لماذا الماركسية مخيفة؟؟


عذري مازغ
2020 / 9 / 12 - 17:41     

عندما يثار موضوع البناء الفوقي والبناء التحتي في الماركسية لا يعني الأمر أن يتموقع المرء في هذا البناء أو ذاك وينتصر لهيمنة بناء معين على الآخر بل أساسا لا يمكن فصل أي منهما على حدة فكلاهما يحدد ويتحدد بالآخر إذا لا يمكن الكلام على البناء الفوقي دون الحديث عن تاثيرات البناء التحتي والعكس بالعكس، أي ان هذه الأبنية مترابطة بشكل ما فيما بينها: إن نمو قرية ما سكنيا يفترض التفكير في ضرورات خاصة لهذه القرية يستوجبها تطورها من قبيل بناء مرافق معينة لها، هنا سنلاحظ تاثير البنية التحتيىة للقرية (الإجتماع الإنساني والنمو فيها)، هو من يحدد على مستوى البنية الفوقية (التفكيرية) شكل البرامج التي تحتاجها هذه القرية انطلاقا من الخصاص الذي تفتقد إليها، لكن هذه الأفكار المتصورة حول تطور القرية لا يحققها على مستوى الواقع إلا المستوى السياسي، أي ان السياسي هو من يعود إليه امر تحقيق تلك المشاريع أو تلك البرامج، إن هذا التحقق السياسي رهين بعاملين أساسيين هما: واحد يتعلق بالإرادة السياسية للقائمين على شؤون تلك القرية والثاني يتعلق بالبنية التحتية نفسها: الأساس الإقتصادي لتلك المشاريع في تلك القرية. يمكن للفكر أن يتصور ما شاء حول القرية لكن تحقيق ذلك كما قلنا مرهون بعاملين على الأقل: عامل رئيسي هو السياسي (وينتمي للبناء الفوقي) وعامل ضروري وينتمي إلى الحقل الاقتصادي (البناء التحتي: تطور الموارد ونموها، غطاء مالي لتلك المشاريع، بنيات تحتية وغيرها) هذا فقط نموذج بسيط نلاحظ من خلاله كيف تتداخل المستويات في تطور بينة اجتماعية محددة، اما على المستوى النظري العام وخروجا من نموذج القرية هذه، وفي إطار التطور التاريخي العام للمجتمع فالأمر بالطبع يتعقد أكثر تعقد البناء الإجتماعي نفسه وتعقد الصراع الإجتماعي فيه، فالتحول من نمط إنتاج إلى آخر ليس كالتفكير في مشاريع معينة داخل نطاق نمط إنتاج معين بل هو حركة تاريخية معقدة لا يمكن نقاشها إلا داخل أزمنة افتراضية معينة من تكون البنية الإجتماعية حيث تتداخل فيها مستوياتها المكونة لها والتي يحددها الماركسيون في ثلاث مستويا او ثلاث حقوق: المستوى السياسي، المستوى الإقتصادي والمستوى الإيديولوجي، إن هذه المستويات متحركة وليست ثابتة لكن رغم ذلك يلعب المستوى السياسي او التناقض السياسي (الصراع الطبقي بالتحديد) الدور الرئيسي فيها بشكل يلعب دورا حاسما في تنقل المجتمع من نمط إلى آخر ويظهر هذا أيضا حتى على مستوى النمط الوحيد في سيرورة مجتمع معين كالمجتمع الرأسمالي: إن الأبحاث العلمية مثلا في مجال معين، يوجهها السياسي وفقا لتوجه خاص في أي بناء اجتماعي (في الاعمال العسكرية او في ميدان الطب او أي ميدان آخر) أي ان حاجة معينة هي من يدفع إلى تحديد الأولويات وهذه الحاجة سياسية اجتماعية واقتصادية بالطبع لكن الذي يحدد سقف هذه الحاجة وحجمها هو الإقتصادي وقبل ذلك، الذي ينضج هذه الحاجات هو المستوى الإيديولوجي حيث تتبلور كأفكار تتصارع حول نمطية هذه الحاجات لتتبلور في موقف سياسي برفضها او قبولها، إن دور السياسي هنا يلعب دور المهيمن برغم وجود سقف اقتصادي يغطي هذه الحاجات أي أن السياسي هو من يعود له دور التحديد الأخير في بناء هذه الحاجات أم لا، وهذا التحديد أيضا راجع إلى هيمنة سياسية لموقع ما على حساب المواقع الأخرى لاسباب تخدم الهميمنة للمسيطر سياسيا.. في الثمانينات من القرن الماضي (وهنا لا اريد أن آتي بامثلة بعيدة عن محيطنا)، بمعادن جبل عوام، كان التفكير في منطقة المناجم، إيمانا بأن المناجم ستنتهي يوما، هو التفكير في صناعات بديلة تبني أو تضمن الشغل لاجيال المستقبل ضمن ما سمي حينها بسياسة "التقويم الهيكلي" وفي إيطار أيضا ما سمي حينها ب"المغربة" (أو مغربة المؤسسات الأجنبية الذي يقوم على بعد تسييرها من طرف أطر مغربية)، كان التفكير حينها في استثمار جزء من فائض إنتاج المناجم في خلق معمل للصلب بمنطقة المناجم كبديل على توقف العمل بالمناجم مستقبلا وكان الجميع مقتنعا بالفكرة وحدد حتى السقف المالي للمشروع وكم عدد الطاقة العمالية وما إلى ذلك، لكن حينها ولأسباب سياسية معروفة أختيرت مدينة مكناس مكانا لعمل هذا المصنع وقدمت وعود للعمال حينها بان هذا المصنع سيستفيد منه ابناء عمال المناجم، وفي غياب سياسة مجالية وفي إطار صناعة مغربين (المغرب النافع والمغرب غير النافع) كما هو قائم في سياسة المخزن المغربية ومع سيرورة تاريخية غير منسجمة تماما أصبحت منطقة المناجم حاليا تتبع لولاية بني ملال عوض مكناس التي بنيت أصلا بأموال غابات ومعادن منطقة أقاليم إيفران وخنيفرة.. إن التفكير السليم بخصوص هذا المشروع كان يجب ان يكون بمنطقة المناجم كتعويض على نهب معادن المنطقة، إن الذي حدد موقع إنشاء هذا المشروع هم القائمون المهيمنون في السياسة المغربية (عمال وقواد الملك بخلفيات معروفة نوقشت في المستوى الإيديولوجي)، إن الإنضاج الإيديولوجي تم على إنضاج أن المشروع رفضه القائم على جماعة مريرت حينها بتلفيق واحتقار كبيرين لشخصية هذا الرئيس الذي بالفعل أمي (لكن امي لانه لم يدرس العربية الفصحى وليس امي سياسي بالمعنى الحقيقي) برغم تسويق فكرة استفادة أبناء عمال المنطقة ولو في مكناس، هذا التسويق تم تهميشه في حينه بمجرد تدشين المصنع بسبب غياب وعي مجالي، هذا الغياب مبني أساسا على خرافة الوطن التي ساهمت بشكل كبير في تمرير المشروع: ليس هناك استقلال ذاتي للجماعات القروية خصوصا في مسألة التدبير الإجتماعي والإقتصادي بالمغرب، كان هناك تسويق لمفهوم الوطنية بشكل ينتفي فيه مفهوم المجال (حتى بعد تراكم طويل للموارد تحت ولاية مكناس الذي يفترض موضوعيا بقاء إقليم خنيفرة في مجالها بسبب هذه التراكمات نفسها، لكن تم الإخلال بذلك، طلاق بدون تعويض)، إذ كيف تفهم الوطنية قفزا على المجالي؟ فالوطنية المخزنية شيء غريب على المواطنة إذ يقدم او يتصرف في اولوية منطقة معينة على حساب اخرى كما يتصرف الإقطاعي في ممتلكاته، بينما الوعي المجالي يفترض وطنا مختلفا يبدأ بالمجالي إلى الوطني. أي أن القيمة فيه للمواطن المجالي.
وعموما، ما أريد الوصول إليه هو دور السياسي المهيمن في تحديد سيرورة تاريخ مجتمع معين على كل المستويات وفي إطار بنية اجتماعية خاصة ذات نمط اقتصادي خاص دون ان نتكلم عن التحول من نمط إلى آخر (النموذج الذي تكلمت عنه هنا هو نموذج النمط المخزني في المغرب)
اما عندما يتعلق الامر بالإنقال من نمط إنتاج إلى آخر فالمسالة مخيفة جدا ولعى أي لا يهم هنا من هم مصابون بالخوف بقدر ما سأعود مرة اخرى خطوة للوراء لأتكلم عن أمر مهم:
النظام المغربي يحدد هيمنته السياسية الخاصة به بتحديد ديموقراطية خاصة به بغض النظر عما إذا اتفق او لم يتفق الفكر الليبيرالي حول الأمر (على الاقل هنا الليبيرالي المغربي يتفق على الأمر وانا معه في لعبته السياسية) لكن لا يجب بالنسبة للآخرين الذين مثلا هم ضد نظام المخزن بالمغرب أن يكونوا مستائين فقط لتسويق روعة النظام التمثيلي لديموقراطية البوكر بالغرب، فالغرب أيضا يحدد بشكل متفاوت سياقه الديموقراطي من خلال لعبة خاصة، فالديموقراطية لا تعني عندهم التحول الثوري لمجتمع ما بل تعني تداول الحكم في إطار خطوط حمراء لا تتجاوز هدم النظام الرأسمالي: إن الوهم الديموقراطي في دماغ الافراد يعني نظريا أن حزب معين إذا رشحته الجماهير سيطبق تماما برنامجه السياسي لكن في حقيقة الأمر لايعني الأمر كذلك بل يعني أنه يمكن لأي حزب مهما كان يساريا، في حالة ترشحه ان يعمل إصلاحات لا تتجاوز الحدود المرسومة للنظام الراسمالي (أي هو المخزن في المغرب لكن بشكل تفاوتي تاريخي)، لا شك أن بعض الإصلاحات الجدرية لأحزاب رشحت في الغرب اصطدمت بإكراهات خاصة أجبرت هذه الأحزاب على تقديم تبريرات معينة مرتبطة بالعلاقة الكونية الراسمالية.
إن ما يخيف في الماركسية هي ثوريتها، أي تجاوز حدود مرسومة للعبة الديموقراطية، إي إيمانها بالديموقراطية كما يتوهمها الأفراد والتي هي تطبيق كل برنامجها السياسي بدون إكراهات، إن فشل الأحزاب اليسارية في الأنظمة الراسمالية ناتج عن هذا بينما يكون نجاح الاحزاب اليمينية تاما لأنها تنسجم تماما مع لعبتها الديموقراطية.
الديموقراطية في الغرب الراسمالي لا تعني التحول بل تعني أسلوبا لإعادة إنتاج ما به نظامها يتجدد تماما كالمخزن المغربي ذي ديموقراطية خصوصية .
ماذا مثلا لو لم تكن الديموقراطية مقننة ومحدودة في إطار نمط سياسي خاص هو ديكتاتورية الراسمالي ؟ مثلا ينجح حزب شيوعي، ينتزع ملكية الخواص (بدون ديكتاتروية الطبقة العاملة المخيفة بل في إطار ديموقراطية واسعة بدون حدود خاصة على اعتبار كما في الوهم الإيديولوجي الديموقراطي تسمح بالتداول خارج نظام خاص، خارج كل اللعب)، من ينجح يقوم بما برمجه دون إكراهات، ثم ياتي حزب يميني راسمالي في المرحلة الثانية ويعيد تلك الملكيات لاصحابها، ولنترك بدئئيا لهم مشعل السبق أصلا، أقصد يمددون حدود اللعبة ويكونوا هم الحاكمون السابقون وحين ياتي دور الشيوعيون ويطبقون برامجهم وتصوراتهم بدون إكراهات..
بالفعل هو افتراض وهمي لسبب بسيط لأن سلطة نظام معين تبنى بالقمع وحيالها يكون القمع المضاد لها بدعة وهكذا ذواليك
عندما يمارس النظام السياسي الراسمالي القمع (وهذا كان في كل الأنماط التاريخية) حتى النمط النقيض له الحق في ممارسة القمع: إن شرعية قانون معين مبنية على هيمنة قمعية خاصة لمجتمع تبنى هذا القانون لا تهدم إلا بالعنف، بنفس القمع الممارس للبقاء.
سأتدرج للحديث عن امر آخر: الصراعات التاريخية هي صراعات دموية بين قوى التحرر وقوى الهيمنة، بين قوى تحب التغيير وقوى تحب أن تستقر في مواقعاه: إن استالين (وانا بالمناسبة لست استاليني لأسباب إيديولوجية من داخل الماركسية نفسها) كان دمويا في عصر حافل بالدموية، في عصر كانت إسالة الدماء نكهة خاصة للبطولات: قبل ان يحدثني شخص عن قتلى استالين في الإتحاد السوفياتي يجب ان يحدثني عن (فرنسا مثلا، كم قتلت في المغرب وفي الجزائر وفي كل مستعمراتها)، لماذا فقط جرائم استالين هي المحسوبة؟ هنا فقط حدثونا عن جرائم فرنسا وانسوا جرائم انجلترا وامريكا وهولاندا والولايات المتحدة، فقط للتامل والمقارنة!!؟؟
جزئيا تطرقت للعلاقة بين البناء التحتي والبناء الفوقي في الماركسية وأثرت لماذا الماركسية مخيفة.