العراق و-غابة رايكن-


جاسم ألصفار
2020 / 9 / 19 - 16:05     

العراق و"غابة رايكن"...
في عرض فكاهي معبر روى الممثل الكوميدي السوفيتي المعروف أركادي رايكن، في سبعينات القرن الماضي، أن في غابة ما، أعلن عن وظيفة شاغرة لأرنب، وكان من بين المتقدمين لإشغال هذه الوظيفة دب عاطل عن العمل. وبعد التدقيق في أوراق المتقدمين للعمل تختار إدارة الغابة الدب لإشغال وظيفة ارنب في الغابة لقاء مرتب يتناسب والوظيفة التي يشغلها.
باشر الدب عمله في الغابة على انه ارنب، منجزا جميع الواجبات الموكلة اليه حتى وان اضطر لتنفيذها بذل جهد لا يقوى عليه الارنب، راضيا بأن يستلم لقاء ذلك مرتب ارنب. هكذا استمر الحال الى أن علم الدب في يوم من الأيام، أن في مكان ما في الغابة، يعمل أرنب تم تعيينه بوظيفة دب، ويستلم لقاء عمله مرتب دب.
إثر اكتشاف الدب لتلك المفارقة، قرر أن يشتكي عند إدارة الغابة طالبا تحقيق العدالة. وبناء على الشكوى التي تقدم بها الدب، شكلت إدارة الغابة لجنة تحقيق للنظر في الشكوى. فاستدعت لجنة التحقيق، المكونة من ثلاثة اسود، كل من الدب والارنب للفصل في موضوع الشكوى المقدمة من الدب.
سأل المحققون الارنب عن هويته فعرض عليهم عقدا للعمل يؤكد بانه دب، فالتفت المحققون للدب مبينين له ان الوثائق التي بحوزة الارنب تثبت انه دب، وان على الدب بنفس الطريقة ان يثبت أنه دبا. هنا ارتبك الدب وسقطت حجته فهو لا يملك سوى وثيقة مصدقة من إدارة الغابة تثبت انه ارنب.
انتهت القضية بان يتراجع الدب عن شكواه ويرضى بمصيره مستمرا على العمل بصفة ارنب. خاصة بعد أن علم فيما بعد أن الأسود الثلاثة الذين نظروا في قضيته يملكون وثائق من إدارة الغابة تثبت انهم معينون في وظيفتهم كحمير.
ما اشبه "غابة رايكن" بعراقنا في سنواته العجاف الأولى حقبة البعث التي طغت فيها المراكز الحزبية على المؤهلات والخبرة في العديد من المواقع الحساسة للدولة آنذاك، قبل ان يصبح هذا النهج وباء يكبل الدولة العراقية ويهدم أسس تطورها بعد 2003 حيث أصبحت المحسوبية والمنسوبية والفساد نتاجات أساسية لنظام الدولة القائم على المحاصصة الاثنية والطائفية والحزبية.
وبالتالي، فبعد 17 عاما من إدارة البلاد من قبل الأحزاب المهيمنة على الدولة بفضل نظام المحاصصة، ترسخت قواعد واعراف الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة عموديا وافقيا، الى ان انتجت دولة فاشلة بكل المعايير الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
لذا، حازت القرارات الاخيرة التي اتخذها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بتعيين شخصيات معروفة، ولو بدرجات مختلفة، لتبوء مناصب حساسة في قمة هرم السلطة، على اهتمام الوسط السياسي في العراق. ومن الطبيعي ان لا يكون الموقف موحدا من هذه التعيينات حتى في صفوف القوى المنتقدة لنظام المحاصصة الاثنية والطائفية والحزبية، رغم إشارة الكاظمي الى ان التعيينات الأخيرة لم تكن وفقا لقواعد واعراف نظام المحاصصة.
وعلى أي حال فلكي تكون هذه القرارات جزء من عملية اصلاح اداري وسياسي لأجهزة ومؤسسات الدولة و"لوضع عربة الإصلاحات على السكة السليمة وتوفير أدوات الإصلاح"، كما قال الكاظمي في لقائه مع وفد الحزب الشيوعي العراقي، يجب تحقيق، او السعي لتحقيق ثلاثة شروط، الأول هو ان تكون الشخصيات التي جرى اختيارها لتبوء تلك المناصب من ذوي المؤهلات والخبرة ومن غير المتورطين في الفساد. فهل يحق لنا ان نتفاءل عند مراجعتنا لأسماء من جرى تعيينهم من تحقق هذا الشرط؟
أما الشرط الثاني، فهو عدم التوقف في عملية اصلاح الجهاز الإداري للدولة عند حدود الدرجات الخاصة، فالإصلاح يجب ان يكون افقيا وعموديا بعد ان استشرى الفساد في مؤسسات الدولة من قمتها حتى قاعدتها. الشرط الثالث، هو الكشف عن الفضائيين في أجهزة ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية إضافة الى القوات الرديفة التي تعتمد في تمويلها على خزانة الدولة، ولكي نكون واقعيين فان تحقيق الشرطين الأخيرين يتوقفان على تحقيق الشرط الأول بكفاءة عالية.