التعليم في المغرب


حميد المصباحي
2020 / 9 / 5 - 00:49     

علق التعليم في المغرب، بين خيارين، فلا هو اعتمد الخيار النفعي، من خلال
مخرجات العملية التعلمية، التي تقود إلى الشغل، كوسيلة للترقي الاجتماعي،
وبذلك يصير التعليم فاعلا في خلق فئة وسطى، لها قيم فاعلة اجتماعيا
وثقافيا، ويمكنها المساهمة في تطور القيم، وخدمتها بفعالية بمشاركتها في
خلق الرأسمال الرمزي، الذي تحتاجه كل المجتمعات البشرية، لتواكب التطور
الحضاري والمدني وحتى السياسي، عندما تخلق ساسة، لهم خيال واسع قادر على
تجديد أليات التنمية والتطور، ولا استطاعت الدول الفوز في الخيار الثاني
المتمثل في خلق دافع أخلاقي، محفز على التعلم باعتباره انتصارا لقيم
العقل والتميز، بغض النظر عن الشغل والمخرجات النفعية، هنا كانت
الاختيارات التعلمية والتعليمية رهينة صراعات سياسية، اختزلت في جزئيات،
من قبيل اللغة كأساس للهوية، وطبيعة العلاقة مع الللغات الأخرى، وكيفيات
تشجيع التعليم الخصوصي ودعمه ليشارك في ال‘نتاجية، التي لم تحدد بشكل
واضح، كأننا أمام متاهة، لا مخرج لها بناء على ما سبق ذكره، وهنا تظهر
مشاكل التعليم، كمشاكل سياسية، تتنازعها أهداف غير واضحة،ولا تجيب على
السؤال، أي أية غاية نريد للتعليم أن يصل إليها، قيمية أم نفعية؟
وتولدت عن هذا الغموض ثنائية أخرى، فيها السياسي والثقافي في الوقت نفسه،
وهي التقليد والتحديث، فكانت أجوبة الدولة أيضا غير واضحة، فهناك انفتاح
على الجديد، ومن جهة أخرى هناك استحضار التراثي والقديم، فإلى جانب
المدرسة الحديثة واللغات، هناك تعليم عتيق، وتعلمات قائمة على الفقه وعلم
الأصول، بدون تجديد لا مناهجها ولا رهاناتها، كأننا أمام خليق لا أحد
يقرب الحسم فيه خوفا على الشعور العام، الذي له حساسية تجاه الجديد، بدون
الاعتراف بأهمية المعاصرة والتحديث،هذه الثنائيات، الغير المحسوم فيها
كليا ، تركت عالقة، بل تتفاوت بطبيعة المواد المدروسة، حيث تجد تعالقا
بين النفعي والقيمي،من جهة، ومن جهة أخرى تعالق بين القديم والحديث، طبعا
لا يمكننا أن ننسى وثيقة الميثاق الوطني للتتربية والتكوين، الذي يراد
لها هو الآخر، أن يظل مجرد توجيهات عامة، أو خريطة طريق تم الاتفاق حول
طرق التدريس، بناء على ما ينبغي على المتعلم أن يكتسبه كمهارات وكفايا،
منهجية ومعرفية وحتى قيمية، بشكل عام شكلت حدودا دنيا للتوافق، لكن
الفاعلين سياسيا، يتوجسون من غاياتها حسب الانتماءات الحزبية والرهانات
السياسية العامة، بحيث يمكن للحزب أن يتراجع في أية لحظة عن المتفق حوله
بناء على طبيعة قياداته، والتوازنات العامة وحتى طبيعة التحالفات ومدى
قدرتها على القبول بما هو واضح في أفق الاتفاق العام، وهنا،لابد من
الإشارة إلى ضرورة تدخل الدولة، بشكل واضح وملزم للجميع، بما يجعل من
التعليم استراتيجية وطنية، واضحة الغايات، بالإجابة على تلك الأسئلة
المعلقة، ماذا نريد من التعليم؟ ما هي وسائل تحقيق ذلك؟ما المقصود
بالجودة؟
هذا هو المدخل الأساس لبناء منظومة تعليمية، مواكبة للتطورات التي يعرفها
العالم، مع استحضار ذوي الشأن في كل الاختيارات التي تنوي الدولة
تنزيلها، وخلق تعاقدات ملزمة، يحاسب من خلالها نساء ورجال التعليم، وكذا
المساهمون الآخرون بناء على التزامات واضحة، بدل استحضار تجربة القطاع
الخاص، التي اعتقد أن نجاحها كان حصيلة لوجود صيغة التعاقد، التي من
خلالها تنشط آليات التنافس بين المدرسين حفاظا على وظائفهم، وهذا وهم،
لأن البرامج هي نفسها وأغلبية المدرسين من القطاع العام، لكن السر يكمن
في طبيعة الأسر التي تدرس في أبناءها في القطاع الخاص، وثانيا تركيز هذا
القطاع على التنافسية بصيغتها النفعية، بحيث لا تجد إلا التخصصات مثلا
العلمية، كاستجابة لحاجيات السوق من حيث الشغل وأهمية ولوج أبنائهم إلى
الجامعات ذات الاستقطاب المحدود، بما يؤهلهم للعمل أن استكمال دروسهم
بالدول الغربية الأروبية.
حميد المصباحي_كاتب روائي