تجديد المواجهة العراقو أمريكيه ابراهيميا؟/3


عبدالامير الركابي
2020 / 9 / 5 - 15:32     

تجدبد المواجهة العراقوامريكيه ابراهيميا؟/3
عبدالاميرالركابي
عام 2008 صدر في بيروت كتابي: " ارضوتوبيا العراق وانقلاب التاريخ : من الابراهيميه الى ظهور المهدي.. كيف يرد التاريخ العراقي على التحدي الأمريكي؟" (1) وفي عام 2020 اعلن الرئيس الأمريكي ترامب تعليقا على الاتفاق الخياني التاريخي الاماراتي الإسرائيلي، قائلا: بان ماحصل برعاية امريكيه، هو "اتفاق ابراهيمي"، قبل ذلك كان بوش الابن، مدمر العراق، قد اعلن بان "الله امره بضرب العراق"، وقال في مكالمة تلفونيه مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك: انه ذاهب لمقاتلة "ياجوج وماجوج في بابل"، مادفع بالرئيس الفرنسي لان يزيح سماعه التلفون من اذنه ليتاكد اذا ماكان هو يحلم، ام ان مايسمعه حقيقة صادرة عن رئيس اكبر دولة في العالم؟ .
وتتوالى الاخبار عن مساعي بلورة تيار او حركة عالميه "ابراهيميه"، مشابهة، او مكملة لظاهرة الصهيونية العالميه/ يراجع الرابط ادناه/ (2) وكل تلك دلالات على نوع المصائرية الناظمه من هنا فصاعدا لحركة التاريخ، وهو ماقد تكرس منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، وانتهاء الفصل الأخير من الغربويه بصيغتها "الازدواجية" التي حلت على ظاهرة الغرب منذ ثورة أكتوبر 1917 وتحولت الى نظام دول "منظومة"الانتقال المتاخر للبنى الطبقية الشرقية الى الراسماليه، الى ان دخل العالم راهنا لحظة تراجع حضور الغرب وهيمنته النموذجية، بينما هو يرفع لافتتة "نهاية التاريخ" الخرقاء عند لحظة نهايتةهو، وهو ماكان متوقعا صدورة عن موضع الكيان الامبراطوري المفقس أصلا "خارج رحم التاريخ".
فيما عدا تعرض وحيد كتبه الشهيد ناهض حتر(3) في مجلة لبنانيه، لم يلاق كتابي المنوه عنه أي شكل من اشكال الانتباه، فضلا عن العناية، وعومل كما ينبغي في بنية عقليه متكلسه تصادف عملا خارج العدة، غير خاضع لحكم كيس المصطلحات المتداول، عدا عن الميل المتقصد العدائي الحسي مادون العقلي، كما يمكن تصوره صادرا عن بقايا مجاميع وفضلات التجمعات، ومايعرف بالاحزاب الحداثية، والامر يشمل بالطبع فئة الجهل المطبق الاسلاموية، وكل ذلك بديهي، ابان لحظة انعطاف انقلابيه تاريخيه كبرى، ماتزال قيد اللا مدرك، بينما العقل خاضع لحكم العادة، ولبقايا اثار ووطاة تراكمات العقل الباقية من دون أساس، وبعد ان زال مبررها الواقعي والتاريخي.
تبدأ "التفارقية الرباعية" الناظمه للتفاعليه التاريخيه الراهنة، منذ النصف الثاني من الالفية الثانيه، بغلبة اوربيه، مع الانقلاب الالي المصنعي الراسمالي هناك وبلوغ اليات المجتمعية الانشطارية الطبقية، اعلى المجتمعات الأحادية دينامية، ذروة تحوليتها السائرة الى مابعد طبقية، بينما تكون التحوليه والانتقال الى مابعد مجتمعية هي الناظمة للحظة التاريخيه التي تبدا كما قلنا بتصدر وغلبة اوربا، ونهضتها الحداثبة الكبرى، وحقبتيها الأولى الكلاسيكيه المصنعية وصنوها" الاستعمار القديم الكولونيالي"، والثانيه الازدواجية، حقبة "القطبيه" التي تظل مستمرة حتى اخر القرن العشرين، ليبدا من يومها طور الانتقال التحولي وياخذ الغرب بالتراجع مكانه ونموذجا لصالح اللامجتمعية والتحولية، حين يبرز وقتها دور ارض مابين النهرين التي تكون قد بدات تشكلها الثالث منذ القرن السادس عشر، ومرت بثلاث حقب قبليه وانتظارية دينيه، ومبركة على إيقاع الغرب الغالب خلال الفترة التفارقية الأولى.
والتفارقية الجاري الحديث عنها، والتي سبق لنا التنويه بها مرارا،هي لحظة تتوحد عندها الاليات المجتمعية على مستوى المعمورة، وتعرف اربع مكونات هي: الغرب الأوربي، وارض الرافدين كقوتين رئيسيتين، إضافة الى بقايا الدورة الثانية الشرقية الغاربة ممثلة بالسلطنه العثمانية، والكيان القاري الجديد المفقس خارج رحم التاريخ، وهو الوحيد الذي يتسنى له البقاء موجودا الى جانب وبمواجخة العراق، حين يكون العثمانيون قد غابوا منذ البدايه وبداء الاوربيون كمشروع وحالة صعود، بالغياب، بعد ان يكونوأ قد ادوا دورهم الهام، وفقدوا صلاحيتهم تاركين ماتبقى لهم على عاتق القارة والامبراطورية المفقسه خارج رحم التاريخ، تقف بإزاء وبمواجهة الكيان الأصل، وصانع أسس التاريخ ووجهته الأساس غير المنظورة، والمتعذرة على الادراك العقلي، بينما تصير وقتها ممكنه، وواقعا.
واهم مايميز هذه اللحظة ، لحظة غروب الغرب، وبدء اليات التحولية بالغلبه، هو هذا التعارض الحاد غير المسبوق بين الوعي والواقع، بالذات في القارة المفقسه خارج رحم التاريخ والتي تظل مستلبه، تتصور نفسها غربا، بما انها وجدت وتشكلت ابان صعود الغرب الأوربي وهيمنته النموذجية، ليصبح تاريخا الفعلي تاريخ الاستلاب الاستعاري الأوربي لكينونتها، بقابله استلاب واقع على البينة التحولية، بنيه الازدواج المجتمعي التاريخي، مع فارق كون ارض الرافدين غير قابله للاستلاب الدائم، بنية وتكوينا، ومخزونا تاريخيا متشكلا، وسائرا الى تحقق مالم يكن قد تحقق خلال دورتين من تاريخ هذا الموضع، ان الأوان اليوم لان ينتهي ماتعذرفيما مضى الى التحقق النهائي التحولي.
ان كتاب " ارضوتوبيا العراق" وماجاء فيه من تصنيف مجتمعي، هوالتاسيس الأول للتحوليه الاخذه بالغلبه، ولتبدل السردية الحداثية كليا، وماقد لاقاه من موقف ضمن الاشتراطات التي صدر ابانها، لايخرخ عن تصادمات الوعي والواقع في لحظة من اكثر لحظاتها احتداما (4) واولية ابتدائية لكنها دالة، حتى على مستوى المعروض في الكتاب، ومدة اكتمال عناصره والضروري المنطوي في خلفيته، الامر الذي استوجب لاحقا جهدا لم يتوقف، قامت "الحوار المتمدن" مشكورة من دون غيرها، بتحمل وطاته، وشدة احتمالياته، وغربته عن زمنه والمكان، ماقد تضمنته حتى الان عشرات المقالات، مسطره في مدونتي منذ اعلاني اكتشاف " الازدواج المحتمعي" قبل المواضبه على البحث عن الياته.
لم يكن هذا الإعلان الموصول للابراهيمة (نظرية اللادولة العراقية الجنوبيه وتجليها السماوي ابان زمن استحالة تجسيدها الأرضي) هو الأول الصادر عن القارة المفقسه خارج رحم التاريخ، فالنداء الابراهيمي العراقي "سنبني مدينه على جبل" الذي اطلقه البيوريتانيون وهم على السواحل يهمون بالتوغل في الأرض المكتشفه وقتها عند مفتتح "التفارقية الرباعية"، هو نداء تاسيسي امريكي، سيظل حاضرا في قلب الكيان الجديد المضطر للتاقلم مع النموذج الغربي الغالب ابتداء، من دون ايه أسس، او أرضية، او تراتبيه تاريخيه، من شانها ان توصله بما قد اضطر لاستعارته واستيهامه، مشفوعا بتميز"المجتمع الرسالي" والامه "الأعظم"، وماكان تفوه به بوش الابن، او ترامب اليوم، هو ايقاع خلفي تكويني، يتحول اليوم ومن هنا فصاعدا الى مصيرلامصير سواه، به يلتقي الكيان الفاقد لفعل التاريخ مع التاريخ، لا لكي يعيد خطواته من بدايتها انما لكي يندرج بفعل كينونته الحاليه، الخاليه من ثقل التاريخ الطبقي في المسار التحولي اللامجتمعي الراهن الذي ينهي المجتمعية.
ماقيمه وموقع قلامة ضفر تاريخيه كيانيه،مثل الامارات العربيه، بالابراهيمه، وكيف يمكن ان تمثلها او تعيها، او تستجيب لمطوياتها الراهنه والتاريخيه، ومنجزها، عند لحظة انتهاء ضرورتها، لحظة التجسد الاستبدالي المؤقت، ابان زمن اللاتجسد الارضوي لكيانيه لا ارضوية، بينما ينتهي اليوم زمن الابراهيمه النبوية التي يؤيد الصهاينه تكريسها زورا، وخارج ذاتها والتاريخ.
الابراهيمه انتهت كطور وضرورو مؤقته من التاريخ، مع بدء تحقق كيانيتها التي انتجتها، وكانت في خلفيتها مجتمعيا لا الهياميا كما يظن، او منقطعا عن المعاش الأرضي الذي لايتجسد ارضويا، فالمعمورة الان على مشارف الانقلاب الكوني الأعظم، انقلاب التحولية والبدايه العظمى الذاهبة الى ماوراء المجتمعات الانسايوانية الجسدية، الى العقلية وانفصال العقل عن الجسد، وصولا الى الطور الأصل، والغاية النهائية لوجود الكائن الحي المكتوب له الانتقال بعد توطنه الأرضي المؤقت، الى الاكوان العلياوهو ماتمثل ارض الرافدين بؤرته الأساس والمنطلق، ومكانه تجليه "المنتظر"الراهن.
ـ يتبع ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) "ارضوتوبيا العراق وانقلاب التاريخ" عبدالامير الركابي/ دار الانتشار العربي ـ بيروت ـ/ 460 ص من الحجم الكبير، 2008 .
(2) https://www.youtube.com/watch?reload=9&v=pTVuo5EPJ54&fbclid=IwAR1cTaLD_m04OdQZiLyMJ1P4uDh11iDZksD14BZn6zkZvmiN0zl4OR4_Nas
(3) المقال بعنوان "نبي من هذا الزمان".
(4) بانتظار ("قرآن العراق" وبابداد وريثة بابل وبغداد).