غواية الشحرور الأبيض


حسن مدن
2020 / 9 / 8 - 11:31     

في رواياته، خاصة «الخبز الحافي»، يُصيبنا الكاتب المغربي الراحل محمد شكري بما يشبه الفزع، حين جعل من العالم السفلي لمدننا العربية الممزقة والمسكونة بوقائع تفوق «الفانتازيا» عملاً إبداعياً، رواية بالتحديد، بهذا القدر من السلاسة وسهولة السرد حيث يتناول أكثر الأشياء إثارة للقشعريرة ببرود يحسد عليه. وكان لدى الكاتب من الشجاعة التي لا يتوافر عليها سوى القلة، بأن يقول إن ما رواه في الكتاب، على ما فيه من قسوة وغرابة، هو صفحات من سيرته الذاتية.

يُطالب محمد شكري بالأدب الذي لا يجتر ولا يراوغ، ولديه مبرره القوي فيما يذهب إليه: «قل كلمتك قبل أن تموت فإنها سوى تعرف، حتماً، طريقها. لا يهم ما ستؤول إليه. المهم هو أن تشعل عاطفة أو حزناً أو نزوة غافية. أن تشعل طيباً في المناطق اليباب الموات».
ولشدة الفزع، أو ما يشبهه الذي توقعنا فيه الرواية قد لا نرغب في العودة إليها ثانية، فنركنها بعيداً، على خلاف تلك الكتب التي نجد متعة أو رغبة في إعادة تصفحها وقراءة ما استوقفنا فيها عند قراءتها أول مرة.
وبطلبٍ من محمد شكري نفسه، فإن الأديب السوري محيي الدين اللاذقاني هو من اختار عنوان كتابه: «غواية الشحرور الأبيض» الذي حرص، كما قال في تقديمه، على اختيار عنوان يحيط بالكتاب إحاطة سوار بمعصم، محذراً من أن وهج الكتاب سيقل إذا ما ضلل العنوان القارئ العجول، فذاك سيحجب عنه بعض مضامين كتاب شديد التنوع والكثافة.
في «غواية الشحرور الأبيض» يُقدم محمد شكري تجربته مع القراءة والكتابة، متناولاً معاناة الكاتب في انتقاء مصادر كتابته، بالاتكاء على موهبته، التي لا يمكن أن تتحول إلى إبداع حقيقي إن لم تصقلها التجربة. ويقدم شكري خلاصات قراءاته لروايات وكتب أبرز الكتاب ليضعنا على تخوم التجربة الإبداعية وهي تنهل من الحياة ومن الكتب.
وهنا أيضاً يبدو محمد شكري مفزعاً ومشاكساً وغرائبياً، وهو يقدم مصادر تجربته، في حداقة النظر وفي الالتقاطات المدهشة.
حسبنا هنا هذه العبارة التي يفتتح بها أحد فصول الكتاب عن غواية الشعر وتسامحه، إذ يقول: «من اخترع المرآة، ليس ضرورياً أن يكون نرجسياً، ربما اخترعها ليتشفى من الذين يتهربون من رؤية وجوههم فيها. إذا كانت المرايا تسوركم، فأين ستولون وجوهكم، هذا إذا لم تكن المرآة قد اخترعت نفسها بنفسها».