تكشف حقيقة النفاق السياسي لكل الاطراف التي كانت بالامس القريب تتبادل التهم وتشوّه بعضها البعض الى حد الانحطاط الاخلاقي نجدها اليوم في تناغم وهو امر طبيعي لان الهدف المشترك والمصلحة واحدة, لاعلاقة لها بمصلحة الشعب والبلاد.وقد اثبتت هذه الاطراف الرجعية طوال السنوات الماضية ورغم وجودها في السلطة,اثبتت انها تعاملت مع مؤسسات الدولة كغنيمة غير مبالية بتدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية من جراء جشعها .

2- تدمير الاقتصاد وتفقير الشعب

ان الازمة (الاقتصادية والاجتماعية) ليست وليدة الظرف الراهن بل هي نتيجة مباشرة لخيارات اقتصادية واجتماعية ولنمط التنمية المعتمد في تونس منذ بروتكول 20 مارس الذي كرّس سياسة الارتهان لمصالح الرأسمال الاستعماري العالمي والحفاظ على مصالح الطبقات الطفيلية المرتبطة به.
ولم تحد الحكومات المتعاقبة بعد الانتفاضة عن هذه الخيارات اللاوطنية بحيث لايمكن الحديث عن صناعة وطنية متطورة لان الراسمال الوطني مقموع ومهمّش غير قادر على منافسة الدوائر الامبريالية التي تعتمد على شرائح عميلة لتمرير خططها الهيمنية ومحاصرة الراسمال الوطني في المهد وهكذا عوض دعم الراسمال الوطني لينهض بالصناعة والفلاحة... يقع توريد كل شيء تقريبا (في قطاع الصناعة والفلاحة )عن طريق السماسرة (البرجوازية الكمبرادورية والبيروقراطية) .
هذه هي في الحقيقة اسباب التخلف واسباب الازمات المتتالية التي تفاقمت بفعل طبيعة الحكومات الحالية التي اغرقت البلاد في الديون وفقرت ابناء الشعب وقد أوضح الخبير الإقتصادي عز الدين سعيدان، اليوم الخميس 16 جويلية 2020، "أن تونس تعيش حالياً واحدة من أكبر أزماتهما الإقتصادية والمالية والإجتماعية
وقال "أن الأزمة الإقتصادية كانت موجودة حتى قبل أزمة جائحة كورونا، ذلك أن نسبة النمو المسجلة خلال الثلاثي الأول من سنة 2019 كانت صفر، فيما بلغت -2 خلال الثلاثي الأول من سنة 2020 مشيراً في الآن ذاته إلى نسبة الإنكماش في النمو خلال هذه الفترة ستبلغ -10 بالمائة"(1)
وأبرز طوني فارهايجان(الممثل المقيم بالبنك الدولي) أن تونس "تتطلب دعما ماليا أكبر من الشركاء الماليين مما كان متوقعا وفق دراسة أخيرة للبنك مشيرا إلى أن الحكومة التونسية قدرت حاجياتها من التمويل الخارجي بنسبة 8.8 مليار دينار قبل أزمة جائحة كوفيد19 إلا أن البنك الدولي يتوقع حاجة تونس لتمويل أجنبي لايقل عن 12.4 مليار دينار أي بارتفاع بنسبة 50 % عما قدرته السلطات التونسية وذلك اثر دراسة البنك لتداعيات الجائحة على القطاع الاقتصادي في تونس".وبذلك ظلت نسبة المديونية في ارتفاع مستمر 60 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي، نتيجة للهبوط الحاد في النمو وتدهور رصيد المالية العامة الأولي بسبب انخفاض الإيرادات وتأثير إجراءات التصدي للأزمة. "فمن المتوقع أن يصل الدين العام والخارجي في عام 2020 إلى 89% و 110% من إجمالي الناتج المحلي"(1)
اما على الصعيد الاجتماعي فقد ادى التضخم المتسارع وارتفاع الاسعار الى تدهور المقدرة الشرائية بالإضافة الى استفحال البطالة لتتجاوز حسب المعطيات الرسمية نسبة 20 % وتوسع دائرة الفقر والتهميش الطبقي والجهوي. وهو ما يفسر تزايد ظاهرة العنف والانتحار والهجرة غير النظامية والاحتجاجات الاجتماعية وتوسع دائرتها لتشمل شرائح اجتماعية متعددة وهو ما يعني توسع دائرة الرفض للخيارات الاقتصادية والاجتماعية التي جوّعت كل الفئات الاجتماعية وفي هذا الاطار بلغ التداين الاسري 32 بالمائة باعتبار الدخل القومي الإجمالي المتاح للأسر، وفق الكاتب العام للمرصد التونسي للخدمات المالية وأفاد تقرير لـ«سيغما كونساي» للإحصائيات، أن 88 بالمائة من التونسيين يعتبرون أجورهم لا تكفي حاجيات العائلة الواحدة لشهر كامل، في «مؤشر خطير على تآكل الطّبقة الوسطى وانهيارها» و
54 بالمائة يعتبرون أنّ الهوة بين الطبقات الاجتماعية توسعت أكثر بعد سنة 2011"
وقرابة 60 بالمائة من التونسيين متداينون لدى البنوك و80 بالمائة يتمثلون الأزمة الاقتصادية في ارتفاع نسبة التضخم في قطاع المواد الغذائية".
وقد ادى هذا الوضع الى رفض شعبي جسّدته العديد من الاحتجاجات فحسب المرصد(3) الاجتماعي التونسي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فان البلاد "شهدت 934 تحركا خلال شهر جوان و798 تحركا في شهر جويلية حصل اكثر من نصفها في الحوض المنجمي وكانت في شكل اعتصامات تسببت في حالة شلل كلي لمواقع انتاج الفسفاط وايقاف الوسق نحو معامل المجمع الكميائي وتأتي القيروان في المرتبة الثانية ب103 تحركا ثم ولاية تونس(79) والقصرين(66) وسيدي بوزيد(51) وتوزر (50) وتطاوين(48) اين ارتبطت التحركات باتفاق الكامور الذي يعود الى سنة 2017 ولم يقع تنفيذه من قبل الحكومات المتعاقبة.

ومثلت الاحتجاجات العشوائية والعفوية اكثر من 68 بالمائة وهو ما يؤكد احتقان الوضع الاجتماعي وعدم القدرة على تأطيره في صورة انفجاره وقد نظمت هذه الاحتجاجات في الطرقات(30) بالمائة والمستشفيات (13) بالمائة ومقرات الولاية (11,5بالمائة,) وبرز العاطلون في تأطير التحركات بنسبة 39 بالمائة ثم العمال 32 بالمائة وعمال الحظائر 8 بالمائة...(المرصد الاجتماعي 3)

يتضح حسب الوضع المشهود ان الاحزاب الحاكمة باعت الاوهام للشعب واثرت على حسابه فانكشف نفاقها وسقط القناع عن الشعارات التي تزايد بها مثل "الوطنية والديمقراطية والانتقال الديمقراطيي والحوار الوطني ومصلحة البلاد العليا" الخ من الهراء التي تواصل عبثا في تسويقه. وفي ظل تدهور اوضاع الجماهير على كل المستويات تبقى القوى الثورية عاجزة على الفعل في الواقع وغير قادرة على الاستفادة من تناقضات الرجعية وصراعها المحموم على السلطة.
(الجزء الثاني:اسباب ضعف القوى الثورية -يتبع)

هوامش

(1-موقع موزاييك اف ام- شهر جويلية 2020
(المرجع السابق)
تراجع احتياطي تونس من العملة الصعبة إلى 140يوم توريد أي ما يعادل 21248 مليون دينار الى حدود يوم أمس غرة سبتمبر الجاري وفق ما نشره البنك المركزي على موقعه الرسمي
(2)تراجع الانتاج الصناعي خلال الثلاثي الثاني من 2020 بشكل ملحوظ في حدود 18،2 بالمائة مقارنة بالثلاثي ذاته من 2019، وفق مؤشرات نشرها المعهد الوطني للإحصاء.
-تراجع النشاط الاقتصادي ب30 بالمائة
mosaique 17 اوت 2020 16:41


سجل الميزان التجاري الغذائي إلى موفى شهر جويلية 2020 عجزا بلغ 4ر222 مليون دينار غير انه تراجع بما يقدر ب9ر578 مليون دينار مقارنة بالشهر نفسه لسنة 2019 وفق اخر احصائيات المرصد الوطني للفلاحة
"أعلن وزير المالية نزار يعيش في تصريح لموزاييك الثلاثاء 13 جويلية الجارين نتنازل عن أربع محاور مترابطة في تفاوضنا مع الصندوق
"وأبرز أنه تم الاتفاق حاليا مع صندوق النقد الدولي على برنامج الحكومة التونسية لفترة 4 سنوات القادمة "

3)المرصد الاجتماعي التونسي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية-شهر جويلية 2020
7سبتمبر2020