بصدد عدم وجود فرق نوعي بين الإشتراكيّة والشيوعيّة- مقتطف 4 من - تعميقا لدحض أهمّ ترّهات حزب العمّال التونسي الخوجيّة الواردة في- الماوية معادية للشيوعية - - الجزء الثاني من الكتاب الأوّل من ثلاثيّة - حفريّات في الخطّ الإيديولوجي والسياسي التحريفي و الإصلاحي لحزب العمّال [ البرجوازي ] التونسي -


ناظم الماوي
2020 / 9 / 14 - 11:29     

لا حركة شيوعية ثورية دون ماوية !
و الروح الثوريّة للماوية المطوَّرة اليوم هي الخلاصة الجديدة للشيوعيّة – الشيوعيّة الجديدة
( عدد 38 - 39 / أفريل 2020 )
ناظم الماوي

ملاحظة : الثلاثيّة بأكملها متوفّرة للتنزيل بنسخة بى دى أف من مكتبة الحوار المتمدّن .

تعميقا لدحض أهمّ ترّهات حزب العمّال التونسي الخوجيّة الواردة في" الماوية معادية للشيوعية "

------------

(4)

دحض الترّهات الخوجيّة بصدد عدم وجود فرق نوعي بين الإشتراكيّة والشيوعيّة


" إنّ الشيوعيّة هي نظام كامل للإيديولوجيا البروليتاريّة وهي فى نفس الوقت نظام إجتماعي جديد . هذا النظام الإيديولوجي و الإجتماعي يختلف عن أيّ نظام إيديولوجي و إجتماعي آخر ، وهو أكثر النظم كمالا و تقدميّة و ثوريّة و منطقيّة فى التاريخ الإنساني " .

( ماو تسى تونغ ، " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد 2 ، الصفحة 503)
-----------------------

" إنّكم تقومون بالثورة الاشتراكيّة و بعدُ لا تعرفون أين توجد البرجوازيّة . إنّها بالضبط داخل الحزب الشيوعي - أولئك فى السلطة أتباع الطريق الرأسمالي ."

(ماوتسى تونغ ، سنة 1976 )
------------------------

عندما ظهرت البرجوازية الرأسماليّة إلى مسرح التاريخ ظهرت معها نقيضتها و حفّارة قبرها البروليتاريا و مع دخول البروليتاريا معترك الصراع الطبقي نشأت الإشتراكيّة . فكان الإشتراكيّون الطوباويّون يعتقدون أن بمجرد الإطاحة بالدولة الرأسمالية يمكن إرساء نظام إشتراكي / شيوعي ( لا فرق لديهم ) بيد أنّ الماركسيّة و قد إعتمت العلم كأساس لها مطوّرة الإشتراكيّة العلمية و الفلسفة و الإقتصاد السياسي ، مكوّناتها الثلاثة ، أكّدت لا سيما إثر كمونة باريس التى تعدّ أوّل تجربة سلطة بروليتارية فى التاريخ ، أنّ للشيوعية مرحلتان مرحلة سفلى و و مرحلة عليا و سمّت الأولى إشتراكيّة و الثانية شيوعية .

و فى صفوف الحركة الشيوعيّة العالميّة ، و بالأساس منذ الخمسينات ، خيضت صراعات عدّة تمحورت حول فهم المرحلتين و فهم المجتمع الإشتراكي فكان البعض يرى أنّ الإشتراكية تختلف فى " الدرجة " عن الشيوعية و كان آخرون يشدّدون على أنّ الفرق نوعي و ليس فرقا فى الدرجة فقط . و دافع التحريفيّون المعاصرون و الخوجيّون عن الرأي الأوّل و الإختلاف فى الدرجة ( دمجهم لمرحلتي الشيوعية فى مرحلة واحدة يذكرنا بشطحتهم التروتسكيّة ودمجهم الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية والثورة الإشتراكية فى مرحلة واحدة أيضا ) بينما دافع الشيوعيّون الماويون عن الرأي الثاني و الفرق النوعي بين الإشتراكية و الشيوعية كحقيقة ماديّة موضوعيّة لا غبار عليها .

و فى هذا الباب سندحض الدعاوى التحريفيّة المعاصرة و الخوجيّة الدغمائيّة التحريفية وسنبيّن كيف أنّ الماويّة بهذا الشأن أيضا هي التى تجسّد علم الثورة البروليتارية العالمية المتطوّر أبدا .

1- ملاحظات تمهيدية :

كتب أنور خوجا فى إطار نقاش الأفكار الجدليّة لماو تسى تونغ :

" هكذا لا يرى الثورة الإشتراكية كتغيير نوعي للمجتمع ينتج عنه محو الطبقات المتناقضة و إضطهاد و إستغلال الإنسان للإنسان ، لكن يتصوّرها كتبديل مواقع بين البرجوازية و البروليتاريا . لشرح هذا " الإختراع " كتب ماو :
" إذا لم يمكن تحوّل البرجوازية و البروليتاريا الواحدة إلى الأخرى ، كيف تفسّرون كون البروليتاريا تصبح عبر الثورة البروليتارية طبقة مهيمنة و تصبح البرجوازية طبقة مهيمن عليها ... نحن و كومنتنغ تشان كاي تشاك فى تناقض كلّي . تبعا لصراع و تنافر مظهري التناقض غيّرنا مواقعنا مع الكومنتنغ..."

و إستطرد خوجا مضيفا :

" هذا المنطق ذاته قاد ماو تسى تونغ أيضا إلى مراجعة النظرية الماركسية – اللينينية حول مرحلتي المجتمع الشيوعي ." إن الجدلية ترى أن النظام الإشتراكي كظاهرة تاريخية سوف يزول يوما . تماما مثلما الإنسان حتما سيموت و أنّ النظام الشيوعي سيكون نفيه . كيف يمكن لنا أن نعتبر ماركسيّة الفكرة القائلة إنّ النظام الإشتراكي و علاقات الإنتاج و البنية الفوقيّة الإشتراكيّة سوف لن تزول ؟ ألا يعد هذا الزعم دغمائية دينية كاللاهوتيّة التى تدعو إلى خلود الله ؟ " هكذا مراجعا بوضوح المفهوم الماركسي - اللينيني للإشتراكية و الشيوعية التى هي أساسا مرحلتين من نوع واحد ، من نظام إقتصادي إجتماعي واحد و لا يختلفان إلاّ فى درجة تطوّرهما و نضجهما ، يقدّم ماوتسى تونغ الإشتراكية على أنّها شيئا مناقضا تماما للشيوعية ."

(الصفحات 438 و 439 من " الإمبريالية و الثورة " ، الطبعة الفرنسيّة ) . وهي أفكار خوجيّة سينقلها بجلاء و يلوكها الناهلون من منبعه بصورة مفضوحة أو متستّرة و نقصد محمّد الكيلانى في " الماويّة معادية للشيوعيّة " و أصحاب " هل يمكن إعتبار ماو تسى تونغ ماركسيّا – لينينيّا ؟ " . و هنا ننحو إلى التفاعل مباشرة مع معلّم الخوجيين دون سواه ، و ليس مع تلامذته و الناقلين عليه ، لأنّه في آن معا المنبع و الأوضح في طرح الأفكار بهذا المضمار .)

هذا الذى ورد على لسان أنور خوجا يستدعى منّا بداية و بعجالة ملاحظتين إثنتين :

1- رأي خوجا هو أنّ " الثورة الإشتراكية كتغيير نوعي للمجتمع ينتج عنه محو الطبقات المتناقضة وإضطهاد و إستغلال الإنسان للإنسان ". و هذا يجانب الحقيقة فالثورة الإشتراكية فى روسيا مثلا أفرزت مجتمعا إشتراكيا و سلطة دكتاتورية البروليتاريا التى تمارس على البرجوازية بالأساس و بالتالي لم تمح الطبقات المتناقضة و إلاّ فليفسروا لنا لماذا دكتاتوريّة البروليتاريا ؟ هل تمارس على الطبقات غير المتناقضة و المتناحرة ؟

لقد قال ماوتسى تونغ و قد درس التجربة السوفياتية لدكتاتورية البروليتاريا و خاض ما خاض من صراعات طبقيّة و صراعات خطّين داخل الحزب فى الصين الإشتراكيّة ، قال سنة 1974 : " لماذا تحدّث لينين عن ممارسة الدكتاتوريّة على البرجوازية ؟ من الضروري أن تكون هذه المسألة واضحة . فغياب الوضوح بهذا الصدد يؤدّى إلى التحريفيّة " .


ثم ماذا يبقى للمرحلة الشيوعية العليا إذا كانت الطبقات المتناقضة إمّحت فى ظلّ الإشتراكيّة نتيجة الثورة الإشتراكيّة ؟ أو بصيغة أخرى لماذا ميّز إذا ماركس المرحلة السفلى عن المرحلة العليا و على أيّ أساس ؟

بالتأكيد نلمس هنا كيف أنّ موقف الخوجيّين يلتقى تماما مع موقف الإشتراكيّين الطوباويّين .

2- جريا على عادة الخوجيّين الإنتهازية فى إستعمال الإستشهادات ، يحذف خوجا جزءا من الفقرة الأولى لماو ممّا يستوجب علينا ، لنعطي كلّ ذى حقّ حقّه ، أن نقدّم الجملة كما صاغها ماو تسى تونغ . ذكر خوجا " تبعا لصراع و تنافر مظهري التناقض ،غيّرنا موقعنا مع الكومنتنغ " و لم يذكر قبل " نحن..." أي " لنأخذ مثالا "و لم يذكر بعد " مع الكومنتنغ " : " من قوّة مهيمِنة تحوّل الكومنتنغ إلى قوّة مهيمَن عليها و من قوّة مهيمَن عليها صرنا القوّة المهيمنَة " .

و لسائل أن يسأل لماذا هذه الإنتهازيّة ؟ لماذا هذا التزوير المتعمّد لكلام ماو ؟ و الجواب بسيط هو أنّ ماو تسى تونغ يعطى مثالا تاريخيّا ملموسا لتغيير علاقة الهيمنة بين مظهري التناقض و الدغمائيّون التحريفيون لا يطيقون التحليل الملموس للواقع الملموس لأنّه يسفّه أحلامهم و يخيّرون الإنطلاق فى شطحات مثاليّة لا تنتهى . ذلك أنّ تغيّر علاقة الهيمنة الطبقيّة على المستوى الإجتماعي و السياسي و الإقتصادي و الثقافي يعنى تغيّر النظام الإقتصادي الإجتماعي فحيث تهيمن البرجوازيّة تفرض طبعا الرأسماليّة و حيث تهيمن البروليتاريا تفرض الإشتراكيّة كنظام إقتصادي إجتماعي إنتقالي و دكتاتورية البروليتاريا كشكل للسلطة يمتدّ على طول المرحلة الإنتقاليّة من الرأسماليّة إلى الشيوعيّة .

" طبيعة الشيء يقرّرها بالدرجة الأولى الطرف الرئيسي للتناقض ، الذى يحتلّ مركز السيطرة . و عندما يطرأ تبدّل على الطرف الرئيسي للتناقض ، الذى يحتلّ مركز السيطرة فإنّ طبيعة الشيء تتبدّل تبعا لذلك...

البروليتاريا التى تفوق البرجوازية كثيرا فى عددها ، و التى نمت مع البرجوازية فى وقت واحد ، لكنّها تقع تحت سيطرتها ، فهي قوّة جديدة ، تنمو وتزداد قوّة بصورة تدريجيّة، بعد أن كانت تشغل فى البدء مركز التابع للبرجوازية، فتصير طبقة مستقلّة تلعب دورا قياديّا فى التاريخ ، حتّى تستولى فى النهاية على السلطة السياسيّة فتصبح الطبقة الحاكمة . و عندئذ تتبدّل طبيعة المجتمع فيتحوّل من المجتمع الراسمالي القديم إلى المجتمع الإشتراكي الجديد ."

(ماو تسى تونغ ،" فى التناقض " المجلّد 1 من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، الصفحة 484-485 ؛ التسطير منّا )

و بهذا يكون ماو تسى تونغ قد طبّق الماديّة الجدليّة على فهم التحوّل من الرأسماليّة إلى الإشتراكيّة بإعتباره تحوّلا نوعيّا وطوّرها بصورة خلاّقة إعتمادا على التحليل الملموس للواقع الملموس و على الفهم اللينيني للديالكتيك :

" لقد قال لينين : " إن الديالكتيك هو النظرية التى تدرس كيف يمكن لضدّين أن يكونا متّحدين ، و كيف يصيران متّحدين ( يتبدلان فيصيران متّحدين ) – فى أيّة ظروف يكونان متّحدين ، و يتحوّل أحدهما إلى نقيضه – و لماذا ينبغى للفكر الإنساني ألاّ ينظر إلى هذين الضدّين كشيئين ميّتين جامدين ، بل كشيئين حيّين مشروطين قابلين للتبدّل و لتحوّل أحدهما إلى نقيضه " .

( ماو تسى تونغ ،" فى التناقض " ، المجلّد 1 من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة "، الصفحة 489 ، التشديد مضاف)




2- مقارنة بسيطة :

جليّ هو موقف الخوجيّين : " الشيوعية... هي أساسا مرحلتين من نوع واحد ، من نظام إقتصادي إجتماعي واحد و لا يختلفان إلاّ فى درجة تطوّرهما و نضجهما ". و لبيان مدى تهافت هذا الفكر سنلتجأ فى محاججتنا الأولى إلى طريقة المقارنة بين مميّزات مرحلة الإشتراكيّة و مميّزات مرحلة الشيوعية .

أ - الإختلافات المذكورة :


الإشتركيّة
الشيوعيّة
1- الملكية : " ملكية الدولة و الملكية التعاونية ".
2- " فروق أساسيّة " بين المدينة و الريف و بين العمل اليدوي و العمل الفكري .
3- " يتكون المجتمع الإشتراكي من طبقتين " و " فئة المثقّفين " .
4- العمل " وسيلة ضمان البقاء فقط " . 1- " تسود الملكية الشيوعيّة الواحدة لوسائل الإنتاج بلا منازع " .
2- " لن تبقى سوى فروق غير أساسية ".
3- " إنّ الشيوعية مجتمع بلا طبقات " .
4- العمل " يصبح فى نظر المجتمع كلّه الحاجة الحيوية الأولى ".

لا شكّ في أنّ المتمعّن في هذه الفروقات سيدرك دون عناء كبير أنّها نوعيّة بإمتياز و يقول من أصابهم عمى الدغمائيّة التحريفيّة الخوجيّة أنّ هذه لا تعدو أن تكون إختلافات فى الدرجة و ليست إختلافات نوعيّة !!!

ب – ماركس - " نقد برنامج غوتا " :


الإشتراكيّة
الشيوعيّة

1- النقائص لا مفرّ منها فى المرحلة الأولى من المجتمع الشيوعي " . [ الحق البرجوازي ، الإختلاف بين المدينة و الريف و بين العمل اليدوي و العمل الفكري ]
2- " تكون قوى الإنتاج قد تزايدت ".
3- " كلّ حسب إمكانياته ".
4- ( تطوير قوى الإنتاج لتلبية الحاجيات الأساسيّة للشعب) .
1- " زال التعارض بين العمل الفكري و العمل اليدوي ".
2- " لا يبقى العمل وسيلة عيش فحسب و إنّما يصبح هو نفسه الحاجة الحيوية الأولى " .
3- " تجاوز الأفق المحدود للحقّ البرجوازي نهائيا و للمجتمع أن يكتب على رايته من كلّ حسب إمكانيّاته لكلّ حسب حاجياته ".
4- تتنامى القوى المنتجة مع تطوّر الأفراد فى جميع النواحى و تتدفّق جميع ينابيع الثروة العامة بفيض و غزارة = مجتمع وفرة .





ت) لينين - " الدولة و الثورة " :


الإشتراكية
الشيوعية

1-" تحمل فى كلّ الميادين بقايا المجتمع القديم ".
2- لا يبقى لزمن معيّن الحقّ البرجوازيّ وحده ، بل أيضا الدولة البرجوازية – بدون البرجوازية !
1-" مجتمع شيوعي ".
2- فى المجتمع الشيوعي فقط ... بدون هذا الجهاز المعدّ خصيصا للقسر و المسمّى بالدولة .

وعليه يبرز أنّ المرور من الإشتركية إلى الشيوعية تحوّل نوعي حيث يتغيّر المجتمع فى جوانبه جميعها ( قوى الإنتاج ، علاقات الإنتاج : ملكية إلخ ، توزيع الإنتاج ، إضمحلال الطبقات و الفروق بين العمل اليدوي و الفكري و بين المدينة و الريف ، و من كل حسب إمكانياته إلى كل حسب حاجياته ...) و بالتوصل إلى الشيوعية يقع القطع النهائي مع المجتمع القديم الرأسمالي و" الحقّ البرجوازي" و تضمحلّ الدولة كأداة للسيطرة الطبقيّة . إنّ هذا التحوّل لا يمكن أن يوصف إلا بالنوعيّ لأنّه ثورة في تاريخ البشريّة ويالها من ثورة، إنّها تحوّل من مجتمع طبقيّ إلى مجتمع خال من الطبقات !!!

و قد أصاب ماو تسى تونغ كبد الحقيقة في إجابته عن سؤال أثاره في النقطة 25 من " ملاحظات نقديّة ل " كتاب الإقتصاد السياسي " للإتحاد السوفياتي (1960) " ( شادى الشماوي ، " ماو تسى تونغ و بناء الإشتراكية ( نقد لكتاب ستالين " القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي " و لكتاب الاقتصاد السياسي ، السوفياتي") - مكتبة الحوار المتمدّن، على الأنترنت ) ألا وهو سؤال : هل المرور إلى الشيوعية ثورة ؟ قائلا :

" من المؤكّد أنّ المرور إلى الشيوعية لا يعنى الإطاحة بطبقة من طرف طبقة أخرى . بيد أنّه لا يمكن الحديث عن أنّ ذلك ليس ثورة إجتماعيّة نظرا لكون تعويض علاقات إنتاج بعلاقات إنتاج أخرى يمثّل قفزة نوعيّة أي ثورة . فى الصين ، تحويل الإقتصاد الخاص إلى إقتصاد تعاوني وتحويل الإقتصاد التعاوني إلى إقتصاد الشعب بأسره يمثّلان ثورتين فى مجال علاقات الإنتاج . و كذلك لا يمكن القول إنّ تحويل المبدأ الإشتراكي " لكلّ حسب عمله " إلى المبدأ الشيوعي " لكلّ حسب حاجياته " لا يمثّل ثورة فى علاقات الإنتاج ."

---------------------------------------------------

و لا يفوتنا هنا أن نؤكّد أنّ وجهة النظر الخوجيّة القائلة بأنّ الإشتراكيّة و الشيوعيّة لا يختلفان إلاّ فى الدرجة تحمل فى طيّاتها تبعات فى غاية الخطورة و الضرر ألا وهي فتح المجال واسعا أمام النظرية التحريفية المعروفة ب " نظريّة قوى الإنتاج " التى روّج لها صينيّا ليوتشاوشى و دنك سياو بينغ و لين بياو . فبناء على أنّ الطبقات المتناقضة قد زالت فى المرحلة الإشتراكيّة تصبح قوى الإنتاج هي المحرّك لتقدّم المجتمع الإشتراكي و بذلك يتمّ نفي كافة التجربة التاريخيّة السوفياتيّة و التجربة الصينيّة اللتان أثبتتا أنّ المحرّك الأساسي و المفتاح للمجتمع الإشتراكي هو الصراع الطبقي للبرولتاريا ضد البرجوازية القديمة و خاصة الجديدة التى يفرزها المجتمع الإشتراكي نفسه ، صلب الحزب الشيوعي و الدولة البروليتاريّة ، بما هو مرحلة إنتقالية يتصارع طوالها المشروع الشيوعي و مشروع إعادة تركيز الرأسمالية أو الطريق الإشتراكي و الطريق الرأسمالي و مسألة من سينتصر لن تحسم إلاّ ببلوغ الشيوعيّة عالميّا . إنّ نفي الصراع الطبقي كمحرك جوهري للإشتراكية لا يخدم كما بيّن تاريخ التجارب البروليتارية العالميّة سوى التحريفيّين من خروتشوف إلى ليوتشوتشى إلى دنك سياو بينغ الذين يقفون وراء نظريّة قوى الإنتاج كمحرّك للإشتراكية و يلتقون فى هذا مع الخوجيّين . أمّا الماويّة فلم تكشف زيف الأفكار التحريفيّة فحسب و إنّما حاربت التحريفيّة العالميّة و التحريفيّين الصينيّين المعبّرين عن البرنامج البرجوازي لإعادة تركيز الرأسماليّة ، بما أوتيت من جهد من أجل المضي قدما نحو الشيوعيّة و طوّرت وسيلة و طريقة لمواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا هي الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ذات الدلالة التاريخيّة العظيمة و حجر الزاوية فى تطوّر علم الثورة البروليتاريّة العالميّة من الماركسية - اللينينية إلى الماركسيّة - اللينينيّة - الماويّة .

3 / الهجوم على الماويّة هو في الواقع هجوم على الماركسية - اللينينية :

الإشتراكية مرحلة تحويل ثوريّ طويل و مديد زمنيّا للرأسمالية بإتّجاه الشيوعيّة بمعنى أنّها مرحلة تنتهى بإنتهاء التحويل الثوريّ للرأسماليّة و بلوغ الشيوعيّة . و المرور من المبدأ الإشتراكي " لكلّ حسب عمله " إلى المبدأ الشيوعيّ " لكلّ حسب حاجياته " ثورة إجتماعيّة تاريخيّة بأتمّ معنى الكلمة فهو يجسّد المرور من مجتمع طبقيّ إلى مجتمع خال من الطبقات .

1) ماركس :

- " ...بين المجتمع الرأسمالي و المجتمع الشيوعيّ تقع مرحلة تحوّل المجتمع الرأسماليّ تحوّلا ثوريّا إلى المجتمع الشيوعي . و تناسبها مرحلة إنتقال سياسيّة أيضا ، لا يمكن أن تكون الدولة فيها سوى الدكتاتوريّة الثوريّة للبروليتاريا ".

( ذكره لينين فى " الدولة و الثورة "، الصفحة 92، دار التقدّم موسكو، الطبعة العربية - التشديد الأوّل فقط منّا)

- " إنّ ما نواجهه هنا ليس مجتمعا شيوعيّا تطوّر على أسسه الخاصة ، بل مجتمع يخرج لتوه من المجتمع الرأسمالي بالذات ، مجتمع لا يزال ، من جميع النواحي ، الإقتصادية و الأخلاقية و الفكرية ، يحمل طابع المجتمع القديم الذى خرج من أحشائه . فالمنتج يتلقّى إذن بصورة إفرادية – بعد جميع الإقتطاعات – ما يوازى تماما ما قدمه للمجتمع . و ما قدّمه للمجتمع ، إنّما هو نصيبه الفردي من العمل ... و من الواضح أنّنا نواجه هنا نفس المبدأ الذى ينظّم تبادل البضائع طالما أنّه تبادل قيم متساوية . .. و هكذا فإنّ الحقّ المتساوى يظلّ هنا ، من حيث المبدأ ، الحقّ البرجوازي... إنّ هذا الحقّ المتساوى هو حقّ غير متساو لقاء عمل غير متساو ... فهو إذن ، من حيث المحتوى ، حقّ قائم على عدم المساواة ، ككلّ حقّ " .

(ماركس ، إنجلس ، لينين - " حول المجتمع الشيوعي" ، دار التقدّم موسكو ، الطبعة العربيّة ، الصفحات 34-35-36 )

- " و فى الطور الأعلى من المجتمع الشيوعيّ ، بعد أن يزول خضوع الأفراد المذلّ لتقسيم العمل و يزول معه التضاد بين العمل الفكري و العمل الجسديّ ، و حين يصبح العمل ، لا وسيلة للعيش و حسب ، بل الحاجة الأولى للحياة أيضا ، و حين تتنامى القوى المنتجة مع تطوّر الأفراد فى جميع النواحى ، و حين تتدفّق جميع ينابيع الثروة العامة بفيض و غزارة – حينذاك فقط ، يصبح بالإمكان تجاوز الأفق الضيّق للحقّ البرجوازي تجاوزا تاما، و يصبح بإمكان المجتمع أن يسجل على رايته : من كلّ حسب كفاءاته ، و لكل حسب حاجياته ! "

( نفس المصدر السابق ، الصفحة 36-37 ، التشديد هنا مضاف)


2) لينين :

-" إنّ الأساس الإقتصادي لإضمحلال الدولة إضمحلالا تاما هو تطوّر الشيوعيّة إلى حدّ عال يزول معه التضاد بين العمل الفكري و العمل الجسدي ، يزول بالتالي ينبوع من أهمّ ينابيع اللامساواة الإجتماعيّة الراهنة ، مع العلم أنّه ينبوع تستحيل إزالته فورا إستحالة تامة بمجرّد تحويل وسائل الإنتاج ملكا إجتماعيّا ، بمجرد مصادرة أملاك الرأسماليّين " .
( لينين ، " الدولة و الثورة " ، دار التقدم ، موسكو ، الصفحة 102)

- " واضح أنّ الحقّ البرجوازي حيال توزيع منتوجات الإستهلاك يتطلّب حتما دولة برجوازيّة ،لأنّ الحقّ لا شيء بدون جهاز يستطيع القسر على مراعاة أحكام الحقّ . و يستنتج أنّه فى الشيوعيّة [ فى طورها الأوّل ] لا يبقى لزمن معيّن الحقّ البرجوازيّ وحده ، بل أيضا الدولة البرجوازية – بدون البرجوازية ! "

( المصدر السابق ، الصفحة 105 - التسطير مضاف )

- " و إذا تساءلنا ما تعنيه الشيوعيّة خلافا للإشتراكية ، فإنّه سيتعيّن علينا أن نقول إنّ الإشتراكية هي ذلك المجتمع الذى ينشأ من الرأسماليّة مباشرة ، هي المظهر الأوّل للمجتمع الجديد . أمّا الشيوعية ، فهي مظهر أعلى للمجتمع و لا يمكنها أن تتطوّر إلاّ متى ترسّخت الإشتراكية تماما ... وإذا كان فى نظام روسيا الحالي شيء ما شيوعي ، فهو السبوت الشيوعيّة فقط ، أمّا الباقى ، فليس غير النضال ضد الرأسماليّة من أجل توطيد الإشتراكية ، التى لا بدّ أن تنشأ منها ، بعد إنتصارها التام ، تلك الشيوعية بالذات التى نراقبها فى السبوت الشيوعية ، لا فى الكتب بل فى الواقع الحيّ ."
(ماركس ، إنجلس ، لينين - " حول المجتمع الشيوعي " الصفحات 139-141 و142 ، ضمن مقتطف من " تقرير حول السبوت الشيوعيّة " ، بتاريخ 20 ديسمبر1919 ، التشديد مضاف )

و تجربة الثورة البروليتاريّة العالميّة فى العقود التالية ، من الخمسينات إلى السبعينات ، بيّنت أمرين إثنين هما أوّلا، أنّ دكتاتورية البروليتاريا ليست ضروريّة لإعادة تثقيف و تحويل الفئات البرجوازيّة الصغيرة فقط و إنّما و بالأساس لمحاربة البرجوازيّة الجديدة التى تفرزها تناقضات المجتمع الإشتراكي داخل جهاز الدولة و الحزب البروليتاريّين نفسيهما و ثانيا أنّ محاولات إعادة تركيز الرأسماليّة لم تقف عند المحاولات البسيطة بل تخطّت ذلك فالمحاولات المستميتة تكلّلت بالنجاح فى الإتّحاد السوفياتي إثر وفاة ستالين و فى الصين إثر إلإنقلاب التحريفي سنة 1976 و حصلت الردّة ليس بفعل هجوم إمبريالي مسلّح من الخارج و إنّما بفعل إنتصار التحريفيّة داخل الحزب على الخطّ الثوريّ و بالتالي إنتصار البرجوازية الجديدة و إعادة تركيز الرأسماليّة . و إستخلص ماو و نشر حقيقة أن : التحريفية فى السلطة يعنى البرجوازية فى السلطة .

و لكن رغم الهزيمة السوفياتيّة التى لم تكن متوقّعة و هزيمة الصين الماويّة التى كانت متوقّعة و بذل الماويّون قصارى جهدهم للحيلولة دون حدوثها و إنتصار التحريفيّة ، توفّرت للبروليتاريا العالميّة اليوم الطريقة و الوسيلة التى تواصل بها الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا و نقصد الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى التى مكّنت الصين الماويّة من التصدّى للتحريفية و بالتالي البرجوازية الجديدة و أتباع الطريق الرأسمالي لعقد من الزمن ماضية إلى أبعد ما أمكن إلى يومنا هذا فى تقدّم البشريّة نحو الشيوعية .



4 / فى فهم الدولة أيضا يلتقى الخوخيّون مع التحريفيّين المعاصرين السوفيات و الصينيّين :

على إمتداد المرحلة الإشتراكيّة تبقى الدولة كأداة قمع طبقيّ قائمة ، إنّها دولة دكتاتورية البروليتاريا بالأساس ضد البرجوازية القديمة منها و الجديدة التى تفرزها تناقضات المجتمع الإشتراكي ذاته . و لن تضمحل إلاّ فى المرحلة الشيوعيّة مع تحوّل المجتمع من مجتمع طبقيّ إلى مجتمع خال من الطبقات .

قال ماركس فى ما سلف ذكره : " ...بين المجتمع الرأسمالي و المجتمع الشيوعي تقع مرحلة تحوّل المجتمع الرأسمالي تحوّلا ثوريّا إلى المجتمع الشيوعي . و تناسبها مرحلة إنتقال سياسيّة أيضا ، لا يمكن أن تكون الدولة فيها سوى الدكتاتوريّة الثوريّة للبروليتاريا " .

و ذكّر لينين بما أفصح عنه إنجلز بجلاء رائع : " إنّ البروليتاريا بحاجة إلى الدولة لا من أجل الحرّية ، بل من أجل قمع خصومها ، و عندما يصبح بالإمكان الحديث عن الحرّية ، عندئذ لن تبقى الدول " .

( لينين ، " الدولة و الثورة " ، الصفحة 95 )

ثمّ أضاف : " فى مرحلة الإنتقال من الرأسماليّة إلى الشيوعيّة يظلّ القمع أمرا ضروريّا ، و لكنّه يغدو قمعا للأقلّية المستثمِرة من جانب الأكثريّة المستثمَرة ، و يبقى الجهاز الخاص ، الآلة الخاصة للقمع ،أي " الدولة " ، أمرا ضروريّا و لكنّها دولة إنتقالية ...

الشيوعيّة هي وحدها التى تجعل الدولة أمرا لا لزوم له البتّة ،لأنّه لا يبقى عندئذ أحد ينبغى قمعه ، " أحد " بمعنى الطبقة ، بمعنى النضال المنتظم ضد قسم معيّن من السكان".

( المصدر السابق ، الصفحة 96-97 )

و التحريفيّون المعاصرون بشتّى ألوانهم و الخوجيّون لا يتنكّرون لذلك فحسب بل يديرون ظهرهم أيضا لما ورد بكتاب ستالين ، " أسس اللّينينيّة " (الصفحتان 55 و 53):

- " دكتاتورية البروليتاريا هي سيادة البروليتاريا على البرجوازيّة " ( لينين ، " الدولة و الثورة " )

- " دكتاتورية البروليتاريا من حيث هي سيادة البروليتاريا على البرجوازيّة " (عنوان فصل من الكتاب ، مع أنّ ستالين أخطأ لاحقا عند صياغة دستور 1936 إذ إعتبر فيه أنّه تمّ القضاء نهائيّا على البرجوازيّة و لم تعد توجد فى المجتمع السوفياتي سوى طبقات صديقة ) .

فى حين يتحدّث معلّمو البروليتاريا العالميّة عن ممارسة البروليتاريا لدكتاتوريّتها على البرجوازيّة التى تقوم " بمحاولات إعادة تركيز الرأسمالية " ، يرى التحريفيّون السوفيات و الصينيّون و الخوجيّون أنّ فى المجتمع الإشتراكي توجد فحسب طبقتين هما العمّال و الفلاّحون و فئة هي فئة المثقّفين الثوريّين لا غير مقدّمين بذلك أجل الخدمات للبرجوازيّة الجديدة الناشئة داخل صفوف الحزب و الدولة البروليتاريّين بالتعمية على وجودها و بالتالي بإطلاق أيديها فى الإعداد لإعادة تركيز الرأسماليّة .

على من ستمارس البروليتاريا دكتاتوريّتها إذا لم توجد فى المجتمع الإشتراكي سوى طبقتين صديقتين ؟

أتمارس دكتاتوريّتها على طبقة غير موجودة ؟

أتوجد دولة لتكون غير قمعية ( و لو تجاه أقلّية ) لكي لا تكون دولة أي جهاز قمع طبقي ؟

من أين جاءت إذن الطبقة البرجوازية التى إغتصبت السلطة فى الإتّحاد السوفياتي بعد وفاة ستالين لتعيد تركيز الرأسمالية هناك؟ هل جاءت من لا شيء ؟ هل قيل لها " كن فتكون " ؟ إلخ إلخ

أمّا الماويّة فقد عرّت هذه الترّهات و السفاسف التحريفيّة الخادمة للبرجوازيّة الجديدة و أتباع الطريق الرأسمالي فى صفوف الحزب الشيوعي و الدولة البروليتاريّة و بيّنت بالتحليل الملموس لواقع الدول الإشتراكيّة الملموس أنّ الطبقات و التناقضات الطبقيّة و كذلك الصراع الطبقي يظلاّن موجودين فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا بل و يحتدمان و يتركّزان بصورة خاصة داخل الحزب محور الدولة الإشتراكيّة و أنّ إمكانية إعادة تركيز الرأسماليّة على أيدى التحريفيّين ممثّلى برنامج إعادة تركيز الرأسماليّة والبرجوازيّة الجديدة إمكانيّة حقيقيّة تحوّلت إلى واقع عيانيّ فى الإتّحاد السوفياتي و سعى الشيوعيّون الماويّون فى الصين للحيلولة دون حدوث ذلك فى الصين و أفلحوا طوال عقد من الزمن بفضل الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى مطوّرين هكذا جانب الإشتراكيّة العلميّة كمكوّن من المكوّنات الثلاثة للماركسيّة . و حتّى هزيمة الصين فى 1976 لا تفعل سوي تأكيد التحاليل الماويّة التى غدت سلاحا جبّارا بين أيدى الشيوعيّين الثوريّين الماويّين لتغيير الواقع راهنا و مستقبلا .

------------------------------------------------------------------------------------------------------------

بصدد عدم وجود فرق نوعي بين الإشتراكيّة والشيوعيّة- مقتطف 4 من " تعميقا لدحض أهمّ ترّهات حزب العمّال التونسي الخوجيّة الواردة في" الماوية معادية للشيوعية " - الجزء الثاني من الكتاب الأوّل من ثلاثيّة " حفريّات في الخطّ الإيديولوجي والسياسي التحريفي و الإصلاحي لحزب العمّال [ البرجوازي ] التونسي "

لا حركة شيوعية ثورية دون ماوية !
و الروح الثوريّة للماوية المطوَّرة اليوم هي الخلاصة الجديدة للشيوعيّة – الشيوعيّة الجديدة
( عدد 38 - 39 / أفريل 2020 )
ناظم الماوي

ملاحظة : الثلاثيّة بأكملها متوفّرة للتنزيل بنسخة بى دى أف من مكتبة الحوار المتمدّن .

تعميقا لدحض أهمّ ترّهات حزب العمّال التونسي الخوجيّة الواردة في" الماوية معادية للشيوعية "

------------

(4)

دحض الترّهات الخوجيّة بصدد عدم وجود فرق نوعي بين الإشتراكيّة والشيوعيّة


" إنّ الشيوعيّة هي نظام كامل للإيديولوجيا البروليتاريّة وهي فى نفس الوقت نظام إجتماعي جديد . هذا النظام الإيديولوجي و الإجتماعي يختلف عن أيّ نظام إيديولوجي و إجتماعي آخر ، وهو أكثر النظم كمالا و تقدميّة و ثوريّة و منطقيّة فى التاريخ الإنساني " .

( ماو تسى تونغ ، " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد 2 ، الصفحة 503)
-----------------------

" إنّكم تقومون بالثورة الاشتراكيّة و بعدُ لا تعرفون أين توجد البرجوازيّة . إنّها بالضبط داخل الحزب الشيوعي - أولئك فى السلطة أتباع الطريق الرأسمالي ."

(ماوتسى تونغ ، سنة 1976 )
------------------------

عندما ظهرت البرجوازية الرأسماليّة إلى مسرح التاريخ ظهرت معها نقيضتها و حفّارة قبرها البروليتاريا و مع دخول البروليتاريا معترك الصراع الطبقي نشأت الإشتراكيّة . فكان الإشتراكيّون الطوباويّون يعتقدون أن بمجرد الإطاحة بالدولة الرأسمالية يمكن إرساء نظام إشتراكي / شيوعي ( لا فرق لديهم ) بيد أنّ الماركسيّة و قد إعتمت العلم كأساس لها مطوّرة الإشتراكيّة العلمية و الفلسفة و الإقتصاد السياسي ، مكوّناتها الثلاثة ، أكّدت لا سيما إثر كمونة باريس التى تعدّ أوّل تجربة سلطة بروليتارية فى التاريخ ، أنّ للشيوعية مرحلتان مرحلة سفلى و و مرحلة عليا و سمّت الأولى إشتراكيّة و الثانية شيوعية .

و فى صفوف الحركة الشيوعيّة العالميّة ، و بالأساس منذ الخمسينات ، خيضت صراعات عدّة تمحورت حول فهم المرحلتين و فهم المجتمع الإشتراكي فكان البعض يرى أنّ الإشتراكية تختلف فى " الدرجة " عن الشيوعية و كان آخرون يشدّدون على أنّ الفرق نوعي و ليس فرقا فى الدرجة فقط . و دافع التحريفيّون المعاصرون و الخوجيّون عن الرأي الأوّل و الإختلاف فى الدرجة ( دمجهم لمرحلتي الشيوعية فى مرحلة واحدة يذكرنا بشطحتهم التروتسكيّة ودمجهم الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية والثورة الإشتراكية فى مرحلة واحدة أيضا ) بينما دافع الشيوعيّون الماويون عن الرأي الثاني و الفرق النوعي بين الإشتراكية و الشيوعية كحقيقة ماديّة موضوعيّة لا غبار عليها .

و فى هذا الباب سندحض الدعاوى التحريفيّة المعاصرة و الخوجيّة الدغمائيّة التحريفية وسنبيّن كيف أنّ الماويّة بهذا الشأن أيضا هي التى تجسّد علم الثورة البروليتارية العالمية المتطوّر أبدا .

1- ملاحظات تمهيدية :

كتب أنور خوجا فى إطار نقاش الأفكار الجدليّة لماو تسى تونغ :

" هكذا لا يرى الثورة الإشتراكية كتغيير نوعي للمجتمع ينتج عنه محو الطبقات المتناقضة و إضطهاد و إستغلال الإنسان للإنسان ، لكن يتصوّرها كتبديل مواقع بين البرجوازية و البروليتاريا . لشرح هذا " الإختراع " كتب ماو :
" إذا لم يمكن تحوّل البرجوازية و البروليتاريا الواحدة إلى الأخرى ، كيف تفسّرون كون البروليتاريا تصبح عبر الثورة البروليتارية طبقة مهيمنة و تصبح البرجوازية طبقة مهيمن عليها ... نحن و كومنتنغ تشان كاي تشاك فى تناقض كلّي . تبعا لصراع و تنافر مظهري التناقض غيّرنا مواقعنا مع الكومنتنغ..."

و إستطرد خوجا مضيفا :

" هذا المنطق ذاته قاد ماو تسى تونغ أيضا إلى مراجعة النظرية الماركسية – اللينينية حول مرحلتي المجتمع الشيوعي ." إن الجدلية ترى أن النظام الإشتراكي كظاهرة تاريخية سوف يزول يوما . تماما مثلما الإنسان حتما سيموت و أنّ النظام الشيوعي سيكون نفيه . كيف يمكن لنا أن نعتبر ماركسيّة الفكرة القائلة إنّ النظام الإشتراكي و علاقات الإنتاج و البنية الفوقيّة الإشتراكيّة سوف لن تزول ؟ ألا يعد هذا الزعم دغمائية دينية كاللاهوتيّة التى تدعو إلى خلود الله ؟ " هكذا مراجعا بوضوح المفهوم الماركسي - اللينيني للإشتراكية و الشيوعية التى هي أساسا مرحلتين من نوع واحد ، من نظام إقتصادي إجتماعي واحد و لا يختلفان إلاّ فى درجة تطوّرهما و نضجهما ، يقدّم ماوتسى تونغ الإشتراكية على أنّها شيئا مناقضا تماما للشيوعية ."

(الصفحات 438 و 439 من " الإمبريالية و الثورة " ، الطبعة الفرنسيّة ) . وهي أفكار خوجيّة سينقلها بجلاء و يلوكها الناهلون من منبعه بصورة مفضوحة أو متستّرة و نقصد محمّد الكيلانى في " الماويّة معادية للشيوعيّة " و أصحاب " هل يمكن إعتبار ماو تسى تونغ ماركسيّا – لينينيّا ؟ " . و هنا ننحو إلى التفاعل مباشرة مع معلّم الخوجيين دون سواه ، و ليس مع تلامذته و الناقلين عليه ، لأنّه في آن معا المنبع و الأوضح في طرح الأفكار بهذا المضمار .)

هذا الذى ورد على لسان أنور خوجا يستدعى منّا بداية و بعجالة ملاحظتين إثنتين :

1- رأي خوجا هو أنّ " الثورة الإشتراكية كتغيير نوعي للمجتمع ينتج عنه محو الطبقات المتناقضة وإضطهاد و إستغلال الإنسان للإنسان ". و هذا يجانب الحقيقة فالثورة الإشتراكية فى روسيا مثلا أفرزت مجتمعا إشتراكيا و سلطة دكتاتورية البروليتاريا التى تمارس على البرجوازية بالأساس و بالتالي لم تمح الطبقات المتناقضة و إلاّ فليفسروا لنا لماذا دكتاتوريّة البروليتاريا ؟ هل تمارس على الطبقات غير المتناقضة و المتناحرة ؟

لقد قال ماوتسى تونغ و قد درس التجربة السوفياتية لدكتاتورية البروليتاريا و خاض ما خاض من صراعات طبقيّة و صراعات خطّين داخل الحزب فى الصين الإشتراكيّة ، قال سنة 1974 : " لماذا تحدّث لينين عن ممارسة الدكتاتوريّة على البرجوازية ؟ من الضروري أن تكون هذه المسألة واضحة . فغياب الوضوح بهذا الصدد يؤدّى إلى التحريفيّة " .


ثم ماذا يبقى للمرحلة الشيوعية العليا إذا كانت الطبقات المتناقضة إمّحت فى ظلّ الإشتراكيّة نتيجة الثورة الإشتراكيّة ؟ أو بصيغة أخرى لماذا ميّز إذا ماركس المرحلة السفلى عن المرحلة العليا و على أيّ أساس ؟

بالتأكيد نلمس هنا كيف أنّ موقف الخوجيّين يلتقى تماما مع موقف الإشتراكيّين الطوباويّين .

2- جريا على عادة الخوجيّين الإنتهازية فى إستعمال الإستشهادات ، يحذف خوجا جزءا من الفقرة الأولى لماو ممّا يستوجب علينا ، لنعطي كلّ ذى حقّ حقّه ، أن نقدّم الجملة كما صاغها ماو تسى تونغ . ذكر خوجا " تبعا لصراع و تنافر مظهري التناقض ،غيّرنا موقعنا مع الكومنتنغ " و لم يذكر قبل " نحن..." أي " لنأخذ مثالا "و لم يذكر بعد " مع الكومنتنغ " : " من قوّة مهيمِنة تحوّل الكومنتنغ إلى قوّة مهيمَن عليها و من قوّة مهيمَن عليها صرنا القوّة المهيمنَة " .

و لسائل أن يسأل لماذا هذه الإنتهازيّة ؟ لماذا هذا التزوير المتعمّد لكلام ماو ؟ و الجواب بسيط هو أنّ ماو تسى تونغ يعطى مثالا تاريخيّا ملموسا لتغيير علاقة الهيمنة بين مظهري التناقض و الدغمائيّون التحريفيون لا يطيقون التحليل الملموس للواقع الملموس لأنّه يسفّه أحلامهم و يخيّرون الإنطلاق فى شطحات مثاليّة لا تنتهى . ذلك أنّ تغيّر علاقة الهيمنة الطبقيّة على المستوى الإجتماعي و السياسي و الإقتصادي و الثقافي يعنى تغيّر النظام الإقتصادي الإجتماعي فحيث تهيمن البرجوازيّة تفرض طبعا الرأسماليّة و حيث تهيمن البروليتاريا تفرض الإشتراكيّة كنظام إقتصادي إجتماعي إنتقالي و دكتاتورية البروليتاريا كشكل للسلطة يمتدّ على طول المرحلة الإنتقاليّة من الرأسماليّة إلى الشيوعيّة .

" طبيعة الشيء يقرّرها بالدرجة الأولى الطرف الرئيسي للتناقض ، الذى يحتلّ مركز السيطرة . و عندما يطرأ تبدّل على الطرف الرئيسي للتناقض ، الذى يحتلّ مركز السيطرة فإنّ طبيعة الشيء تتبدّل تبعا لذلك...

البروليتاريا التى تفوق البرجوازية كثيرا فى عددها ، و التى نمت مع البرجوازية فى وقت واحد ، لكنّها تقع تحت سيطرتها ، فهي قوّة جديدة ، تنمو وتزداد قوّة بصورة تدريجيّة، بعد أن كانت تشغل فى البدء مركز التابع للبرجوازية، فتصير طبقة مستقلّة تلعب دورا قياديّا فى التاريخ ، حتّى تستولى فى النهاية على السلطة السياسيّة فتصبح الطبقة الحاكمة . و عندئذ تتبدّل طبيعة المجتمع فيتحوّل من المجتمع الراسمالي القديم إلى المجتمع الإشتراكي الجديد ."

(ماو تسى تونغ ،" فى التناقض " المجلّد 1 من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، الصفحة 484-485 ؛ التسطير منّا )

و بهذا يكون ماو تسى تونغ قد طبّق الماديّة الجدليّة على فهم التحوّل من الرأسماليّة إلى الإشتراكيّة بإعتباره تحوّلا نوعيّا وطوّرها بصورة خلاّقة إعتمادا على التحليل الملموس للواقع الملموس و على الفهم اللينيني للديالكتيك :

" لقد قال لينين : " إن الديالكتيك هو النظرية التى تدرس كيف يمكن لضدّين أن يكونا متّحدين ، و كيف يصيران متّحدين ( يتبدلان فيصيران متّحدين ) – فى أيّة ظروف يكونان متّحدين ، و يتحوّل أحدهما إلى نقيضه – و لماذا ينبغى للفكر الإنساني ألاّ ينظر إلى هذين الضدّين كشيئين ميّتين جامدين ، بل كشيئين حيّين مشروطين قابلين للتبدّل و لتحوّل أحدهما إلى نقيضه " .

( ماو تسى تونغ ،" فى التناقض " ، المجلّد 1 من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة "، الصفحة 489 ، التشديد مضاف)




2- مقارنة بسيطة :

جليّ هو موقف الخوجيّين : " الشيوعية... هي أساسا مرحلتين من نوع واحد ، من نظام إقتصادي إجتماعي واحد و لا يختلفان إلاّ فى درجة تطوّرهما و نضجهما ". و لبيان مدى تهافت هذا الفكر سنلتجأ فى محاججتنا الأولى إلى طريقة المقارنة بين مميّزات مرحلة الإشتراكيّة و مميّزات مرحلة الشيوعية .

أ - الإختلافات المذكورة :


الإشتركيّة
الشيوعيّة
1- الملكية : " ملكية الدولة و الملكية التعاونية ".
2- " فروق أساسيّة " بين المدينة و الريف و بين العمل اليدوي و العمل الفكري .
3- " يتكون المجتمع الإشتراكي من طبقتين " و " فئة المثقّفين " .
4- العمل " وسيلة ضمان البقاء فقط " . 1- " تسود الملكية الشيوعيّة الواحدة لوسائل الإنتاج بلا منازع " .
2- " لن تبقى سوى فروق غير أساسية ".
3- " إنّ الشيوعية مجتمع بلا طبقات " .
4- العمل " يصبح فى نظر المجتمع كلّه الحاجة الحيوية الأولى ".

لا شكّ في أنّ المتمعّن في هذه الفروقات سيدرك دون عناء كبير أنّها نوعيّة بإمتياز و يقول من أصابهم عمى الدغمائيّة التحريفيّة الخوجيّة أنّ هذه لا تعدو أن تكون إختلافات فى الدرجة و ليست إختلافات نوعيّة !!!

ب – ماركس - " نقد برنامج غوتا " :


الإشتراكيّة
الشيوعيّة

1- النقائص لا مفرّ منها فى المرحلة الأولى من المجتمع الشيوعي " . [ الحق البرجوازي ، الإختلاف بين المدينة و الريف و بين العمل اليدوي و العمل الفكري ]
2- " تكون قوى الإنتاج قد تزايدت ".
3- " كلّ حسب إمكانياته ".
4- ( تطوير قوى الإنتاج لتلبية الحاجيات الأساسيّة للشعب) .
1- " زال التعارض بين العمل الفكري و العمل اليدوي ".
2- " لا يبقى العمل وسيلة عيش فحسب و إنّما يصبح هو نفسه الحاجة الحيوية الأولى " .
3- " تجاوز الأفق المحدود للحقّ البرجوازي نهائيا و للمجتمع أن يكتب على رايته من كلّ حسب إمكانيّاته لكلّ حسب حاجياته ".
4- تتنامى القوى المنتجة مع تطوّر الأفراد فى جميع النواحى و تتدفّق جميع ينابيع الثروة العامة بفيض و غزارة = مجتمع وفرة .





ت) لينين - " الدولة و الثورة " :


الإشتراكية
الشيوعية

1-" تحمل فى كلّ الميادين بقايا المجتمع القديم ".
2- لا يبقى لزمن معيّن الحقّ البرجوازيّ وحده ، بل أيضا الدولة البرجوازية – بدون البرجوازية !
1-" مجتمع شيوعي ".
2- فى المجتمع الشيوعي فقط ... بدون هذا الجهاز المعدّ خصيصا للقسر و المسمّى بالدولة .

وعليه يبرز أنّ المرور من الإشتركية إلى الشيوعية تحوّل نوعي حيث يتغيّر المجتمع فى جوانبه جميعها ( قوى الإنتاج ، علاقات الإنتاج : ملكية إلخ ، توزيع الإنتاج ، إضمحلال الطبقات و الفروق بين العمل اليدوي و الفكري و بين المدينة و الريف ، و من كل حسب إمكانياته إلى كل حسب حاجياته ...) و بالتوصل إلى الشيوعية يقع القطع النهائي مع المجتمع القديم الرأسمالي و" الحقّ البرجوازي" و تضمحلّ الدولة كأداة للسيطرة الطبقيّة . إنّ هذا التحوّل لا يمكن أن يوصف إلا بالنوعيّ لأنّه ثورة في تاريخ البشريّة ويالها من ثورة، إنّها تحوّل من مجتمع طبقيّ إلى مجتمع خال من الطبقات !!!

و قد أصاب ماو تسى تونغ كبد الحقيقة في إجابته عن سؤال أثاره في النقطة 25 من " ملاحظات نقديّة ل " كتاب الإقتصاد السياسي " للإتحاد السوفياتي (1960) " ( شادى الشماوي ، " ماو تسى تونغ و بناء الإشتراكية ( نقد لكتاب ستالين " القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي " و لكتاب الاقتصاد السياسي ، السوفياتي") - مكتبة الحوار المتمدّن، على الأنترنت ) ألا وهو سؤال : هل المرور إلى الشيوعية ثورة ؟ قائلا :

" من المؤكّد أنّ المرور إلى الشيوعية لا يعنى الإطاحة بطبقة من طرف طبقة أخرى . بيد أنّه لا يمكن الحديث عن أنّ ذلك ليس ثورة إجتماعيّة نظرا لكون تعويض علاقات إنتاج بعلاقات إنتاج أخرى يمثّل قفزة نوعيّة أي ثورة . فى الصين ، تحويل الإقتصاد الخاص إلى إقتصاد تعاوني وتحويل الإقتصاد التعاوني إلى إقتصاد الشعب بأسره يمثّلان ثورتين فى مجال علاقات الإنتاج . و كذلك لا يمكن القول إنّ تحويل المبدأ الإشتراكي " لكلّ حسب عمله " إلى المبدأ الشيوعي " لكلّ حسب حاجياته " لا يمثّل ثورة فى علاقات الإنتاج ."

---------------------------------------------------

و لا يفوتنا هنا أن نؤكّد أنّ وجهة النظر الخوجيّة القائلة بأنّ الإشتراكيّة و الشيوعيّة لا يختلفان إلاّ فى الدرجة تحمل فى طيّاتها تبعات فى غاية الخطورة و الضرر ألا وهي فتح المجال واسعا أمام النظرية التحريفية المعروفة ب " نظريّة قوى الإنتاج " التى روّج لها صينيّا ليوتشاوشى و دنك سياو بينغ و لين بياو . فبناء على أنّ الطبقات المتناقضة قد زالت فى المرحلة الإشتراكيّة تصبح قوى الإنتاج هي المحرّك لتقدّم المجتمع الإشتراكي و بذلك يتمّ نفي كافة التجربة التاريخيّة السوفياتيّة و التجربة الصينيّة اللتان أثبتتا أنّ المحرّك الأساسي و المفتاح للمجتمع الإشتراكي هو الصراع الطبقي للبرولتاريا ضد البرجوازية القديمة و خاصة الجديدة التى يفرزها المجتمع الإشتراكي نفسه ، صلب الحزب الشيوعي و الدولة البروليتاريّة ، بما هو مرحلة إنتقالية يتصارع طوالها المشروع الشيوعي و مشروع إعادة تركيز الرأسمالية أو الطريق الإشتراكي و الطريق الرأسمالي و مسألة من سينتصر لن تحسم إلاّ ببلوغ الشيوعيّة عالميّا . إنّ نفي الصراع الطبقي كمحرك جوهري للإشتراكية لا يخدم كما بيّن تاريخ التجارب البروليتارية العالميّة سوى التحريفيّين من خروتشوف إلى ليوتشوتشى إلى دنك سياو بينغ الذين يقفون وراء نظريّة قوى الإنتاج كمحرّك للإشتراكية و يلتقون فى هذا مع الخوجيّين . أمّا الماويّة فلم تكشف زيف الأفكار التحريفيّة فحسب و إنّما حاربت التحريفيّة العالميّة و التحريفيّين الصينيّين المعبّرين عن البرنامج البرجوازي لإعادة تركيز الرأسماليّة ، بما أوتيت من جهد من أجل المضي قدما نحو الشيوعيّة و طوّرت وسيلة و طريقة لمواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا هي الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ذات الدلالة التاريخيّة العظيمة و حجر الزاوية فى تطوّر علم الثورة البروليتاريّة العالميّة من الماركسية - اللينينية إلى الماركسيّة - اللينينيّة - الماويّة .

3 / الهجوم على الماويّة هو في الواقع هجوم على الماركسية - اللينينية :

الإشتراكية مرحلة تحويل ثوريّ طويل و مديد زمنيّا للرأسمالية بإتّجاه الشيوعيّة بمعنى أنّها مرحلة تنتهى بإنتهاء التحويل الثوريّ للرأسماليّة و بلوغ الشيوعيّة . و المرور من المبدأ الإشتراكي " لكلّ حسب عمله " إلى المبدأ الشيوعيّ " لكلّ حسب حاجياته " ثورة إجتماعيّة تاريخيّة بأتمّ معنى الكلمة فهو يجسّد المرور من مجتمع طبقيّ إلى مجتمع خال من الطبقات .

1) ماركس :

- " ...بين المجتمع الرأسمالي و المجتمع الشيوعيّ تقع مرحلة تحوّل المجتمع الرأسماليّ تحوّلا ثوريّا إلى المجتمع الشيوعي . و تناسبها مرحلة إنتقال سياسيّة أيضا ، لا يمكن أن تكون الدولة فيها سوى الدكتاتوريّة الثوريّة للبروليتاريا ".

( ذكره لينين فى " الدولة و الثورة "، الصفحة 92، دار التقدّم موسكو، الطبعة العربية - التشديد الأوّل فقط منّا)

- " إنّ ما نواجهه هنا ليس مجتمعا شيوعيّا تطوّر على أسسه الخاصة ، بل مجتمع يخرج لتوه من المجتمع الرأسمالي بالذات ، مجتمع لا يزال ، من جميع النواحي ، الإقتصادية و الأخلاقية و الفكرية ، يحمل طابع المجتمع القديم الذى خرج من أحشائه . فالمنتج يتلقّى إذن بصورة إفرادية – بعد جميع الإقتطاعات – ما يوازى تماما ما قدمه للمجتمع . و ما قدّمه للمجتمع ، إنّما هو نصيبه الفردي من العمل ... و من الواضح أنّنا نواجه هنا نفس المبدأ الذى ينظّم تبادل البضائع طالما أنّه تبادل قيم متساوية . .. و هكذا فإنّ الحقّ المتساوى يظلّ هنا ، من حيث المبدأ ، الحقّ البرجوازي... إنّ هذا الحقّ المتساوى هو حقّ غير متساو لقاء عمل غير متساو ... فهو إذن ، من حيث المحتوى ، حقّ قائم على عدم المساواة ، ككلّ حقّ " .

(ماركس ، إنجلس ، لينين - " حول المجتمع الشيوعي" ، دار التقدّم موسكو ، الطبعة العربيّة ، الصفحات 34-35-36 )

- " و فى الطور الأعلى من المجتمع الشيوعيّ ، بعد أن يزول خضوع الأفراد المذلّ لتقسيم العمل و يزول معه التضاد بين العمل الفكري و العمل الجسديّ ، و حين يصبح العمل ، لا وسيلة للعيش و حسب ، بل الحاجة الأولى للحياة أيضا ، و حين تتنامى القوى المنتجة مع تطوّر الأفراد فى جميع النواحى ، و حين تتدفّق جميع ينابيع الثروة العامة بفيض و غزارة – حينذاك فقط ، يصبح بالإمكان تجاوز الأفق الضيّق للحقّ البرجوازي تجاوزا تاما، و يصبح بإمكان المجتمع أن يسجل على رايته : من كلّ حسب كفاءاته ، و لكل حسب حاجياته ! "

( نفس المصدر السابق ، الصفحة 36-37 ، التشديد هنا مضاف)


2) لينين :

-" إنّ الأساس الإقتصادي لإضمحلال الدولة إضمحلالا تاما هو تطوّر الشيوعيّة إلى حدّ عال يزول معه التضاد بين العمل الفكري و العمل الجسدي ، يزول بالتالي ينبوع من أهمّ ينابيع اللامساواة الإجتماعيّة الراهنة ، مع العلم أنّه ينبوع تستحيل إزالته فورا إستحالة تامة بمجرّد تحويل وسائل الإنتاج ملكا إجتماعيّا ، بمجرد مصادرة أملاك الرأسماليّين " .
( لينين ، " الدولة و الثورة " ، دار التقدم ، موسكو ، الصفحة 102)

- " واضح أنّ الحقّ البرجوازي حيال توزيع منتوجات الإستهلاك يتطلّب حتما دولة برجوازيّة ،لأنّ الحقّ لا شيء بدون جهاز يستطيع القسر على مراعاة أحكام الحقّ . و يستنتج أنّه فى الشيوعيّة [ فى طورها الأوّل ] لا يبقى لزمن معيّن الحقّ البرجوازيّ وحده ، بل أيضا الدولة البرجوازية – بدون البرجوازية ! "

( المصدر السابق ، الصفحة 105 - التسطير مضاف )

- " و إذا تساءلنا ما تعنيه الشيوعيّة خلافا للإشتراكية ، فإنّه سيتعيّن علينا أن نقول إنّ الإشتراكية هي ذلك المجتمع الذى ينشأ من الرأسماليّة مباشرة ، هي المظهر الأوّل للمجتمع الجديد . أمّا الشيوعية ، فهي مظهر أعلى للمجتمع و لا يمكنها أن تتطوّر إلاّ متى ترسّخت الإشتراكية تماما ... وإذا كان فى نظام روسيا الحالي شيء ما شيوعي ، فهو السبوت الشيوعيّة فقط ، أمّا الباقى ، فليس غير النضال ضد الرأسماليّة من أجل توطيد الإشتراكية ، التى لا بدّ أن تنشأ منها ، بعد إنتصارها التام ، تلك الشيوعية بالذات التى نراقبها فى السبوت الشيوعية ، لا فى الكتب بل فى الواقع الحيّ ."
(ماركس ، إنجلس ، لينين - " حول المجتمع الشيوعي " الصفحات 139-141 و142 ، ضمن مقتطف من " تقرير حول السبوت الشيوعيّة " ، بتاريخ 20 ديسمبر1919 ، التشديد مضاف )

و تجربة الثورة البروليتاريّة العالميّة فى العقود التالية ، من الخمسينات إلى السبعينات ، بيّنت أمرين إثنين هما أوّلا، أنّ دكتاتورية البروليتاريا ليست ضروريّة لإعادة تثقيف و تحويل الفئات البرجوازيّة الصغيرة فقط و إنّما و بالأساس لمحاربة البرجوازيّة الجديدة التى تفرزها تناقضات المجتمع الإشتراكي داخل جهاز الدولة و الحزب البروليتاريّين نفسيهما و ثانيا أنّ محاولات إعادة تركيز الرأسماليّة لم تقف عند المحاولات البسيطة بل تخطّت ذلك فالمحاولات المستميتة تكلّلت بالنجاح فى الإتّحاد السوفياتي إثر وفاة ستالين و فى الصين إثر إلإنقلاب التحريفي سنة 1976 و حصلت الردّة ليس بفعل هجوم إمبريالي مسلّح من الخارج و إنّما بفعل إنتصار التحريفيّة داخل الحزب على الخطّ الثوريّ و بالتالي إنتصار البرجوازية الجديدة و إعادة تركيز الرأسماليّة . و إستخلص ماو و نشر حقيقة أن : التحريفية فى السلطة يعنى البرجوازية فى السلطة .

و لكن رغم الهزيمة السوفياتيّة التى لم تكن متوقّعة و هزيمة الصين الماويّة التى كانت متوقّعة و بذل الماويّون قصارى جهدهم للحيلولة دون حدوثها و إنتصار التحريفيّة ، توفّرت للبروليتاريا العالميّة اليوم الطريقة و الوسيلة التى تواصل بها الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا و نقصد الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى التى مكّنت الصين الماويّة من التصدّى للتحريفية و بالتالي البرجوازية الجديدة و أتباع الطريق الرأسمالي لعقد من الزمن ماضية إلى أبعد ما أمكن إلى يومنا هذا فى تقدّم البشريّة نحو الشيوعية .



4 / فى فهم الدولة أيضا يلتقى الخوخيّون مع التحريفيّين المعاصرين السوفيات و الصينيّين :

على إمتداد المرحلة الإشتراكيّة تبقى الدولة كأداة قمع طبقيّ قائمة ، إنّها دولة دكتاتورية البروليتاريا بالأساس ضد البرجوازية القديمة منها و الجديدة التى تفرزها تناقضات المجتمع الإشتراكي ذاته . و لن تضمحل إلاّ فى المرحلة الشيوعيّة مع تحوّل المجتمع من مجتمع طبقيّ إلى مجتمع خال من الطبقات .

قال ماركس فى ما سلف ذكره : " ...بين المجتمع الرأسمالي و المجتمع الشيوعي تقع مرحلة تحوّل المجتمع الرأسمالي تحوّلا ثوريّا إلى المجتمع الشيوعي . و تناسبها مرحلة إنتقال سياسيّة أيضا ، لا يمكن أن تكون الدولة فيها سوى الدكتاتوريّة الثوريّة للبروليتاريا " .

و ذكّر لينين بما أفصح عنه إنجلز بجلاء رائع : " إنّ البروليتاريا بحاجة إلى الدولة لا من أجل الحرّية ، بل من أجل قمع خصومها ، و عندما يصبح بالإمكان الحديث عن الحرّية ، عندئذ لن تبقى الدول " .

( لينين ، " الدولة و الثورة " ، الصفحة 95 )

ثمّ أضاف : " فى مرحلة الإنتقال من الرأسماليّة إلى الشيوعيّة يظلّ القمع أمرا ضروريّا ، و لكنّه يغدو قمعا للأقلّية المستثمِرة من جانب الأكثريّة المستثمَرة ، و يبقى الجهاز الخاص ، الآلة الخاصة للقمع ،أي " الدولة " ، أمرا ضروريّا و لكنّها دولة إنتقالية ...

الشيوعيّة هي وحدها التى تجعل الدولة أمرا لا لزوم له البتّة ،لأنّه لا يبقى عندئذ أحد ينبغى قمعه ، " أحد " بمعنى الطبقة ، بمعنى النضال المنتظم ضد قسم معيّن من السكان".

( المصدر السابق ، الصفحة 96-97 )

و التحريفيّون المعاصرون بشتّى ألوانهم و الخوجيّون لا يتنكّرون لذلك فحسب بل يديرون ظهرهم أيضا لما ورد بكتاب ستالين ، " أسس اللّينينيّة " (الصفحتان 55 و 53):

- " دكتاتورية البروليتاريا هي سيادة البروليتاريا على البرجوازيّة " ( لينين ، " الدولة و الثورة " )

- " دكتاتورية البروليتاريا من حيث هي سيادة البروليتاريا على البرجوازيّة " (عنوان فصل من الكتاب ، مع أنّ ستالين أخطأ لاحقا عند صياغة دستور 1936 إذ إعتبر فيه أنّه تمّ القضاء نهائيّا على البرجوازيّة و لم تعد توجد فى المجتمع السوفياتي سوى طبقات صديقة ) .

فى حين يتحدّث معلّمو البروليتاريا العالميّة عن ممارسة البروليتاريا لدكتاتوريّتها على البرجوازيّة التى تقوم " بمحاولات إعادة تركيز الرأسمالية " ، يرى التحريفيّون السوفيات و الصينيّون و الخوجيّون أنّ فى المجتمع الإشتراكي توجد فحسب طبقتين هما العمّال و الفلاّحون و فئة هي فئة المثقّفين الثوريّين لا غير مقدّمين بذلك أجل الخدمات للبرجوازيّة الجديدة الناشئة داخل صفوف الحزب و الدولة البروليتاريّين بالتعمية على وجودها و بالتالي بإطلاق أيديها فى الإعداد لإعادة تركيز الرأسماليّة .

على من ستمارس البروليتاريا دكتاتوريّتها إذا لم توجد فى المجتمع الإشتراكي سوى طبقتين صديقتين ؟

أتمارس دكتاتوريّتها على طبقة غير موجودة ؟

أتوجد دولة لتكون غير قمعية ( و لو تجاه أقلّية ) لكي لا تكون دولة أي جهاز قمع طبقي ؟

من أين جاءت إذن الطبقة البرجوازية التى إغتصبت السلطة فى الإتّحاد السوفياتي بعد وفاة ستالين لتعيد تركيز الرأسمالية هناك؟ هل جاءت من لا شيء ؟ هل قيل لها " كن فتكون " ؟ إلخ إلخ

أمّا الماويّة فقد عرّت هذه الترّهات و السفاسف التحريفيّة الخادمة للبرجوازيّة الجديدة و أتباع الطريق الرأسمالي فى صفوف الحزب الشيوعي و الدولة البروليتاريّة و بيّنت بالتحليل الملموس لواقع الدول الإشتراكيّة الملموس أنّ الطبقات و التناقضات الطبقيّة و كذلك الصراع الطبقي يظلاّن موجودين فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا بل و يحتدمان و يتركّزان بصورة خاصة داخل الحزب محور الدولة الإشتراكيّة و أنّ إمكانية إعادة تركيز الرأسماليّة على أيدى التحريفيّين ممثّلى برنامج إعادة تركيز الرأسماليّة والبرجوازيّة الجديدة إمكانيّة حقيقيّة تحوّلت إلى واقع عيانيّ فى الإتّحاد السوفياتي و سعى الشيوعيّون الماويّون فى الصين للحيلولة دون حدوث ذلك فى الصين و أفلحوا طوال عقد من الزمن بفضل الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى مطوّرين هكذا جانب الإشتراكيّة العلميّة كمكوّن من المكوّنات الثلاثة للماركسيّة . و حتّى هزيمة الصين فى 1976 لا تفعل سوي تأكيد التحاليل الماويّة التى غدت سلاحا جبّارا بين أيدى الشيوعيّين الثوريّين الماويّين لتغيير الواقع راهنا و مستقبلا .

------------------------------------------------------------------------------------------------------------