البعد السايكلوجي للمشاعر القوميه ..ج5


ليث الجادر
2020 / 9 / 15 - 03:23     

الحقيقة التي لامفر منها , هي لولا ظهور المجتمع الطبقي لما كان الانسان اليوم قد احتل مكانته القويه المتعاليه على وجه هذا الكوكب ولما كان اصلا قد حافظ على وجوده كنوع متميز صامد بوجه الطبيعه الصارمه , ونحن اذ نتحد جميعا ولكن بدرجات في سبيل تخفيف وطئه الطبقيه الحاضره ويلتزم البعض الاخر منا موقف العداء لها , فاننا وبكلنا لايمكن ان ننكر عقليا دور الطبقيون في وضع عجله تاريخنا على مسار قاطرة انتصار الانسان على الموضوعات المهلكه التي كانت تواجهنا بها الطبيعه وخطوط دفاعاتنا الضئيله والقليله الحظوظ في الصمود امام اخطارها , الموقف العقلي هنا فقط يعبر عن ان المجتمع الطبقي والنظام الذي يتأطر به بات مستهلك المنفعه بفعل اكتمال الشروط الواقعيه الماديه التي حققتها الطبقيه في مجرى حاجة الوجود الانساني لها , هذه هي الجرأه التي طالما افتقدها من هم مقتنعون واثقين بالماديه الجدليه ولطالما جعلهم هذا الافتقاد يعبرون عن ارادتهم بنزعه تشوبها العاطفه التي تلطخ مواقفهم المبدئيه والسياسيه بلطخ مثاليه مهزوزه , لكن اليس من الواضح ان هذه الحقيقيه اللامفر منها انما هي منبثقه من وحدانيه نهائيه للكينونه الانسانيه باعتبارها (عقلا) وبالتحديد (منطقا عقليا ) حيث تتحول صورة الوجود الى معادلات رياضيه وجدليات تتجاوز وبصوره نهائيه ما يسمى بالجوهر الانساني وطبيعة الانسان التي تجاوزت مرحله الحيوان ..و تجاوزت العاطفه الفسيولوجيه وتراكمت في مستوى المشاعر , ان هذه المشاعر وليس العقل هو ما يجعل الانسان كائنا غير نمطي وهذه هي الخصيصه التي يمتاز بها الوجود الانساني عن باقي الوجودات , كما ان الاحكام العقليه لم تثبت سيادتها على الوجود الانساني ذاته والا فان اليقين المؤكد بحتم الفناء كان لايمكن ان يصوغ وجودنا الا على العبث واللامبالاة والياس , بينما ما حدث ويحدث ان الاحساس بالواقع وتفاعلاته كان له الغلبه المطلقه والتي وضعت تلك الحقيقه المطلقه على ادراج النسيان , تحسس الواقع والتفاعل معه هو جوهر الانسان وما تبقى من احكام العقل تحولت الى مطيه للمشاعر في اليه اشبه ما تكون بالبراغماتيه , ان فرض الحصار الصارم على يقينية الاحكام العقليه هي أليه لايفلت منها الا العدميون اللذين فقدوا حتى حاسة التذوق , وقد يكون المنتحرون والقتله العتاد نموذجا معقولا لهم , فالعقل حينما ينفلت عن المشاعر والتحسس المتفاعل مع الواقع ينتج ماهو غير عقلاني , فبحكم العقل النهائي المجرد وباحتساب الزمن الكوني ومقارنة اعمارنا بتوقيتاته , سنجد اننا موجودون في اللاوجود , والمؤمنون منا بوجود اله سماوي سيجدوننا اننا غير موجودين بالنسبه للرب , فكيف يتعامل الموجود مع اللاموجود ؟ لكننا نستطيع ان نتلمس حقيقة غياب مثل هذا الاستنتاج المنطقي وتهافته امام الاحساس بالواقع ..بل نجد ان المشاعر صاغت طرحها الخاص ونفت ان يكون هناك شيئا اسمه اللاوجود !! ان الموت وحتم الفناء واللاوجود انما هي احكام عقليه مقموعه بالمشاعر في العقل , وهكذا تصبح المشاعر اولا والوعي ثانيا , ووحدها الممارسه العمليه التي توفر حوافز الاستشعار وتزيد من فعاليه التحسس قادره على توطين العلاقه المتوازنه بين المشاعر وبين الوعي او الفكره , والفكر حينما يؤسر بالمنطق العقلي بمعنى التخلي عن المشاعر وتجاهلها انما يبقى اسير ذات العقل الذي يحمله , وهكذا فعلت وعلى ما يزيد من قرن النخب المثقفه بالماركسيه , اؤلئك اللذين دئبوا على تشذيب الفكره الماركسيه من حضور المشاعر او انهم ادعوا بانهم قادرون على تتبع النسب المادي الخالص والنقي لمفردات وجودنا وبالتالي فانهم التزموا بالنص التابو وحاصروا الفكره بالترجمه النصيه وبالتفسيرات المدرسيه الخاليه من اي منفذ للمشاعر فقالوا باحتكار البروليتاريا للثوره وفرضوا انتاج فائض القيمه بقالبه النصي كشرط حتمي لاناطه الدور الثوري الى الطبقه العامله وربطوا مصير الثوره بصيغ مجرده وتافه لمعادلة العلاقه بين علاقات الانتاج وقوى الانتاج المتناقضه وراهنوا على حتمية بلوغها حاله التناحر , وبهذا لم ينقطعوا عن الواقع فقط بل انهم نجحوا في عزل الثوره عن فرصة استقدامها , متناسين ان ماركس ذاته بدأ ثوريا متحسس بالتمرد على الواقع قبل ان يكون شيوعيا ماركسيا , والحقيقه ان الماركسيه خارج محيط المراكز الراسماليه انما محض ذريعه ثوريه ان لم تعيد دراسة انعكاسات حركه راسمال في المراكز على مجتمعات الاطراف وفق مبدأ وحدة المتناقضات وتفاوت التطور , وهذا يرتبط فيما يرتبط به بوجوب تقييم المشاعر الوطنيه او القوميه ودورها في صياغة الاسلوب الثوري .