حقائق استراتيجية: احذروا من أي تحالف مع الروس


نضال نعيسة
2020 / 9 / 12 - 16:50     

بعد 60 عاما من الخطاب الشعاراتي النضالي المقاوم وحلف وثيق مع الروس والسوفييت، و"معاهدة صداقة وتعاون" مجمدة لا قيمة لها (رجاء ممنوع الضحك)، فقد تم انتهاك سيادة سوريا من أطراف البلد وجهاته الأربعة، واستنزفت فيها كل الطاقات البشرية والمادية والمعنوية السورية وخرجت سوريا بعدها من كل حسابات وتوازنات القوى الإقليمية والعالمية وصارت دولة فاشلة "ساقطة" جيو-سياسياً، وميدانياً وانكشفت عسكريا واستبيحت حدودها من قبل كل دول الجوار، العراق، الأردن، لبنان، تركيا، في خرق فاضح لمبادئ وميثاق الأمم المتحدة، وفقدت عملياً "عذريتها" وسيادتها كدولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة، وتوزعت بين عدة احتلالات، وتحولت أجزاء عزيزة من الوطن السوري الحبيب لخارج سيطرة الدولة المركزية التقليدية، وباتت كجزيرة معزولة في محيط شاسع فسيح، ليس لها علاقات دبلوماسية سوى مع كم دولة مارقة كإيران وكوريا الشمالية، وليس هناك من يطرق بابها، وحين يزورها موظف بالخارجية من دولة عالمثاثية متخلفة، تصبح الزيارة، نظراً لندرتها، مادة دسمة للإعلام، مع أنه في الحالات العادية، والعلاقات الطبيعية، لا يتم الالتفات لموظف من هكذا مستوى حتى في المطار...ولم يعد لها أية قيمة استراتيجية في اعتبارات وتوازنات وصراعات المنطقة وتفككت وانهارت وباتت بطة عرجاء Lame-Duck تبحث عن طوق نجاة.. ورفعت من كل مؤشرات الأمم المتحدة كونها أصبحت أفقر بلد بالعالم ممزق وجائع ومفلس ويصطف مواطنوه بالملايين يومياً للحصول على رغيف خبز بعدما كان أول منتج للحبوب والقمح تحديداً بالمنطقة ولديه فائض استراتيجي للتصدير وحتى تقديمه كمساعدات مع الكهرباء لدول الجوار...

وهذا ليس حال سوريا مع الروس والسوفييت سابقاً، فكل الدول التي تحالفت مع الروس وتقمصت العقائد الاشتراكية "المافيوزية" الكاذبة والجوفاء، كان جزاؤها الإعدام السياسي والتحول لدولة مارقة وفاشلة ومنهارة ومفلسة وجائعة، كمصر ناصر، والعراق، والجزائر (أكبر بلد مافيات ولصوص وحرامية تابع لجامعة قريش)، والسودان، وإثيوبيا منغستو هيلي ميريام، وكوبا كاسترو، وفنزويلا شافيز والمهرج مادورو، وإيران، وكوريا الشمالية، والمنظومة الاشتراكية سابقاً"رومانيا وتشيكوسلوفاكيا والمجر بولونيا ياروزلسكي التي انهارت كلياً أمام "تضامن" وأسقطها ككرتونة عامل اسمه "ليخ فاليسا"، و،ألمانيا الشرقية "هونيكر" مخبر الكي جي بي، ولعل أبرز مثل هو يوغوسلافيا السابقة التي كانت واحدة من أقوى الدول الاتحادية بالقارة العجوز، والتي آلت لسلوبودان مبلوسوفيتش آخر أباطرة الشيوعية، وأوثق حليف لروسيا الأرثوذكسية، التي أمنت له الغطاء لفترة من الزمن، لكنها وقفت وتوقفت عن جمايته، في حرب البلقان، حيث دمره الناتو عن بكرة أمه وأبيه وأولاد خالته وأخيه عبر قصف سجادي قطـّع أوصال هذه الإمارة الشيوعية فيما كان الروس يكتفون بنقل مشاهد طائرات الأطلسي وهي تدك آخر الحصون الحمراء في البلقان، وتم اقتياد الزعيم الشيوعي ميلوسوفيتش مخفوراً ومكلبشاً بالسلاسل أمام كاميرات الروس وأعينهم حيث مات قهراً بالسجن، وهم يحتسون الـ"سميرنوف" بصمت ويتلقون التعازي برفيقهم الأحمر السابق. وأما المثال المحزن الأخير، فهو الحليف المسكين، سيادة العقيد المعتوه والمغفل قذافي، الذي لم يكتف الأطلسي، وأمام أعين حلفائه الروس، بتدمير الجماهيرية العظمى على الطراز اليوغسلافي، والإمساك بالعقيد المنتشي بالشعارات الثورية والطوباوية، بل سمحوا لخاطفيه، وكلاء الناتو، بـ"دحش "ماسورة" في مؤخرته الثورية الشريفة أمام أعين الناس.

ولم تزل روسيا حتى اليوم دولة عالمثالثية، يتم فيها تعديل، وقص، ولصق الدستور، ليناسب مقاس وطول ومزاج ورغة الزعيم الحاكم المطلق للأبد الذي يخشاه الجميع ويأبى أن يرحل إلا بتدخل الرفيق "عزرائيل"، وليس فيها أية تقاليد ديمقراطية وتعتبر، بالمقاييس دولة بوليسية أمنية مخابراتية يحكمها العسكر، ولا تستطيع مجاراة الغرب بأي شيء، و"روبلها" (طايح بالأرض)، ولا أحد يشتريه، وفضائح الاعتقالات والاغتيالات السياسية وتسميم رموز المعارضة والتنكيل بهم تحاصر جدران الكرملين، ودولة بهذه المقاييس لا يصح أن تكون أنموذجاً يحتذى بها مهما بلغ الشعار، ومهما كبرت اليافطة التي ستختبئ وراءها هذه التجاوزات والانتهاكات.

ولن نعرّج على خريجي روسيا والاتحاد السوفييتي أشباه الجهلة وغير المتعلمين تقريباً، الذين أداروا الدولة والاقتصاد السوري، وأحالوه لركام وأنقاض مقتفين التجربة السوفييتية الفاشلة والمنهارة، ومن دون الغوص، أيضاً، ولاعتبارات أمنية ولوجستية وطنية، في تفاصيل عسكرية أعقد وأكثر إيلاما وحساسية كلها تذهب باتجاه واحد وتحذر من أي تحالف وتنسيق وعمل مشترك مع الروس، والمكتوب يقرأ من عنوانه، وتجريب المجرب هو من سمات العقل المخرب...

و"قال شو بدي اتذكر منك يا سفرجل كل عضة بغصة"