رواية نضال الصالح -خبر عاجل- قدود حلبية بعد رماد ولهب


ناصر عطاالله
2020 / 9 / 15 - 19:23     

في " خبر عاجل" للأديب السوري المحترم الدكتور نضال الصالح، تتجلى اللغة بأبهى صورها، تأخذ المعنى على قسوة ما حملته الأحداث السوداوية، في محافظة حلب وريفها، إلى تجليات غير فوضوية، تدخل مساراتها بكل عناية وذكاء، تضع القاريء أمام كنوز نظيفة من العتمة المتكهفة، وغبار الدس والاختباءات الملوثة، تجليات واضحة تحافظ على نسق الإبداع المزهر، في بساتين الكلمة، مع تنقلات حيوية في ممرات واسعة للمعاني المستهدفة.
من "حبس الدم" للأديب نفسه، إلى " خبر عاجل" حلب تتوج مملكة فاضلة رغم تشقق يديها بدماء داكنة، ذبحتهما سكاكين جاهلة أو مستعربة الجهالة، استنقلها اللثام وما أخفته وجوه الإجرام، حلب المؤنسة، والطرية بطبع أهلها، تقشرت في " خبر عاجل" على غير مستوى، ومن أكثر من جهة، ليعري ساقيها الدمار، وتنكشف جيوبها عن جروح غلاظ، لم يكن أنينها المهموس في بركة الدم الواسعة من خوفٍ، أو جبن، بل لكبرياء مستحق في التاريخ والعراقة والجمال، حاول الصالح أن يبقي حلب بيت الشعراء الكبار والمبدعين العظام والمفكرين النوابغ، في زمانها البهي ذاك ليطبب رداءة زمانها الواقع، ليس مكابرة ما فعل، لكنها محاولة مبدعة لأن حلب لم تنهزم في زمن أكثر رداءة وانحطاطًا، ولا في زمن الزلازل والمؤامرات العميقة، وحق له ما فعل لأن وحل الحرب إلى منتهاه العدمي، وحلب إلى عرشها العلي.
وبقدر ما راقت لي روايته" حبس الدم" بحبكاتها و صفاء لغتها، وجديدها الفني المتقن، راقت لي روايته" خبر عاجل" إلا أن غصة شديدة اصطدمت بها وكنت على صهوة حصان جامح الغدوة، وإذ بي أسقط بسبب حصوة تشبه دودة منسأة سليمان النبيّ، لتراني بين اثنتين في حالتي، كفلسطيني يعشق سوريا، ويقينًا حلب بيت العشق، عندما اتهم الدكتور هشام الفلسطينيين دون غيرهم من البشر الذين شاركوا في سفك دم العروس، في صناعة مأساة هذا البلد السامي، انتقاء يد مجرمة لتحمل دم الضحية وحدها رغم أن القتلى كثر؛ صعقة ما استحكمت من غير بيان، ورغم ما استحضرته من مبررات وأعذار و حجج وتمنطق الحقيقة في الشهادة، إلا أن عقلي لم يستوعب إفراد الفلسطيني على قميص حلب المخضب بالدماء والأشلاء وحده، دون أن اُدين اليد المجرمة من المنحرفين فلسطينيًا كغيرهم من الساقطين في اللحظة الرمل، والإظهار لهوية مجرم وتعميمها على حواجز العقل للتفتيش، كانت الغصة، من غير مغالاة حد براءة القاتل من جريمته، ولكن لماذا لم تُذكر باقي الجنسيات والنحل والملل والأعراق والأصول والطوائف والأقاليم وأصحاب العصب السوداء، والشعارات الدامية وتفضح هوياتها؟! لماذا الفلسطيني وحده الذي ذكر؟!.
الدكتور هشام وهو وأحد أبطال الرواية مثّل مركزًا محوريُا مع الضابط أحمد ابن حلب، والأعلام في " خبر عاجل" على قلتها أغنت العمل وملأت عين الأحداث، ولو فار تنور النهايات لعرفنا مصائر أبقاها الكاتب مجهولة، وكأنّه يقول لنا أن هناك ما سيكون قريبًا له صلة بخبر عاجل.
أبارك للأديب العربي الدكتور Nidal Saleh نضال الصالح هذا المنجز المبدع، متمنيًا له المزيد من العطاء والرقي، ومؤكدًا له أن فلسطين وسوريا كالقدس ودمشق، كالبهاء وحلب لا يفترقون مهما طغت واستحكمت حلقاتها.